هآرتس: نظرية بن غوريون تم افشالها في 7 اكتوبر
هآرتس 17/7/2024، زلمان شوفال: نظرية بن غوريون تم افشالها في 7 اكتوبر
المبدأ الاساسي في نظرية الدفاع الوطني لاسرائيل، القدرة على الدفاع عن نفسها بقوتها الذاتية، غير معفي من التحفظات. حسب مارتن اينديك، السفير الامريكي السابق في اسرائيل، فان استعداد حاملات الطائرات الامريكية في البحر المتوسط وفي البحر الاحمر يثبت أن اسرائيل غير قادرة على ذلك. هذا استنتاج متسرع لأنه في كل الحالات الحديث يدور عن دفاع للخط الثاني، ولا يوجد أي تناقض بين المبدأ الاساسي وبين التعاون الشامل مع الولايات المتحدة.
المساعدات الامنية الامريكية تبلغ 16 في المئة من ميزانية الدفاع، و2 في المئة من الميزانية الكلية لاسرائيل، وهي تشمل ايضا قدرة اسرائيل على الوصول الى المنظومة الامنية الامريكية. اسرائيل ستواصل حاجتها الى السلاح من الخارج، لا سيما من الولايات المتحدة، ولا يوجد لها شيك مفتوح بهذا الشأن. في الحقيقة المساعدات الامنية متضمنة في قرارات الكونغرس وهي تخدم ايضا مصالح امريكية، لكنها غير منفصلة عن الاعتبارات السياسية أو عن المصالح السياسية الامريكية الداخلية.
المصالح الامريكية تتعارض احيانا مع مصالح اسرائيل. في السابق كان هناك من عارضوا في الولايات المتحدة العلاقات الامنية مع اسرائيل بسبب النفط العربي، والخوف من أن امريكا ستضطر الى المحاربة من اجل اسرائيل. هذه التخوفات تلاشت بعد حرب الايام الستة، التي مهدت الطريق للتعاون العسكري. منذ ذلك الحين زادت المساعدات الاجمالية وبلغت 3 مليار دولار في السنة، 1.8 مليار دولار للمساعدات العسكرية و1.2 مليار للمساعدات المدنية.
لكن السياسيين الامريكيين وجدوا صعوبة في تبرير لناخبيهم الذين يواجهون صعوبات اقتصادية، المساعدات المدنية. ايضا اقتصاد اسرائيل هذه كانت حيوية له اقل من المساعدات الامنية، التي اعتبرت مبررة حتى من ناحية المصالح الامريكية. في العام 1996 احدث بنيامين نتنياهو ثورة واعلن بأن كل المساعدات ستخصص للامن. وتم الاتفاق ايضا على أن المساعدات الامنية ستعتبر منحة وليس قرض. ومنذ العام 2008 يوجد تعهد خطي من قبل الولايات المتحدة بأن يكون لاسرائيل تفوق عسكري “بالسلاح”.
بين حين وآخر تظهر فكرة بلورة اتفاق دفاع بين اسرائيل والولايات المتحدة. ولكن من ينتقدون هذا الامر يعتبرونه وبحق مس محتمل بحرية عمل اسرائيل عسكريا. مع ذلك، ليس تفسير ذلك استبعاد تحالفات عسكرية اقليمية أو واسعة اكثر. اعتبار اسرائيل “حاملة طائرات امريكية” كان في الواقع مبالغ فيه. ولكن بسبب أنها الدولة الديمقراطية والمستقرة الوحيدة في الشرق الاوسط، اضافة الى قدرتها التكنولوجية والعلمية والعسكرية، زادت اهميتها في نظر الامريكيين. قدرة الجيش الاسرائيلي على العمل في الحرب الحالية ستعزز هذا التقدير.
نظرية الامن الاسرائيلية، التي تم وضعها في عهد بن غوريون، تستند الى الردع، الدفاع، الانذار، الحسم ونقل الحرب الى ارض العدو. الردع الاسرائيلي فقد الكثير من قوته في 7 اكتوبر، وحتى قبل ذلك، بسبب امتناع اسرائيل عن العمل بكل القوة ضد الهجمات الارهابية والاعتماد على التسهيلات الاقتصادية. “الدفاع” يعني أن حدود الدولة ستكون محمية على يد عوامل مادية مثل المستوطنات المدنية وكل انواع العوائق وعن طريق الجيش الاسرائيلي.
وثيقة “18 نقطة” التي صاغها بن غوريون في 1953 سعت الى جسر فجوة التدني في العدد عن طريق تفضيل عمليات الردع والاحباط، استنادا الى الادراك بأن اسرائيل غير مستعدة لحروب طويلة. رغم الاهمية التي اعطيت للدفاع إلا أن الوثيقة نصت على أن اسرائيل لا يجب أن ترتدع عن القيام بعمليات مبادر اليها، والافتراض الاساسي هو أنه محظور عليها الخسارة، لأن الخسارة أو حتى صورة الخاسرة، يمكن أن تؤدي الى تدميرها. وماذا بخصوص السلام؟ “السلام ليس هدفا، والحرب ليست هدفا، الهدف هو تجسيد الصهيونية”، قال بن غوريون.
الرؤية التي صاغها بن غوريون لم تصمد في امتحان 7 اكتوبر ليس بسبب أنها لم تكن صحيحة، بل لأن القيادة والجيش لم يقوموا بتنفيذها. فبلدات الغلاف لم تكن فقط العائق أمام العدوان، بل اصبحت هدفا مريحا؛ العقبات المادية تم تجاوزها بشكل مدهش (هذا حدث في السابق في خط بارليف)؛ قوات الجيش لم تكن مستعدة ولم تكن في المكان الصحيح، وواضح ايضا أنه لم يكن هناك أي “انذار”. كما يبدو هذا كان الفشل الاساسي في 7 اكتوبر.
مادة الحسم اكثر تعقيدا. ففي ظروف اسرائيل الحسم هو مؤقت في ساحة الحرب المحتملة، كما تم التوضيح في الحروب السابقة، لكن لا يمكنها منع زيادة القوة وهجوم جديد للعدو، أو التوصل الى سلام قابل للحياة في ظل غياب ظروف سياسية ودولية اخرى. اسرائيل وبحق تحظى بتفوق عسكري واضح أمام الاعداء، لكن مثلما تعلمنا احداث 7 اكتوبر والوضع الحالي امام حزب الله، فان هذا الامر لا ينعكس دائما في انجازات مطلقة في المعركة.
مركز ثقل اسرائيل الامني انتقل من العالم العربي الى ايران. ايضا بالنسبة للولايات المتحدة فان ايران تعتبر تهديد للامن القومي. ولكن بالنسبة لاسرائيل فان التهديد مباشر وأكثر خطورة، وهو يقتضي تعامل دبلوماسي وامني. ومثلما ثبت في الهجوم الجوي الايراني في شهر نيسان الماضي فان التعاون العسكري والسياسي مع امريكا كان له دور مهم في احباط نوايا طهران، ليس فقط في الهجوم نفسه، بل ربما اكثر من ذلك في الفصول التي سبقته والتي بدونها اسرائيل لم تكن لتكون قادرة على تطوير وسائل الدفاع والهجوم التي لديها. بكلمات اخرى، مبدأ الدفاع عن النفس بالقوة الذاتية هو الخط الاول في أمننا، لكن التعاون مع الآخرين يستكمله.