ترجمات عبرية

هآرتس: نصر الله فتح حسابا منفردا مع إسرائيل، لكن المواجهة تُحسم في غزة

هآرتس 2/8/2024، تسفي برئيل: نصر الله فتح حسابا منفردا مع إسرائيل، لكن المواجهة تُحسم في غزة

على الاعلام الحمراء التي رفعت أمس على المساجد في ايران بعد تصفية اسماعيل هنية، وفي جنازة فؤاد شكر في بيروت، ظهرت الكلمات التالية: “هبوا للانتقام للحسين”. هذا كان شعار المتمردين في مدينة الكوفة في العراق الذي ارادوا الانتقام لدماء الامام الحسين بن علي مؤسس الشيعة، الذي قتل في العام 680. المتمردون اعتبروا انفسهم المسؤولين عن موته لأنهم قاموا باستدعائه لقيادة قواتهم في الحرب ضد يزيد، الخليفة الأموي الثاني. لذلك خرجوا للتمرد في العام 684 الذي في نهاية المطاف تم قمعه. العلم الاحمر يرمز الى دماء الحسين التي سفكت، الذي بموته بدأت الحرب الخالدة بين السنة والشيعة.

حماس التي قادها هنية هي حركة سنية، احد احفاد الاخوان  المسلمين التي تعتبر الشيعة حركة منحرفة وليست جزء من الاسلام الارثوذكسي. الدعوة الى الانتقام لموته تريد اظهار أن استراتيجية “وحدة الساحات” تتجاوز خطوط الحدود الطائفية والدينية، وكلها مجندة للنضال الوطني الفلسطيني، لا سيما نضال حماس. عنصر الانتقام تحول في هذا الاسبوع الى عنصر رئيسي بعد اغتيال هنية وشكر، ودفع الى الزاوية العناصر الاستراتيجية التي املت ميزان القوى الاقليمي – والعلاقة التي انشأها حزب الله بين لبنان وقطاع غزة. بل هي صممت ايضا “معادلة الرد” التي هي اساس قواعد الصراع حتى الآن، وعلى رأسها التي تمت صياغتها في الحرب بين حزب الله وايران وبين اسرائيل.

جدول الاعمال الذي استخدمته كل من اسرائيل وحزب الله لتنظيم “حجم الرد ونطاقه”، الذي حدد خطوط حمراء اشارت الى وقت البدء في التصعيد الذي يحتاج الى رد شديد، الذي فقد اهميته بعد قتل شكر وهنية. امس نشرت صحيفة “الاخبار” اللبنانية المقربة من حزب الله مقال شديد اتهمت فيه مباشرة الوسيط الامريكي عاموس هوخشتاين بالشراكة الكاملة في جريمة تصفية شكر. كاتب المقال المجهور الذي كما يبدو كتبه محرر الصحيفة ابراهيم الامين، كتب أن هوخشتاين نقل رسالة واضحة تقول بأن بيروت والضاحية والمطار لن تتم مهاجمتها ردا على قتل الـ 12 طفل وفتى في مجدل شمس في يوم السبت الماضي.

كاتب المقال كشف ايضا أن هوخشتاين هو الذي نقل الى حزب الله ايضا عبر الوسطاء اللبنانيين، من بينهم رئيس البرلمان نبيه بري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، اقتراح يقضي بأنه مقابل موافقته على الانسحاب الى شمال الليطاني فان اسرائيل ستمتنع عن الرد على قتل الاطفال. الحزب رفض هذا الاقتراح ورفض مناقشة الموضوع. باختصار، هذه كانت خدعة. تصفية شكر، كما كتب الكاتب، “رسمت خط فاصل بين ما كان قبلها وما سيكون بعدها”. هذه الاقوال تعكس موقف رئيس حزب الله، حسن نصر الله، حيث أن الحزب في نهاية المطاف يدير الآن معركتين مع اسرائيل. الاولى باسم “وحدة الساحات” التي تشترك وقف اطلاق النار في لبنان بوقف اطلاق النار في قطاع غزة. الثانية، هي معركة منفصلة بين حزب الله واسرائيل غير مرتبطة بالتطورات في غزة. المعنى هو أنه حتى لو تم في الغد التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار بين اسرائيل وحماس فان حزب الله ما زال ملزم بالانتقام لدماء شكر. كيف ومتى سيرد حزب الله؟ على ذلك اجاب أمس نصر الله في خطابه عندما قال “التطورات في الميدان والفرص العملياتية هي التي ستحسم”. 

لكن ليس فقط هي التي ستحسم. لأنه بعد قتل هنية في ايران بعد بضع ساعات على احتفال تنصيب الرئيس مسعود بزكشيان تم بناء “وحدة ساحات” جديدة، ليس من اجل غزة، بل وحدة يمكن أن تخطط وتبادر وتنسق وتنفذ الرد المناسب على عملية الاغتيال التي اعتبرت في طهران مس شديد بسيادتها. الى جانب ضرورة جباية الدين الذي هي مدينة به لمن كان ضيفها. حسب وكالة “رويترز” هذا التنسيق بدأ يتبلور، وممثلون كبار من الحوثيين والمليشيات الشيعية في العراق وحزب الله، اجتمعوا أمس في ايران مع قادة كبار في حرس الثورة لمناقشة تنسيق الرد ضد اسرائيل. 

الحساب المنفرد الذي فتح بين اسرائيل وحزب الله سيكون من الآن فصاعدا جزءا لا يتجزأ من حساب الحسابات الذي تعده ايران، سواء بشكل مباشر، أي مهاجمة من اراضي ايران كما أمر الزعيم الاعلى علي خامنئي (حسب تقرير “نيويورك تايمز”)، أو بالمشاركة الفعالة لوكلاء ايران في العراق وفي اليمن وفي لبنان. في هذه الاثناء هذا هو السيناريو الذي تستعد له اسرائيل والولايات المتحدة ودول اوروبية اخرى. في نفس الوقت طهران تريد التمهيد من اجل الحصول على الدعم السياسي والاقليمي للعملية التي تخطط لها.

العلاقات الاستراتيجية

وزير الخارجية المؤقت في ايران علي باقري – قآني، اجرى امس سلسلة محادثات مع نظرائه في السعودية ومصر وتركيا وقطر. هو اراد ليس فقط التوضيح لهم واقناعهم بالرد على قتل هنية في ايران، بل بالاساس ضمان أن لا تمس العملية الايرانية بشبكة العلاقات واستراتيجية التقارب مع دول المنطقة التي سعى اليها النظام في طهران. لم يتبين بعد كيفية رد من تحدث معهم وزير الخارجية، لكن كل زعيم من زعماء هذه الدول اجرى في موازاة ذلك محادثات مع جهات رفيعة في الادارة الامريكية. هؤلاء طلبوا منهم منع أي رد لايران، الذي يمكن أن يجر المنطقة الى حرب شاملة، أو على الاقل اقناع ايران بالرد بصورة “محسوبة ومحددة”. 

شبكة العلاقات، التي بنيت بحرص وجهود في السنتين الاخيرتين، شملت استئناف العلاقات مع دولة الامارات والسعودية وتطلع ايران الى استئناف العلاقات مع مصر، التي للمرة الاولى قامت بارسال مبعوث للمشاركة في احتفال تنصيب الرئيس الجديد في ايران، يمكن أن يكون لها تأثير كبير على حجم رد ايران، التي تعتبر أن لهذه العلاقات مع هذه الدول اهمية استراتيجية كبيرة، وحتى “ساحة منافسة” بينها وبين اسرائيل والولايات المتحدة.

محللون في ايران يعتبر شبكة العلاقات هذه اداة ضرورية ليس فقط لاخراج ايران من العزلة السياسية، بل ايضا صد نية الغرب في تأسيس تحالف عسكري استراتيجي ضدها، مثل التحالف الذي تتم مناقشته بين السعودية والولايات المتحدة، الذي في هذه الاثناء بقي على الرف.

الرئيس بزشكيان مدعوم من الحركات الاصلاحية، في نفس الوقت يحظى ايضا بدعم خامنئي، حتى الآن. هو اعلن عن الرغبة في ادارة سياسة خارجية “ودية”، حتى أنه اشار الى الاستعداد لمناقشة موضوع المشروع النووي في بلاده. انتخابه كرئيس يلزم ايران بأن تفحص جيدا تداعيات عملية عسكرية كبيرة والانجرار الى حرب اقليمية على استراتيجيتها السياسية، لا سيما امام امكانية أن يتم انتخاب دونالد ترامب للرئاسة في الولايات المتحدة في تشرين الثاني القادم.

فتح جبهة اقليمية عنيفة من شأنه أن يقوض جهود ايران السياسية، وأن يضعها كهدف للولايات المتحدة، وأن يرسخ بشكل واضح كتلة الدول الغربية الى جانب الولايات المتحدة، وبشكل ضمني الى جانب اسرائيل. كتاب اعمدة في ايران ينشرون في وسائل الاعلام الرسمية تحدثوا عن الحاجة الى اعادة الردع وتعليم اسرائيل والولايات المتحدة درس. ولكن الى أي درجة ستكون طهران مستعدة لتعريض مكانتها للخطر من اجل الثأر لدماء زعيم حماس، حتى لو كان الامر يتعلق بجباية دين لكرامتها الوطنية؟. ايران ملزمة ايضا بفحص تداعيات الرد العسكري على موقف اذرعها، لا سيما حزب الله في لبنان والمليشيات الشيعية في العراق، التي تعرضت في هذا الاسبوع لقصف الجيش الامريكي.

الطموحات المشتركة لايران وحزب الله بتسوية الحساب مع اسرائيل يجب أن تأخذ في الحسبان رد اسرائيل في لبنان. الذي في اعقابه يمكن لايران وحزب الله فقدان المعقل الاستراتيجي الاكثر اهمية بالنسبة لهم. حتى أنه لا يمكنهم الاعتماد على الاعتقاد السائد الذي كان في مركز استراتيجية “معادلة الرد” التي بحسبها اسرائيل لن تشن حرب شاملة مع لبنان، لا سيما أنه في هذه المرة يجب على ايران وحزب الله الاستعداد كي لا تكون أي منطقة أو موقع لبنى تحتية خارج الحدود. 

حسن نصر الله قام ببناء معادلة الرد على فرض أن اسرائيل لا تريد أو لا تستطيع ادارة حرب على جبهتين. في هذا الاسبوع كان يمكنه قراءة في الصحف اللبنانية التحليلات التي اوضحت بأن قرار تصفية شكر في قلب بيروت وهنية في قلب طهران، يدل ليس فقط على استعراض القوة الاستخبارية والعملياتية لاسرائيل، بل يدل على قرار استراتيجي لاظهار الاستعداد لشن حرب شاملة.

لا يوجد أي تأكيد على أن هذا هو وبحق قرار استراتيجي لاسرائيل، لكن الاكثر اهمية هو الطريقة التي تم فيها النظر الى عملياتها من قبل ايران وحزب الله. هذا لا يعني أن هذه الاعتبارات، مهما كانت موزونة، ستمنع الرد من لبنان ومن ايران، لكن يمكن أن يكون لها وزن كبير على حجمه، وفي الاصل حجم الرد المتوقع من قبل اسرائيل. عندما تنتقل الساحة الرئيسية الى لبنان وايران فان غزة، ذريعة وجود “وحدة الساحات” والمواجهة بين اسرائيل وحزب الله، سيتم دفعها الى هامش الساحة. ولكن غزة لن تختفي. اسرائيل يمكن أن تدعي بأن حماس تفككت، وأن قيادتها في معظمها تمت تصفيتها، وقدرتها العسكرية تقلصت ولم تعد تشكل أي “تهديد وجودي” على اسرائيل. ولكن في غزة، ليس في بيروت أو في طهران، يوجد مفتاح تحرير المخطوفين الـ 115 في غزة في يد يحيى السنوار وليس في يد حسن نصر الله. 

حسن نصر الله فتح حساب منفصل مع اسرائيل، لكن نهاية المواجهة مع لبنان تتعلق بوقف اطلاق النار في غزة. هذه المعادلة لم تغيرها أي تصفية حتى الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى