هآرتس: نصر الله خلق للولايات المتحدة ولايران مصلحة مشتركة: انهاء الحرب
هآرتس 7/6/2024، تسفي برئيل: نصر الله خلق للولايات المتحدة ولايران مصلحة مشتركة: انهاء الحرب
“من الافضل للكيان الصهيوني أن لا يواجه حزب الله بالصورة التي يغرق فيها في قطاع غزة”، هذا ما أوصى به وزير الخارجية في ايران، علي بكر قاني، اثناء زيارته في لبنان في هذا الاسبوع. في نفس المناسبة كشف أن بلاده تواصل المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، التي حسب قوله “لم تتوقف في أي وقت”، دون تفسير حول ماذا. الى جانب قضية المشروع النووي وصد هجمات الحوثيين في البحر الاحمر فان واشنطن وطهران الآن توجد لهما مصلحة مشتركة ملحة أكثر: منع اندلاع حرب واسعة بين اسرائيل ولبنان.
بكر قاني، كان نائب وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان الذي قتل في حادثة المروحية في الشهر الماضي مع الرئيس ابراهيم رئيسي، وتم تعيينه بشكل مستعجل لتولي المنصب الجديد. هو ترأس الوفد الايراني للمحادثات النووية في فيينا قبل ثلاث سنوات، وكان مشاركا في المحادثات مع الولايات المتحدة حول تبادل الأسرى، واجرى المفاوضات امامهم في سلطنة عمان في كانون الثاني الماضي لصد هجمات الحوثيين (التي لم تثمر).
باقري قآني هو صاحب تجربة كبيرة ومعرفة عميقة بالمتفاوضين معه من الامريكيين. هذا ذخر حيوي للطرفين الذين يناقشان كبح المواجهة الواسعة في لبنان، لكن توجد له ميزة اخرى، ربما هي اكثر اهمية. شقيقة هو صهر المرشد الاعلى علي خامنئي، لذلك فانه محسوب على الدائرة القريبة لمتخذي القرارات في ايران. المهمة الاولى له هي “معالجة” الازمة في لبنان. بعد بضعة ايام على اللقاء في هذا الاسبوع مع حسن نصر الله، اعلن نائب الاخير، نعيم قاسم، بأن الحزب لا يتطلع الى حرب واسعة، “لكنه مستعد لها اذا اقتضى الامر ذلك”.
يمكن الاستنتاج بأن ايران ما زالت حتى الآن لم تغير استراتيجيتها منذ بداية الحرب، التي تحدد “معادلة الرد”، للمواجهة بين اسرائيل وحزب الله بدون التدهور الى حرب اقليمية. يبدو أن هجوم ايران بالصواريخ والمسيرات على اسرائيل في منتصف نيسان ردا على تصفية قائد قوة القدس في سوريا ولبنان محمد رضا زاهدي، يمكن تفسيره بأنه انحراف عن هذه المعادلة. ولكن طهران حاولت التوضيح بأن الامر يتعلق بـ “رد محسوب” غير مرتبط بالمواجهة بين اسرائيل وحزب الله، بل بـ “حساب منفصل” معها، الامر الذي يبرر حسب رأيها، الرد المباشر على مس اسرائيل بقنصليتها في دمشق، التي تعتبر كأرض ايرانية. وبالتالي، تعتبر مس بسيادتها.
التحذيرات والتهديدات من جهة اسرائيل؛ التقارير التي بحسبها هي تنوي شن “حرب كبيرة” في منتصف شهر حزيران؛ زيادة حصة تجنيد الاحتياط بخمسين ألف جندي؛ المناورات للجيش التي تشبه الحرب في لبنان؛ الادراك في بيروت بأن تهجير عشرات آلاف الاسرائيليين من بيوتهم في الجليل، الذي يعرضه حزب الله كانجاز كبير له، كل ذلك يمكن أن يعمل كالسهم المرتد ضدها، كل ذلك يضع ايران وحزب الله في نقطة حسم معقدة. في مركزها يقف سؤال الى أي درجة يمكن لهذه المنظمة الشيعية التي تمط حدود المواجهة مع اسرائيل دون أن تعرض للخطر مصالح طهران، ودون أن تظهر وكأنها تراجعت امام التهديدات.
كل ذلك على خلفية ازدياد الانتقاد العام والانتقاد السياسي في لبنان من اجل اجبار اكثر من 100 ألف مواطن على اخلاء بيوتهم في المناطق على الحدود مع اسرائيل. الحقول تم تركها، وفرع السياحة يعمل فقط بشكل رمزي، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قدر أن الاقتصاد تكبد خسائر بمليارات الدولارات. حزب الله يستمر في تكبد الخسائر الواضحة في منشآته ويحصي اكثر من 330 قتيل في صفوفه. محرر صحيفة “الاخبار” ابراهيم الامين، المقرب من حسن نصر الله، حاول الاجابة على سؤال ما الذي يوجه حزب الله، وهل عليه أن يشعر أنه مهدد من خطوات اسرائيل.
شرعية حزب الله
المقال الذي نشره أمس تحت عنوان “هل اسرائيل حقا مستعدة لحرب واسعة ضد لبنان”، وصف فيه الامين العيوب التي توجد في سياسة وسلوك اسرائيل، بشكل وكأنها أخذت من الصحف الاسرائيلية. لقد عرض ذلك كدليل على عدم قدرة اسرائيل على تجسيد تهديدها، وقال إنه لا يوجد للبنان ما يخشى منه. الامين، الذي يتم اقتباسه بشكل دائم من قبل المحللين الاسرائيليين يعرف جيدا مكانته كـ “أبو المحللين”. المقال الذي نشره لا يعكس بالضرورة اتجاه التفكير الحقيقي لقيادة حزب الله. في المقابل، الموقف الرسمي اللبناني لا يقتضي مراوغات اكثر.
في مؤتمر صحفي الى جانب باقري قآني، وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب اعلن “لقد أكدت على موقفنا المعارض للحرب، وشرحت للوزير رؤية لبنان لايجاد حلول قابلة للتحقق، التي ستعيد الهدوء والاستقرار الى جنوب لبنان بواسطة سلة مشتركة تشمل تطبيق كامل للقرار 1701”. في اقواله تطرق بوحبيب الى “خطة المراحل” التي طرحتها فرنسا، والخطة الامريكية، اللتان بحسبهما سينسحب حزب الله مسافة 10 – 15 كم عن الحدود مع اسرائيل. بعد ذلك، تم الاقتراح، الجيش اللبناني سينتشر في المنطقة التي سيتم اخلاءها، وستبدأ المفاوضات على ترسيم نهائي للحدود البرية بين الدولتين، التي يتوقع أن تشمل تنازلات جغرافية من جانب اسرائيل.
هدف كل العملية هو الغاء ذريعة حزب الله لمواصلة المواجهة، وبالاساس وقف فوري لاطلاق النار. على اقوال بوحبيب رد باقري قآني باقتضاب: “دائما كانت هناك مشاورات وتعاون بين المسؤولين في الدولتين. ايران دائما تسعى الى دعم الاستقرار والامن وتقدم لبنان. ولم توفر في أي يوم الجهد للعمل على زيادة تقدم ورفاهية الشعب اللبناني.
هذه ليست اقوال فارغة استهدفت ارضاء أذن المواطنين في لبنان. بالنسبة لايران هي لها تداعيات استراتيجية لأنه بهذا “الرفاه” ترتبط شرعية حزب الله. الحزب يمتلك هو وشركاءه السياسيين 62 من بين 128 مقعد في البرلمان، وحقيبتين وزاريتين في الحكومة. هكذا فانه شريك كامل في الازمة الاقتصادية الآخذة في التفاقم منذ العام 2019 قبل الاعلان عن الافلاس؛ ومنع تعيين رئيس جديد للبنان منذ تشرين الاول 2022.
هكذا يطيل حزب الله حكم الحكومة الانتقالية الضعيفة، التي لها صلاحيات محدودة. تغيير مكانتها الى حكومة دائمة مرتبط بانتخاب رئيس، الذي حسب الدستور هو الذي يقوم بتعيين رئيس الحكومة. بدون حكومة لها صلاحيات ويمكنها تطبيق الاصلاحات الاقتصادية، أو على الاقل التعهد بتنفيذها، فانه لا يوجد للبنان في هذه الاثناء أي فرصة للحصول على المساعدات الدولية التي ستنقذه من الازمة.
ميزة حسن نصر الله
الادعاء الرئيسي لمنتقدي وخصوم حزب الله هي أن هذا الحزب يستخدم المواجهة مع اسرائيل كأداة لاجبار القوى السياسية على الموافقة على تعيين مرشحه للرئاسة سليمان فرنجية، وهو التعيين الذي سيضمن أن رئيس الحكومة القادم والوزراء سيعطون له الدعم والميزانيات التي ستمكنه من املاء سياسته. هكذا يستطيع حزب الله الدفع قدما بمصالح ايران، وبالاساس التهرب من المطالبة بنزع سلاحه. حسن نصر الله بالطبع ينفي هذا الادعاء. فهو امام خصومه يستطيع في الواقع هز الكتف، لكن يجب عليه مواجهة حقيقة أن الحرب في غزة اضافت الى كل الاعتبارات عامل غير متوقع وهو الذي يملي الخطوات السياسية في لبنان بشكل يمكن أن يعرض للخطر مصالح ايران.
مبدأ “وحدة الساحات” بين وكلاء ايران في المنطقة، الذي هو من ابداع قائد قوة القدس السابق قاسم سليماني الذي تمت تصفيته في كانون الثاني 2020 من قبل الولايات المتحدة، لم يستهدف تحرير فلسطين أو تدمير اسرائيل. هدفه كان خلق عمق استراتيجي لحماية ايران. هذا من خلال الافتراض أن طهران يمكنها تجسيد طموحاتها الاقليمية بواسطة “قوى مساعدة” محلية تجري المواجهات على الارض دون أن تضطر الى أن تكون شريكة مباشرة في العمليات التي يمكن أن تضعها على قائمة الاهداف للولايات المتحدة أو اسرائيل أو دول المنطقة. ولكن من استبدل سليمان، اسماعيل قآني، تبين أنه قائد باهت مع قدرة تخطيط وتفكير محدودة. وهو حتى لا يتكلم اللغة العربية، وهذا نقص كبير عندما يكون مركز ساحة التأثير التي تسعى اليها ايران هي الدول العربية.
هذه الصفات لقآني وفرت ميزة كبيرة لحسن نصر الله، الذي اصبح رجل ايران القوي في المنطقة وتقدم الى مكانة منسق عمليات منظمات الامتداد. ايران نفسها لم تنضم بشكل مباشر لـ “وحدة الساحات”، وتركت لحزب الله وللمليشيات الشيعية في العراق وللحوثيين في اليمن تطبيق نظرية القتال هذه. ولكن في الوقت الذي فيه الفروع الاخرى رفعت راية التضامن مع حماس، فان حسن نصر الله اعلن بأن المواجهة مع اسرائيل استهدفت الدفاع عن لبنان، وأنه بدونه فان اسرائيل كانت ستحقق حلمها وتحتل الدولة وتزرع فيها الدمار كما فعلت في غزة. هذا المبرر يصدقه قلائل في لبنان. عندما أوجد حسن نصر الله العلاقة بين وقف الحرب في غزة ووقف النار في لبنان فان شرعية، الضعيفة اصلا، ادعاءه تحطمت.
ليس فقط خصوم حزب الله هم الذين وقفوا على الارجل واتهموا الحزب بأنه حول لبنان الى رهينة لغزة، بل ايضا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اوضح بأن المواجهة تعرض الدولة للخطر. مشكلة حسن نصر الله هي أن ايران يمكن أن تعترف بأنه سوية مع لبنان جرها ايضا الى مكانة مشابهة؛ وأن مواجهة واسعة بين حزب الله واسرائيل يمكن أن تجبرها على التدخل بشكل مباشر، خلافا للاستراتيجية التي دافعت عنها حتى الآن. خلافا لموقف المراقب الذي اتخذته في غزة بذريعة أن حماس لم تنسق معها خطتها أو موعد الهجوم، فان ايران ستجد صعوبة في التنصل من التزامها تجاه حزب الله. وهي العملية التي يمكن تضعها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. هذا ليس فقط قلق ايراني، بل ايضا واشنطن تلقي بكل ثقلها لتجنب الحاجة الى المواجهة مع ايران.
هذا يبدو أنه الاعتبار الرئيسي الذي يحركها الآن كي تضغط على اسرائيل لتبني خطة انهاء الحرب في غزة، التي يمكن أن توقف النار في الشمال وتمنع فتح جبهة اقليمية. جبهة التي حجمها، وبالتأكيد نتائجها، يصعب تخيله. السؤال هو هل ستنجح ايران والولايات المتحدة في ترجمة هذه المصالح المشتركة الى نتائج سياسية تلزم زبائنهما.