هآرتس: نسبة القتلى الإسرائيليين إلى الفلسطينيين غير مقبولة علمياً أو أخلاقياً
هآرتس 2/12/2024، داني اورباخ ويغيل هنكين: نسبة القتلى الإسرائيليين إلى الفلسطينيين غير مقبولة علمياً أو أخلاقياً
المشاورات الأمنية التي أجراها أول أمس رئيس الوزراء ووزير الدفاع وكبار قادة الجيش في قيادة المنطقة الجنوبية تبشر بالانتهاء القريب من المرحلة الأكثر كثافةً في الحرب في قطاع غزة. قريباً سيعلن عن انتهاء العملية في رفح. الاتجاه آخذ في الظهور من الآن فصاعداً – تخفيض للقوات في القطاع، الانتقال إلى أسلوب الاقتحامات والانقضاض على أهداف حماس هناك، إرسال وحدات إلى الحدود الشمالية. السؤال الرئيسي هو كيف سيتم تغليف العملية برواية تقنع الجمهور أن الحكومة والجيش الاسرائيلي حققوا جزءاً كبيراً من أهداف الحرب، رغم أن حماس لم تهزم تماما، والمخطوفين لم تتم اعادتهم حتى الآن. الجيش الاسرائيلي سيواصل الاحتفاظ بقوات في ممر نتساريم، الذي يقسم القطاع إلى قسمين، شمال وجنوب. أيضاً أحد النقاشات حول محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر، يتعلق بمسألة أي جزء من المحور يجب مواصلة الاحتفاظ به. في الوقت الحالي يبدو أنه لن يكون هناك انسحاب من معبر رفح بسبب صعوبة التوصل الى اتفاق مع المصريين. في وسائل الإعلام الاسرائيلية نُشرت تقديرات للجيش الاسرائيلي حول 40 نفق تم حفرها تحت الحدود، وقد تم الكشف عن نصفها تقريباً. والحقيقة هي أن الاستخبارات لم تعرف على وجه اليقين الرقم، وبالتأكيد لا يعرف عدد الأنفاق التي لم يتم اكتشافها حتى الآن.
اسرائيل تعتبر محور فيلادلفيا انبوب الأوكسجين لحماس والذي فيه وفي معبر رفح تم تهريب خلال عشرين سنة السلاح والبضائع الى القطاع. وهي تريد أن تصل الى تفاهمات مع مصر حول طبيعة السيطرة على هذا المحور وإخلائه في مرحلة لاحقة، كما أن هناك مسألة أكثر اهمية من مسألة العائق المادي الذي يجب بناؤه ضد حفر أنفاق أخرى وهي: ما هي وسائل الكشف (الحساسات التي سيتم تركيبها بالقرب منه). من المهم لاسرائيل أن تكون هذه حساسات من إنتاجها بحيث ترسل معلومات للجيش الاسرائيلي وللشباك، وهكذا ستضمن إعطاء إنذار في حالة حفر أنفاق أخرى.
الرسالة التي يريد نقلها كل من يوآف غالنت ورئيس الأركان هرتسي هليفي هي أن الهجوم الواسع في رفح يشير إلى تفكيك الذراع العسكري لحماس في إطاره الحالي. آخر الكتائب القطرية لهذه المنظمة تم إخراجها من الخدمة. حماس ما زلت نشطة، ولكنها تفعل ذلك في إطار جديد من خلايا إرهابية وعصابية جديدة، والتي حجم الضرر الذي يمكن أن تتسبب به صغير، وتقريباً بدون سلسلة قيادة وسيطرة. ورغم أنه أطلق أمس تقريبا عشرين صاروخ من خايونس نحو مستوطنات غلاف غزة، إلا أن تهديد إطلاق النار نحو النقب ومركز البلاد تقلص كثيراً.
ستكون حاجة الى مواصلة محاربة حماس، لكن هذا سيتم في إطار ” قص العشب” المعروف من الضفة الغربية – اقتحامات متكررة لأهداف للمنظمة، اعتقال مخربين ونقلهم الى الشباك من اجل التحقيق معهم. ولكن المشكلة هي انه توجد هنا رسالة معقدة، يصعب استيعابها من ناحية الجمهور وخاصة إزاء الاهداف الطموحة التي طرحت في بداية الحرب. اضافة الى ذلك نتنياهو لم يتنازل كليا حتى الآن عن وعده بالنصر المطلق والقريب، الامر الذي لا يتساوق مع مقاربة غالنت – هليفي.
منذ أسبوع تقريبا يعمل الجيش الاسرائيلي في حي الشجاعية في شرق مدينة غزة. هذه المنطقة جرت فيها معارك صعبة منذ تشرين الثاني – شباط في عمليتين مختلفتين. اللواء 7 الذي يعمل هناك يتحدث عن قتال ضد عشرات الخلايا بالصواريخ المضادة للدروع التابعة لحماس. وهذا يدل على قدرة إعادة تأهيل سريعة لحماس أو حقيقة أن ما فعله الجيش الاسرائيلي في العمليتين السابقتين هناك لم يكن كاملاً، خلافاً لما فهمه الجمهور وبعض وسائل الإعلام. قبل الدخول الجديد للشجاعية جرى نقاش في قيادة المنطقة الجنوبية: كان هناك ضباط استصعبوا فهم طبيعة المهمة الملقاة عليهم الآن.
نصر غير حاسم
هنالك أيضاً موضوع رفح نفسها. نتنياهو أصر على العملية في رفح، رغم المعارضة الشديدة لإدارة بايدن، بالأساس لأسباب سياسية داخلية. الجناح اليميني المتطرف في حكومته ضغط عليه كي يرسل قوات الجيش الاسرائيلي لاحتلال المدينة، وحول نقاشاً تكتيكياً مهنياً الى اختبار للشجاعة. في ظل قيود التسليح التي فرضها الامريكيون وعقبات أخرى تقرر القيام بعملية مقلصة (وهو أمر لم يتم شرحه علنا). لقد شن العملية بواسطة جزء من فرقة واحدة بدلاً من فرقتين. وعملياً، المدينة لم يتم احتلالها بالكامل في أي وقت من الأوقات. في نصف مساحتها كان هنالك تواجد جزئي للجيش الاسرائيلي. حقيقة أن كل المدنيين الفلسطينيين هربوا من رفح عندما بدأت العملية، وقرار حماس الاحتفاظ بجزء من المسلحين كقوة احتياط خارج المدينة، قلصت الاحتكاك العسكري هناك.
معظم خسائر الجيش الاسرائيلي نبعت من هجمات من بعيد، التي وُجهت نحو نقاط ضعيفة. والدة أحد الجنود الذين قتلوا في رفح الأسبوع الماضي قالت بأنها سمعت ابنها عندما أصيب بنار قناص فلسطيني عندما كان يتحدث معها عبر الهاتف المحمول. للأسف الشديد، الكارثة تدل على وجود مشكلة في الانضباط العملياتي – استخدام الهواتف المحمولة داخل منطقة قتال وفي مكان مكشوف لنيران العدو.
يوجد معياران رئيسيان يجب قياسهما بشأن هزيمة العدو في قتال كهذا: احتلال وتطهير الأرض وقتل المسلحين. الاحتلال في رفح كان كما قلنا جزئياً فقط، والجيش الاسرائيلي يسارع إلى إخلاء جزء مما تم احتلاله. بخصوص القتلى، يبدو أن الانجاز محدود، في نهاية الأسبوع الماضي قدروا في قيادة المنطقة الجنوبية أنه في كل كتيبة من كتائب حماس الاربعة قتل 70- 230 مخرب من بين الألف مخرب. الارقام ارتفعت منذ ذلك الحين ولكنها لا تصل إلى نصف القوة المحاربة، وهذا الرقم من شأنه ان يشير إلى هزيمة. الصعوبة تنبع أيضاً من قرار محسوب لحماس بتقليص الاحتكاك من أجل تقليل المصابين.
يجب عدم الاستخفاف بالجهد الذي بذل في رفح ولكن يصعب التحرك بناء على الشك بأننا شاهدنا هنا مشهداً مفبركاً والذي نبع الذهاب إليه أيضاً من ضغوطات سياسية، أيضاً بعد انسحاب جزئي من المدينة، سيحلق سؤال، هل يوجد هنا انتصار حاسم على حماس. يبدو أن التأييد لحماس في أوساط سكان قطاع غزة بقي عاليا. حماس ما زالت تحافظ على قدرات تنظيمية وسلطوية، ولا زالت تحتفظ بجزء لا بأس به من قدراتها العسكرية، ربما هذا ما يمكن تحقيقه الآن في ظل قيود الوضع الإقليمي، ولكن يجدر قول هذا للجمهور بصورة واضحة ومباشرة.
فشل ذريع
على هامش الأمور جرى أمس فشل ذريع آخر يعتبر نموذجياً لأيام نتنياهو الحالية، في قضية إطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء في غزة، والذي كان معتقلاً في اسرائيل لمدة سبعة اشهر. مهرج الامن القومي ايتمار بن غفير، تبادل الاتهامات أمس مع كل العالم، وحتى أنه طالب بإقالة رئيس الشباك رونين بار بعد أن تبين بأن المدير محمود أبو سلمية اطلق سراحه بسبب اكتظاظ المكان في السجون.
عن النقاش الاعلامي الصاخب غاب تماماً سؤال هل كان هناك ما يكفي من الأدلة لاعتقاله، باستثناء الشبهة الاسرائيلية العامة بشأن تعاون إدارة مستشفى الشفاء مع الذراع العسكري لحماس، والذي استخدم هذه المنشأة لأغراض عسكرية، وهذا يضع ادعاءات اسرائيل حول تورط إدارة مستشفى الشفاء بالإرهاب، بعد قصف المستشفى في كانون الأول الماضي، في ضوء غير جدي.
عمليا، بن غفير، الذي هو غير قادر أن يدير بصورة جدية أي شيء، باستثناء عملية الإفساد والتطرف للشرطة ومصلحة السجون – هو المسؤول الرئيسي عن الحدث. على الرغم من أن مكتبه ومصلحة السجون تلقت أموال ضخمة منذ تشرين الاول لتمويل احتجاز آلاف المعتقلين الأمنيين الآخرين، فإنهم فشلوا في هذا تماماً، في السجون هنالك اكتظاظ كبير وبموازاة ذلك تطورت مشكلة شديدة في مجال القضاء الدولي إزاء احتجاز معتقلين في ظروف فظيعة في منشأة الاعتقال في سديه تيمان.
الشباك حذر عدة مرات من أنه بسبب الضغوط لن يكون هنالك مناص من إطلاق سراح معتقلين ومن عدم تنفيذ اعتقالات أخرى في الضفة الغربية، في عمل وزارته ركز بن غفير على ما يشغله حقاً: تصريحات عبثية، تقييدات تافهة بشأن ظروف معيشة المعتقلين والسجناء، وتوزيع السلاح على كل من يريد (إذا حكمنا حسب الاستطلاعات فإن هذه الصيغة تخدمه جيداً. فلماذا يكلف نفسه عناء العمل؟). ما كشف هنا هو عجز مطلق لحكومة فاشلة في وقت فيه المستويات المختلفة تتشاجر بشكل علني فيما بينها.