هآرتس: نزع أسلحة الميليشيات في العراق يشير الى تغيير استراتيجي إيراني

هآرتس 8/4/2025، تسفي برئيل: نزع أسلحة الميليشيات في العراق يشير الى تغيير استراتيجي إيراني
منذ بضعة اسابيع تجري في العراق نقاشات صعبة حول مكانة المليشيات الشيعية المؤيدة لايران، وكل تنظيم “الحشد الشعبي”، الذي هذه المليشيات في صفوفه. أمس، في تقرير حصري لـ “رويترز”، ورد أن بعض المليشيات الشيعية على استعداد لنزع جزء من سلاحها، وربما جميعه، وأن “الاذن” لذلك حصلت عليه من الزعيم الاعلى في ايران علي خامنئي.
في هذه الاثناء يجب عدم حبس الانفاس، والاشارة باشارة “في” كبيرة بشأن حملة اخرى ناجحة للتهديد الامريكي على ايران. إن نزع سلاح هذه المليشيات حتى لو تحقق فانه لا يعني غيابها عن الساحة في العراق أو تقليص تدخل وتأثير ايران في الدولة التي هي برعايتها.
لكن هذه اشارة واضحة على التفكير الجديد الذي اضطرت ايران الى القيام به امام الضربات التي تعرضت لها “حلقة النار” التابعة لها، بدءا بلبنان ومرورا بسقوط نظام الاسد في سوريا وانتهاء بالحوثيين الذين ما زالوا يطلقون الصواريخ حتى الآن رغم الهجمات الامريكية الواسعة.
“الحشد الشعبي”، الذي دمجه في الجيش العراقي الى جانب تفكيك المليشيات المؤيدة لايران يطلبه الرئيس الامريكي بالتهديد بهجوم عسكري كثيف، تم تشكيله في 2014 بتعليمات شرعية من الزعيم الشيعي الاعلى في العراق علي السيستاني، من اجل محاربة داعش الذي سيطر على عدد من المحافظات في العراق.
هذا كان تنظيم في ذروته ضم 70 مليشيا والآن هو نصف هذا الرقم. بعضها ممول ومدرب بشكل مباشر من قبل ايران، وبعضها موالية للسيستاني، وبعض آخر يعمل كذراع عسكري لحركات واحزاب شيعية في العراق التي لا تعتبر ايران بالضرورة مصدر الصلاحية السياسية أو الدينية.
ست مليشيات كبيرة توحدت في تنظيم باسم “المقاومة الاسلامية في العراق”، وهي التي نفذت معظم الهجمات ضد الاهداف والقواعد الامريكية في العراق وفي سوريا وضد اسرائيل في فترة الحرب في قطاع غزة. ولكن فيما بينها توجد فجوة واختلاف في كل ما يتعلق بالاستعداد للعمل عسكريا في اطار “حلقة النار”.
حتى أن البعض منها امتنعت كليا عن اتخاذ خطوات عسكرية ضد امريكا أو اسرائيل، واكتفت ببيانات الادانة أو التعبير عن التضامن مع الفلسطينيين. هذه الفجوات تنبع من المكانة الخاصة التي حصلت عليها هذه المليشيات، اقتصاديا وسياسيا، في العراق. وهي المكانة التي تمنحها قوة ونفوذ اكثر بكثير من اطار الاهداف العسكرية الاصلية التي انشأتها.
حسب القانون من العام 2016 تعتبر المليشيات جزء من القوات العسكرية العراقية، لكنها تعمل بشكل مستقل ولا تخضع للقيادة العسكرية العراقية، بل لقائدها فالح الفياض، الذي يقودها منذ بداية اقامتها. التمويل تحصل عليه من ميزانية وزارة الدفاع، ونصيبها قدر بثلاثة مليارات دولار في السنة، وهو يخضع لعدد المجندين المسجلين فيها.
هنا يكمن الاخفاق الاساسي في الرقابة على وادارة “الحشد”، لأنه على مر السنين حصلت زيادة خيالية في عدد المجندين المسجلين، حيث قفز في 120 الف مجند في 2019 الى 220 ألف في السنة الماضية.
لكن الكثير من المجندين هم “جنود اشباح”، غير موجودين في الواقع، واسماءهم يتم استخدامها فقط من اجل الحصول على الميزانية. بشكل منفصل فان بعض هذه المليشيات اقامت امبراطوريات اقتصادية تتضمن مشاريع عقارية، السيطرة على آبار لانتاج النفط، ادارة بنوك مستقلة، فرض رسوم وضرائب عبور، السيطرة على المعابر الحدودية، التي فيها رجالها يجبون الجمارك التي بالطبع لا يتم ارسالها الى خزينة الدولة.
حسب تقرير مراقب الحكومة في العراق فانه فقط 10 – 12 في المئة من الجمارك التي تتم جبايتها في المعابر تصل الى وزارة المالية في الدولة، والباقي يذهب الى جيوب المليشيات.
الاحتكاك العنيف بين هذه المليشيات والشعب في العراق، وسلوكها العنيف في بعض الاحداث، مثلا اثناء تفريق المظاهرات الكبيرة في 2019، جعلتها هدف للانتقاد العام والسياسي قبل فترة طويلة من التهديد الامريكي لها وللعراق. في وسائل الاعلام تسمع منذ سنوات دعوات لتفكيكها، وابعاد نفوذ ايران.
في شهر شباط الماضي، على خلفية استبدال الادارة في واشنطن التي وصل معها ايضا التهديد الامريكي الجديد المباشر، صادقت حكومة محمد شياع السوداني على “قانون الحشد الشعبي – الخدمة والانسحاب”، الذي ينص على ترتيب مكانة المليشيات وخضوعها للدولة. حسب مسودة هذا القانون الذي تم الدفع به قدما فان “الحشد” ستتم ادارته من قبل رئيس بمستوى وزير في الحكومة، ونشاطات الاحزاب فيه ستكون خاضعة لتوجيه ومصادقة رئيس اركان الجيش العراقي، وهذه التنظيمات التابعة للحشد ستكون مسؤولة عن “حماية الوطن ومؤسساته والديمقراطية”.
هذا الاطار يمكنه أن يقيم لنفسه اكاديميا عسكرية تكون لها هيئة اركان عسكرية، لكن الرقابة والاشراف على منظومة اموالها سيتم نقلها الى مراقب الحكومة. ولكن بعد فترة قصيرة من المصادقة على القانون في الحكومة فان رئيس الحكومة السوداني قرر الغاءه بسبب خلافات سياسية شديدة اثارها هذا القانون، وتم افشال احتمالية المصادقة عليه في البرلمان.
بعد ضغط آخر لامريكا تم وضع القانون مؤخرا على طاولة البرلمان، في 25 آذار الماضي، لمناقشة أولية، التي حتى الآن لم تثمر عن أي قرار. ويتوقع أن يمر برحلة طويلة ومضنية، فيها سيتم قضم بنوده الى أن يصل الى التصويت والمصادقة عليه في البرلمان، هذا اذا تحقق ذلك في نهاية المطاف.
في نهاية السنة يتوقع اجراء الانتخابات. والآن يصعب وصف أي سيناريو فيه الاحزاب الشيعية التي يوجد لبعضها مليشيات عضوة في “الحشد”، ستتنازل عن القوة السياسية التي يمكن أن تقدمها لها هذه المليشيات. القانون في الحقيقة يحظر على الاحزاب التي لها “ذراع عسكري” التنافس في الانتخابات. ولكن هذا قانون مرن بشكل خاص وطرق الالتفاف عليه مفتوحة ومعروفة.
حتى لو قرر رؤساء المليشيات الموافقة على نزع سلاحها والاندماج في الجيش العراقي إلا أن هذه العملية ستنطوي على مفاوضات قاسية حول التعويض الذي ستطالب به مقابل هذه التنازلات. تمويل استيعاب رجالها في الجيش ومكافآت تقاعد سخية بشكل خاص للذين لا يمكن استيعابهم في الجيش، لا سيما القادة القدامى الذين سيضطرون الى الاستقالة، هذه ستكون كما يبدو الجزء السهل في هذه العملية، أو عملية دمجها في المنظومة العسكرية.
الاكثر تعقيد من ذلك سيكون الموافقة على الطلبات السياسية التي ستطرحها مثل الشراكة في الوزارات الحكومية وتخصيص اماكن مضمونة في الانتخابات للبرلمان ووظائف تمكنها من السيطرة على الميزانيات، التي ستمكنها من التأثير على اتخاذ القرارات السياسية. هذه المليشيات ستضمن ليس فقط مكانتها، بل استمرار نفوذ ايران في المؤسسة العراقية واقتصاد الدولة، التي هي الآن تعتمد على مصادر الطاقة والمياه من ايران. في المقابل، دمج المليشيات في الجيش العراقي ووضعها تحت قيادة الحكومة العراقية، حتى لو كان اسميا، يمكن أن يكون ثورة في تاريخ العراق بعد نظام صدام حسين، واعطاء الحكومة العراقية السيطرة الحصرية على القوات المسلحة الموجودة فيها، باستثناء قوات الباشمارغا الكردية في اقليم الحكم الذاتي في شمال العراق.
من ناحية الولايات المتحدة فان الحكومة في العراق ستصبح العنوان لأي طلب أو تعاون، حيث تكون متحررة من التهديد العسكري الداخلي من المليشيات التي يتم تشغيلها من قبل ايران. ولكن كما قلنا، في هذه الاثناء هذا طموح نظري وسيصعب تطبيقه، حتى لو تم نزع سلاح المليشيات، بدون قطع اعتمادها الاقتصادي على ايران، الذي يملي ايضا سياسة الحكومات في العراق.
اهمية استراتيجية اخرى يمكن أن تكون لهذه الخطوة اذا نجحت في اعقابها، أو في موازاتها، الحكومة اللبنانية في أن تتمكن من نزع سلاح حزب الله، ونظام احمد الشرع يطبق حلمه في دمج جميع المليشيات المستقلة في سوريا في اطار عسكري وطني. هذه هي الخطة الاستراتيجية التي يرسمها ترامب الآن كجزء من عملية بلورة السياسة الامريكية في الشرق الاوسط.
من المهم الملاحظة أنه باستثناء التهديدات التي تهدف الى تسريع هذه العملية، فان الرئيس الامريكي ترامب يعطي اهمية كبيرة لدور ومسؤولية الحكومات التي تدير الدول التي تعمل فيها قوات مستقلة للجيش وتنظيمات ارهابية، ومستعد لاعتبارها شركاء حيويين وليس مجرد زر تشغيل. هذه رؤية استراتيجية مناسبة، لكن المشكلة هي أنه تكمن فيها آلية تدمير ذاتية، تعرف باسم “متلازمة ترامب”. هو يظهر مثل اعصار يهدد بتدمير كل شيء في طريقه وبعد ذلك يتلاشى من سحابة غبار.
مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook