هآرتس: نتنياهو الكابنت الصغير وبيبي الكابنت الكبير
هآرتس 4/6/2024، عاموس هرئيل: نتنياهو الكابنت الصغير وبيبي الكابنت الكبير
مصر اعلنت ظهر أمس بأن حماس ردت بالايجاب على الاقتراح الاخير لصفقة المخطوفين ووقف اطلاق النار مع اسرائيل، الذي عرضه في يوم الجمعة الماضي الرئيس الامريكي، جو بايدن. هذا لا يعتبر رد ايجابي كامل على الصفقة. وحتى أمس لم يتم نشر أي بيان رسمي لحماس. سلوك مصر تمت تجربته في المفاوضات الاخيرة: اعلانات باسم الطرفين، وبذلك تقييدهما بالصفقة بشكل اكبر. ايضا يجب التذكر بأن الشيطان يوجد في التفاصيل الصغيرة. الصفقة تستدعي تنازلات غير بسيطة، بالاساس بالنسبة للطرف الاسرائيلي. اسرائيل سيتعين عليها اطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين المحكومين بالمؤبد، حتى في المرحلة الاولى، مقابل اعادة عدة مخطوفين. حق الفيتو لمنع تحرير قتلة كبار سيكون محدود جدا.
ما الذي تريده اسرائيل؟ كما اعتاد خبراء مخضرمون في الشؤون السوفييتية، قبل اربعة عقود، على محاولة حل لغز المقالات في صحيفة “برافدا” (أو تسلسل ظهور كبار في الكرملن في المسيرات في 1 أيار)، من اجل فهم توجه الاتحاد السوفييتي، فانه الآن يشاهد الكثيرون ما يتم بثه في القناة 14 هنا. مساء أول أمس باستثناء التجند لتطهير اسم الوزيرة ميري ريغف، بعد التقرير القاتل لرفيف دروكر في القناة المنافسة فقد كان للمذيعين في القناة البيتية لرئيس الحكومة مفاجآت اخرى للمشاهدين. فقد اعترفوا أن الاقتراح الذي قدمه جو بايدن هو في الحقيقة اقتراح اسرائيلي، وأكدوا على الحاجة الى استكمال على الاقل المرحلة الاولى للصفقة (فيها، كما يظهر، اطلاق سراح مخطوفين على قيد الحياة لـ “اسباب انسانية”). ووعدوا بأنه عند الحاجة سيكون بالامكان استئناف القتال ضد حماس.
ميري ريغف، التي حتى في نقاشات الكابنت الامني تعبر عن دعمها للصفقة، قالت في مقابلة إنها ستفعل كل ما في استطاعتها للدفع قدما بالمصادقة على الصفقة. “الوزيرة ريغف تحاول اصلاح اضرار تقرير دروكر، وهي تغمز لليسار”، هكذا كتب في حساب القناة في “اكس”. وزراء آخرون اسمعوا مواقف متناقضة. فاسرائيل كاتس تحدث بشكل ايجابي عن الصفقة. عميحاي شكلي تحد عنها بسلبية. ومن كل هذه التصريحات يصعب الحصول على صورة كاملة حول موقف نتنياهو. ربما أن الوزراء واعضاء الكنيست والمتملقين يحاولون ببساطة تلمس وتخمين ما سيقرره رئيس الحكومة، وردودهم تتوزع بحسب ذلك. ربما المهم اكثر هو موقف شركاء نتنياهو في اليمين المتطرف. الوزير ايتمار بن غفير والوزير بتسلئيل سموتريتش صرحا ضد الصفقة المقترحة. بن غفير طلب من نتنياهو، ولكنه لم يحصل، المصادقة على الاطلاع على الصيغة الكاملة لاقتراح اسرائيل (الذي للمفارقة حماس لديها نسخة منه).
في الوقت الذي ناضلت فيه عائلات المخطوفين أمس من اجل المصادقة على الصفقة فقد نزلت عليهم البشائر السيئة واحدة تلو الاخرى. في الصباح اعلن الجيش الاسرائيلي بأنه عثر على جثة دولب يهود، وهو الممرض من كيبوتس نير عوز والذي خرج لمساعدة المصابين في يوم المذبحة، والذي حتى الآن كان الاعتقاد بأنه محتجز في غزة. في المساء صدرت بيانات مشابهة عن موت اربعة من المخطوفين المحتجزين في خانيونس وهم حاييم بري ويورام متسغر وعميرام كوفر (نير عوز) ونداف كوبلفيل (كيبوتس نيريم). هؤلاء الاربعة تمت مشاهدتهم في افلام الفيديو التي نشرتها حماس في كانون الاول الماضي. ويبدو أنهم ماتوا بعد بضعة اسابيع في ظروف غير واضحة حتى الآن. ويثور الشك بأنهم اصيبوا بالخطأ في عمليات قصف الجيش الاسرائيلي. ادعاء العائلات آخذ في الازدياد. فأي تأخير للصفقة يعرض حياة المخطوفين للخطر. احيانا يبدو أن اسرائيل هي التي تتسبب بالخطأ في موتهم. عدد المخطوفين في القطاع هبط الى 124 مخطوف، 43 من بينهم تم الاعلان عن موتهم، رغم أن العدد الحقيقي أعلى بكثير.
اذا لم يكن هذا كاف فقد جاءت اقوال نتنياهو في لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست أمس. رئيس الحكومة كرر بأنه لن يوافق على وقف الحرب وأنه لن يتنازل عن النصر المطلق (التعبير الذي قلل من ذكره مؤخرا). وأنه يمكن استئناف القتال بعد المرحلة الاولى للصفقة، التي فيها سيتم الحفاظ على وقف اطلاق النار لمدة 42 يوم. المستمعون المتشككون هذا يبدو لهم تقريبا كدعوة لرؤساء حماس بالرد سلبا على الصفقة. نتنياهو يحتفظ بجميع الخيارات مفتوحة، وخلال ذلك ينجح في تشويش فهم كل من يحاول معرفة توجهه.
خطاب بايدن عرض على العالم الفجوة بين نتنياهو مجلس الحرب ونتنياهو نقاشات الكابنت الامني. في الكابنت الامني مع وزراء الليكود واليمين المتطرف فان نتنياهو يظهر خط متشدد. وفي كابنت الحرب المصغر، كما يتبين من اقوال الرئيس الامريكي، فان رئيس الحكومة كان منفتح اكثر على اقتراحات جديدة. الرئيس الامريكي كشف موقف نتنياهو من المنتدى المصغر (مجلس الحرب)، اضافة الى القليل من التفسير الامريكي الابداعي. هامش مناورة نتنياهو تقلص، بسبب كشف مواقفه. في الخلفية توجد متغيرات كثيرة مؤثرة: تهديد المعسكر الرسمي بالانسحاب من الائتلاف بعد اربعة ايام (الامريكيون يفضلون بقاءه وأن يضغط من الداخل من اجل المصادقة على الصفقة). تخوف نتنياهو هو من اصدار أمر اعتقال دولي ضده في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، ومن العملية المستمرة في رفح.
في القضية الاخيرة من الجدير الانتباه الى أن العملية في رفح تجري بشكل مختلف عن العمليات السابقة للجيش الاسرائيلي. في الحقيقة الولايات المتحدة لم تفرض الفيتو على دخول الجيش الاسرائيلي الى رفح بعد قناعتها بأن اسرائيل قد نجحت في أن تدفع بالتهديد نحو مليون مدني فلسطيني الى خارج المدينة. ولكنها لا تسمح للجيش الاسرائيلي بالعمل بدون قيود في المدينة. العملية حتى الآن تتركز على احتلال ممر فيلادلفيا على طول الحدود مع مصر وعلى القتال على مداخل الاحياء في رفح، وليس في وسط المدينة. صحيفة “وول ستريت جورنال” نشرت أول أمس بأنه بتدخل امريكي فقد تم تغيير العملية من عملية تشمل فرقتين الى عملية تشمل فرقة واحدة. مصادر في اسرائيل أكدت على هذه التفاصيل.
جمود خطير
الادارة الامريكية تقلق جدا ايضا من التسخين الاخير على طول الحدود مع لبنان. تبادل اللكمات بين الجيش الاسرائيلي وحزب الله آخذ في التصاعد، والنار تنتشر الآن على مسافة تبعد عشرات الكيلومترات عن الحدود. وحزب الله يزيد هجماته من اجل التسبب باضرار اكبر للجيش الاسرائيلي ردا على الخسائر الكبيرة في الجانب اللبناني. المسيرة تبين أنها أداة ناجعة جدا، وهي توجد لدى حزب الله. سلاح الجو ينجح في اسقاط فقط بعض المسيرات التي يتم اطلاقها. في الجليل الاعلى تشتعل حرائق كبيرة بسبب عمليات القصف التي يقوم بها حزب الله.
النتائج المحبطة والمنفى الطويل لـ 60 ألف اسرائيلي، تزيد الضغط على الحكومة وعلى الجيش من اجل العمل، الى درجة الدخول البري الى لبنان وقصف بيروت. التوتر واضح ايضا في لقاءات رؤساء المجالس المحلية في الشمال مع قائد المنطقة الشمالية اوري غوردن. ورئيس بلدية كريات شمونة افيحاي شتيرن غادر الجلسة وهو غاضب أول أمس بعد نقاش صعب مع قائد المنطقة. في هذه الظروف، حيث الحرب في القطاع عالقة، فانه يوجد اغراء امام هيئة الاركان، التفكير في أن الخلاص سيأتي من حرب مبادر اليها في الشمال. مع ذلك يجدر التذكر بأن هذه الحرب سيكون من الصعب جدا توقع كيفية انتهاءها، وأنه في كل الحالات ستجبي ثمن اسرائيل لم تتعود عليه.
في كل تأبينات وزير الخارجية السابق دافيد ليفي، غاب قليلا مكان فصل مهم في حياته السياسية. في العام 1982 عند اندلاع حرب لبنان الاولى كان ليفي من الوزراء القلائل في حكومة مناحيم بيغن الذين صمموا على طرح الاسئلة والتشكيك عندما جر وزير الدفاع في حينه اريئيل شارون الدولة الى مغامرة،كانت نهايتها تورط الجيش الاسرائيلي في بيروت. كانت لليفي، الذي اكثر من انتقاد الفجوة بين الاحاطات التي قدمها شارون وضباط الجيش للوزراء حول مجريات الحرب وبين صورة الوضع الحقيقية، مصادر على الأرض. فاثنان من ابنائه كانا يخدمان في سلاح المظليين، وفي محادثات خاطفة في الجبهة وفي الاجازة في البيت اعتادوا على أن يصفوا لوالدهما الوضع البائس هناك. بعد ذلك لعب ليفي دور رئيسي في اتخاذ القرارات حول الانسحاب بالتدريج من جنوب لبنان، حتى الخروج النهائي في أيار 2000 في فترة حكومة اهود باراك (ليفي كان في حينه نائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية).
في الحكومة وفي الكابنت الامني وفي كابنت الحرب، باستثناء رؤساء الاركان السابقين، غادي ايزنكوت وبني غانتس، فانه ينقص هناك وزراء يطرحون اسئلة صحيحة استنادا الى تجربتهم ويتحدون التفكير السائد. ايضا لا يوجد عدد كبير من الوزراء الذين لديهم أبناء في الخدمة العسكرية يخدمون في الجبهة (نجل ايزنكوت غال قتل في معركة في جباليا في كانون الاول، وهو جندي احتياط في لواء المظليين). ربما يمكن معرفة ذلك من اللامبالاة التي يتم فيها اتخاذ القرارات المصيرية. حتى أن الكثير من الوزراء واعضاء الكنيست لا يكلفون انفسهم عناء الاتصال مع العائلات الثكلى وعائلات المخطوفين الذين بسببهم لم يتم التصويت لليكود في صناديق الاقتراع.