هآرتس: نبذ القومية والعنصرية، يئير غولان لديه مهمة تاريخية

هآرتس 20/6/2024، ديمتري شومسكي: نبذ القومية والعنصرية، يئير غولان لديه مهمة تاريخية
“بنفس الطريقة التي نتقبل فيها أن النازيين لا يستحقون العيش، والفاشيين والعنصريين لا يستحقون الحياة، هكذا هم ايضا الصهاينة، لا يستحقون الحياة”. هذا ما قاله في بداية السنة كيماني جيمس، وهو من قادة الاحتجاج ضد اسرائيل في جامعة كولومبيا. هذه الاقوال لا تثير اشمئزازي، بل هي في الاساس تثير ابتسامي. نفس الامر يسري على اقوال البروفيسورة نديرة شلهوب كيبوركيان، التي قالت كما نذكر بأنه يجب الغاء الصهيونية. يا ليت، قلت لنفسي، يا ليت أن حياة الشعوب وبني البشر كانت بسيطة الى هذا الحد. لو أن الصهيونية وبحق كانت نظرية عنصرية، قومية متطرفة وفاشية، لكان بطبيعة الحال ينبغي على الاشخاص الجيدين والاخلاقيين، من جميع الجنسيات، ادانتها، والنضال ضدها حتى يتم الغاءها بشكل كامل.
لكن “المشكلة” – والأمل – هي أنه خلافا للنازية والشيوعية والفاشية فان الصهيونية ليست ايديولوجيا أبدا. الصهيونية هي قومية يهودية حديثة، وبعد اندثار الصيغ الاخيرة في القومية اليهودية الحديثة، الاستقلال الذاتي والاقليمية، فان الصهيونية هي الآن القومية اليهودية الحديثة. لذلك، من غير المنطقي والاخلاقي “الغاء” الصهيونية، بالضبط مثلما أنه من غير المنطقي والاخلاقي التطلع الى الغاء القومية الفلسطينية أو أي قومية اخرى، لأنها تعكس أحد الحقوق الاساسية الجوهرية للانسان في العصر الحديث، وهو الحق في وطن سياسي، ثقافي، اجتماعي وهوياتي.
ومثل كل القوميات الحديثة فان الصهيونية ايضا تشمل في داخلها تنوع كثير من الرؤى السياسية المختلفة وحتى المتناقضة، مثل الايديولوجيا العنصرية والفاشية، أو المواقف الليبرالية الديمقراطية ذات الحساسية لحقوق الاقليات والمختلفين والاجانب. سيكون هناك من سيقولون بأنه بسبب العامل الكولونيالي، الذي لا يجب انكار دوره الرئيسي في عملية تحقيق تقرير المصير القومي لليهود بين البحر والنهر، فان بُعد عنف الحكومة وانكار الآخر يعتبر اساس عملياتي للصهيونية في الماضي وفي الحاضر.
في المقابل، يمكن الادعاء أنه بسبب خصائص ثقافية – سياسية خاصة لنمو الصهيونية، على الاقل على المستوى النظري – السياسي، الافكار الليبرالية ونماذج سياسية ديمقراطية مختلفة مغروسة عميقا في الوعي السياسي الصهيوني، لأن الحركة الصهيونية ولدت على خلفية فشل مدوي للمجتمعات الاوروبية الحديثة في استيعاب الآخر اليهودي في تشكيلتها المدنية، فان مؤسسي الصهيونية الحديثة ارادوا عدم تكرار فشل دمج الآخر في الدولة اليهودية عند اقامتها. لذلك، هم فكروا وطوروا صيغ سياسية معقدة ولينة لقومية ديمقراطية ليبرالية، التي أسسها يجدر تبنيها الآن من اجل اصلاح الصورة السياسية والاجتماعية – الثقافية لدولة اسرائيل.
ادعاءات تماهي بشكل مطلق بين الصهيونية مع العنصرية ومع توجهات لمحو الآخر تعكس على الاغلب جهل صارخ في كل ما يتعلق بالتاريخ الحديث لليهود والقوميات والقومية. في نفس الوقت يجب الاعتراف بأن الدعوة الى الغاء الصهيونية ليس بالضرورة تنبع من الجهل والكراهية، بل هي على الاغلب تكون من خلال الواقع.
في الواقع التاريخي الحالي فان الافكار والنماذج لبناء واقع وطني – مدني متسامح، الذي طرحه هرتسل وجابوتنسكي، وبيرل كاتسنلسون وبن غوريون الشاب، هذه قائمة جزئية، بقيت على الورق. في حين أن التعبيرات العملية الملموسة للصهيونية في الماضي وفي الحاضر تمثلت وتتمثل في سياسة عنصرية، قمعية وعرقية – قومية متطرفة. هكذا كان الامر في عهد الحكم العسكري في العقدين الاولين للدولة، وهكذا يستمر تجسده في عهد الاحتلال والابرتهايد الحالي، الذي بدايته كانت في 1967 ونهايته لا تلوح في الافق.
يجب رؤية الامور بشكل صحيح، وقول الحقيقة مهما كانت صعبة. اذا تبين وبحق بشكل نهائي أن الصهيونية لا تستطيع الوجود في الواقع، بل مثلما هي الآن، ظاهرة سياسية عنصرية، فاشية وكولونيالية، تقتضي نفي الوجود القومي لشعب آخر، فلن يكون مناص من السعي الى الغائها والقائها في مزبلة التاريخ الى جانب البلشفية والنازية ونظرية تفوق الابيض.
للاسف الشديد، ولحسن الحظ. يوجد لغولان ما يكفي من الوقت من اجل ذلك. للاسف الشديد لأنه في اعقاب فظائع 7 تشرين الاول فان الروح السيئة للقومية المتطرفة وادعاء الاستقامة العرقي المركزي كراهية الآخر (الذي يسمى الآن لسبب ما “استيقاظ”)، يسيطر على وعي معظم الاسرائيليين، أي أنه لا يتوقع أن تنفتح قلوبهم في القريب على الافكار الديمقراطية – الليبرالية. ولحسن الحظ لأن بناء بديل فكري صهيوني، ديمقراطي ليبرالي، في الدولة التي لم تتعامل في أي يوم بجدية مع أسس التفكير الديمقراطي – الليبرالي للآباء المؤسسين أصلا، سيستغرق وقت. ويجب الامتناع عن حصول ذلك بتهور واتباع طرق قصيرة. بالتالي، يوجد امام غولان وحزبه طريق طويلة يجب السير فيها. هذه ليست بالضرورة أنباء سيئة.