هآرتس / من جيسي أفانس حتى ليونيل ميسي

هآرتس – بقلم دانييل بلتمان – 7/6/2018
ربما بعد خمسين سنة حيث سيجلس مؤرخ النزاع الاسرائيلي الفلسطيني ويكتب تاريخه، سيبدأ كتابه هكذا: في نيسان 1971 ارسلت الولايات المتحدة منتخبها لتنس الطاولة الى مباراة استعراضية في الصين، كانت تلك الخطوة الاولى التي اخترقت سور العداء بين الدولتين العظميين، التي جرت منذ الحرب الكورية في الخمسينيات. كانت تلك خطوة اولى في الطريق الى التقارب والتعاون بين الدولتين العظميين. في 2018 ألغى منتخب الارجنتين المباراة الاستعراضية التي كان من المقرر أن تجري مع منتخب اسرائيل، تحت ضغط قوي من معارضي الاحتلال في الارجنتين وفي اسبانيا. كانت تلك مرحلة هامة في الطريق الطويل الى انهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الى جانب دولة اسرائيل. المشاعر الرياضية لها تأثير محفز مثل المشاعر الوطنية أو الدينية القوية. بعد شهر على الاستعراض الافنغلستي الفاشي من بطولة بنيامين نتنياهو وأبناء عائلة ترامب وعدد من رجال الدين المسيحيين في القدس، استعراض غمر أمة كاملة بمشاعر ذات طابع كهذا، جاء السقوط الكبير. يبدو أنه لن يكون ما يشوش على هذين الأزعرين الثملين من نشوة النصر. ترامب ونتنياهو اللذان يذهبان من جيش الى جيش ترافقهما جوقة تشجيع وحشية قليلة العقل بقيادة ميري ريغف.
والآن جاءت فرقة كرة القدم – احدى الفرق الافضل في العالم برئاسة نجم كبير له ملايين المشجعين في العالم وفي اسرائيل، وقالت، نحن لن نشارك في مباراتكم. وحتى لو قيلت كل المبررات بأن الالغاء جاء لاعتبارات مهنية لاحتياجات المنتخب الذي يستعد لكأس العالم أو لمشاكل امنية – المعنى واضح. الارجنتين قررت أن اسرائيل التي تحتفل في القدس بعروض استعراضية في حين أن الفلسطينيين في غزة يقمعون وتطلق النار عليهم – ليست هي ملعبها.
الغاء مباراة الارجنتين في اسرائيل يجب أن يكون يوم عيد لكل من يؤيدون السلام ومن يؤيدون حلم اسرائيل اخرى. فهو يضع ملايين الاسرائيليين – ليس فقط عشاق كرة القدم – امام ضرورة النظر في المرآة وسؤال انفسهم بصدق: لماذا يحدث هذا بالذات؟.
إن تأثير الغاء المباراة يمكن أن يكون اكثر دراماتيكية بكثير من الغاء دعوة باحث الى مؤتمر في جامعة خارج البلاد، أو ازالة بندورة الشيري التي زرعت في المستوطنات عن الرفوف في السوبرماركيتات في لندن. اذا ماذا سيفعل الآن مئات آلاف مشجعي ليو ميسي في اسرائيل؟ هل سيتوقفون عن السفر الى برشلونة لمشاهدته وهو يلعب؟.
اذا فعلوا ذلك سيضطرون الى مواجهة ازمة غير بسيطة: بالنسبة لشخص يحب الرياضة فان ترك مجموعة محبوبة ونقل الدعم والتشجيع لخصمها (ريال مدريد) هو تقريبا مثل تحويل الديانة. بالضبط الى هذا تهدف حركة المقاطعة الـ بي.دي.اس: دعوة جموع الاسرائيليين لمواجهة تداعيات القمع والاحتلال على مناطق راحتهم مع المس بروتين حياتهم اليومية. لذلك الغاء المباراة هو امر هام جدا.
هناك قدرة لنجوم الرياضة والفنانين الذين يحظون بتشجيع الملايين على التأثير على الرأي العام وهزه اكثر بكثير من السياسيين والاكاديميين والمفكرين. هناك عدد غير قليل من الامثلة لرياضيين شكلوا الذاكرة التاريخية ووضعوا اشارة مرور في النضالات ضد القمع، العنصرية والعنف. وحتى لو لم يكونوا يقصدون هذا منذ البداية. جيسي افانس، العداء الاسود الذي وجه الاتهام الى الديكتاتور النازي عندما تغلب على كل انقياء العرق الالمان في اولمبياد ميونيخ في 1936، هو مثال جيد على ذلك.
مثال آخر هو تومي سميث وجون كارلوس، هما ايضا رياضيان من السود، وقفا على منصة تتويج الفائزين في ركض الـ 200 متر في اولمبياد المكسيك في 1968 وهما يحملان شعارات حقوق الانسان وكل واحد منهما رفع يد تلبس قفاز اسود اثناء عزف النشيد الوطني الامريكي كتشجيع للقوى السوداء. بادرة حسن النية هذه ساهمت في النضال من اجل حقوق المواطن في تلك السنين اكثر من مؤتمر اكاديمي. إن الغياب الصارخ لليونيل ميسي عن ملعب كرة القدم في القدس، عاصمة اسرائيل ورمز الاحتلال، يمكنه أن يؤدي الى أن يذكر في المستقبل ليس فقط بفضل لعبه الخاص.
ازاء النقاش الذي جرى في الاسابيع الاخيرة على صفحات “هآرتس” بشأن الطريق الصحيحة لليسار الاسرائيلي. نعم مع الضم الجزئي، لا للضم الجزئي، نعم لحزب العمل، لا لحزب العمل – فان قرار منتخب الارجنتين عدم المجيء الى هنا يضع تحد جديد.
المرحلة القادمة التي ستأتي بشكل تلقائي، سيكون هناك جهد كبير سيجري في اوروبا للضغط على فنانين وهيئات بث عامة من اجل عدم المجيء للاحتفال القادم المخطط له في القدس، الاورفزيون 2019. إن صوت مؤيدي السلام ومعارضي الاحتلال في اسرائيل يجب أن يكون مسموع. طالما أن اسرائيل تحول احداث رياضية وثقافية الى استعراضات تعطي الشرعية للعروض من اخراج ميري ريغف، لن نشارك فيها وسنقنع آخرين في البلاد وفي العالم بأن يحذوا حذونا.
يوجد لقرار كهذا مشروعية اخلاقية، يهودية وتاريخية. في آذار 1933 جرى في نيويورك لقاء لشخصيات عامة يهودية برئاسة الحاخام ستيفن شموئيل فايس، رئيس المؤتمر اليهودي الامريكي وزعيم صهيوني مهم، تقرر فيه دعوة الجمهور الامريكي لمقاطعة المنتوجات الالمانية المستوردة الى امريكا بسبب سياسة المانيا النازية اللاسامية. ذلك لم يكن قرار سهل. لم يكن واضح ماذا سيكون رد الادارة. وكان هناك خطر لزيادة حدة الجو اللاسامي في الشارع الامريكي. فايس رجح الكفة لصالح القرار بقوله “إن زمن الانتظار والحذر انقضى، علينا أن نسمع صوتنا كبشر”.