هآرتس: من الممكن أن يكون هناك اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن ليس مؤكد أنه سيمر بهدوء
هآرتس 12-5-2024، اهود اولمرت: من الممكن أن يكون هناك اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن ليس مؤكد أنه سيمر بهدوء
ترتفع الأصوات في هذه الأثناء، بما في ذلك صوتي، الداعية لوقف الحرب الآن. المعنى العملي لوقف الحرب الآن هو التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى إعادة جميع المخطوفين، الأحياء والأموات. وفي موازاة ذلك، ستضطر إسرائيل للموافقة، بشكل ملزم، على الانسحاب من كل القطاع والعودة إلى نقطة الحدود التي خرجت منها إلى العملية البرية قبل نصف سنة.
عملياً، انتهت الحرب قبل ثلاثة أشهر تقريباً. فمن قوة زائدة غير مسبوقة من حيث الحجم والتي تتكون من 28 لواء، إضافة إلى سلاح الجو والمسيرات والطائرات المروحية والطائرات القتالية، لم يبق في القطاع الآن من المنظومة القتالية إلا لواءين. لا سبب للتظاهر بأن الحرب ما زالت مستمرة. لقد انتهت. الآن يجب الاستعداد للانسحاب من القطاع ونقل السيطرة عليه إلى يد قوة متعددة الجنسيات. يفضل أن تكون هذه القوة مشكلة من الجيوش العربية، بما في ذلك بالطبع فلسطينيون ما زالوا حتى الآن يمتثلون لأوامر السلطة الفلسطينية ومعهم قوات مصرية وأردنية وإماراتية وبحرينية، ونأمل أيضاً سعودية.
احتمالية بلورة هذه القوة التي ستكون مستعدة للدخول إلى القطاع، مرهونة بإعلان إسرائيل عن انسحاب تدريجي ومنسق من كل القطاع، وعن استعداد إسرائيل للبدء في المفاوضات من أجل ترتيبات سلام مع الفلسطينيين. ستمثل الفلسطينيين سلطة مطورة ومعززة بأشخاص يمكنهم إدارتها بشكل حازم مع الاستمرار في التعاون الأمني مع إسرائيل في الضفة الغربية.
هل سيترأس محمود عباس هذه السلطة كما يترأسها منذ 18 سنة؟ لسنا من يقرر ذلك. الفلسطينيون هم الذين سيقررون، لديهم مرشحون جديرون يمكنهم إدارة منظومة تستطيع العمل بشكل ناجع.
بالطبع، هذه العملية مشروطة باتفاق فوري لإعادة جميع المخطوفين. ومن يخطر بباله بأنه يمكن إعادة المخطوفين بدون وقف واضح وكامل للحرب إنما يوهم نفسه ويوهم الجمهور في البلاد، ويوهم عائلات المخطوفين والمؤسسات الدولية التي تتعاون بالجهود من أجل التوصل إلى صفقة لإعادة المخطوفين.
قلت في السابق، وأعود وأكرر ذلك بدون أي شك أو تردد، بأن نتنياهو يحبط بشكل متعمد أي احتمالية للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق. من السائد القول بأن نتنياهو يريد إعادة المخطوفين، لكنه يضع شروطاً تبدو مقبولة على كثيرين في إسرائيل. من الواضح أن هذه الشروط غير مقبولة على يحيى السنوار وقادة الإرهاب الموجودين إلى جانبه. لكن الكثيرين الذين لا يؤيدون حماس يدركون أنه لا يمكن أكل الكعكة وإبقائها كاملة. لا يمكن التوصل إلى اتفاق دون إنهاء الحرب. هذا أمر واضح، ولكنه لا يتساوق مع احتياجات نتنياهو الشخصية.
لقد تولد لدي انطباع بأن نتنياهو لا يريد إعادة المخطوفين. عملياً، هو لا يريد أي عملية تؤدي إلى تغيير الاتجاه، ووقف الحرب وانطواء إسرائيل على نفسها وعلى صعوباتها وعلى التحديات التي تواجهها والضغوط التي تزعجها. لذلك، فإن عودة المخطوفين وإزاحة نتنياهو أحداث متداخلة. لا احتمالية لتحقيق أي حدث منهما دون حدوث الآخر.
على فرض أنه ربما نصل إلى هذه المرحلة، إنهاء الحرب وإعادة المخطوفين، فما زال على الأجندة سؤال ما هي احتمالية حدوث عملية سياسية تنتهي باتفاق سلام تاريخي بين إسرائيل والفلسطينيين؟ هذا الاتفاق قد يكون جزءاً من تفاهم أوسع، سيشكل محوراً جديداً للشراكة في مركزه التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وبعد ذلك تحالفاً عسكرياً مركزه الولايات المتحدة.
الإسهام التاريخي الأكثر أهمية للحرب، التي بدأت بعد كارثة 7 أكتوبر الفظيعة، قد يكون إقامة منظومة جديدة من الاتفاقات السياسية والعسكرية بين الدول العربية المعتدلة، وإسرائيل. هذا المحور الجديد للعلاقات والتعاون السياسي والاقتصادي والأمني الذي تكون في مركزه كل من إسرائيل ومصر والسعودية والولايات المتحدة، يعتبر تغييراً ثورياً يمكن ينقذ الشرق الأوسط من الفوضى التي تهدده، وسيساعد في صد المحور المضاد، الذي هو محور عدائي وعنيف، إيران في واجهته وإلى جانبها حلفاؤها الأصوليون الموجودون في أرجاء الشرق الأوسط، حيث خلفهم الدعم السياسي واللوجستي والعسكري الذي تقدمه لهم روسيا، وبدرجة لا بأس بها الصين أيضاً.
عندما يطرح سؤال: ما الأفق السياسي المرغوب فيه بعد انتهاء الحرب التي استمرت نصف سنة؟ فهو أفق لا يوجد غيره، لكن الشرط الوحيد هو استعداد إسرائيل لتغيير الاتجاه وإجراء مفاوضات سياسية هدفها العلني حل يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية إلى جانبها. وقت الاستعداد لهذه العملية أقصر مما يبدو للعيان في هذه الأثناء.
إذاً، لا سمح الله، قررت الجمعية العمومية الاعتراف بوجود الدولة الفلسطينية، فمن الواضح أن هذه الدولة سيعترف بها في إطار حدود حزيران 1967. من تلك اللحظة، سيرفض الفلسطينيون إجراء المفاوضات مع إسرائيل، وسيكتفون بمطالبة الأمم المتحدة بحسم القضية، وفرض تنفيذها على إسرائيل. وهذا ليس تقديراً خيالياً؛ فهو موجود على أجندة عدد غير قليل من الدول، التي ستبدأ في وقت قريب بخطوات لوضعها على جدول أعمال مجلس الأمن. استمرار تحدي الحكومة للمجتمع الدولي، لا سيما الأصدقاء المقربين مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، سيجعلها تدعم أو على الأقل تمتنع عن التصويت عند طرح هذا الاقتراح.
في ظل هذه المعطيات، يسألني كثيرون عن احتمالية وصول دولة إسرائيل إلى تفاهم داخلي بأن هذه العملية، التي معناها العملي هو الانسحاب من المناطق التي احتلتها إسرائيل في 1967، أمر محتمل؟ هل إخلاء حوالي 100 ألف إسرائيلي (من شبه المؤكد أن كثيرين سيبقون في المناطق التي سيتم ضمها لدولة إسرائيل في إطار تبادل الأراضي) من المناطق سيبدو أمراً عملياً؟
أعتقد أن الاتفاق السياسي الذي سيبقي حوالي 4.4 في المئة من أراضي الضفة الغربية في يد إسرائيل، سيمكن من بقاء عدد كبير من المستوطنين هناك. عملياً، معظم الذين يتم تشخيصهم كمستوطنين في الضفة يعيشون في مناطق تعتبر جزءاً من القدس، ومناطق خلف الخط الأخضر مثل “رموت” و”غيلو”. ويعيش في المناطق التي سيتم ضمها لإسرائيل الآن عدد غير قليل ممن يسمون “سكان المناطق”. إن نقل السكان الآخرين من المناطق التي سيتم إخلاؤها إلى مناطق الاحتفاظ بها وضمها يبقى أمراً محتملاً وعملياً.
لكن احتمالية هذه العملية تعتمد بشكل كبير على خلق أغلبية في الحكومة، التي هي مستعدة للتوصل إلى اتفاق سلام، وامتثال الذين سيتم إخلاؤهم حسب الاتفاق السياسي.
أعتقد أن هناك شريحة كبيرة في المجتمع الإسرائيلي الآن، تنوي معارضة القرارات إذا تم اتخاذها، حول الانسحاب من الضفة الغربية. القصد هو المقاومة العنيفة التي قد تصل أيضاً إلى أعمال عنف وسفك للدماء. إن مئات آلاف قطع السلاح التي وزعها بن غفير قد يظهر في المستقبل بأنه السلاح الذي سيتم استخدامه في حرب أهلية عنيفة على يد اليهود المسيحانيين والمتطرفين، الذين لن يعترفوا بشرعية قرار الحكومة الانسحاب من “أراضي الوطن”.
أسمح لنفسي هنا بالإشارة إلى خطر آخر يتبلور في منظومتنا العسكرية. هل يخطر بالبال أن وحدات عسكرية، لا سيما وحدات فيها الكثير من أبناء المستوطنات وطلاب المدارس العسكرية، مثل المدرسة التمهيدية في “عيلي”، لن ترى نفسها ملزمة بقرار الانسحاب من “المناطق” [الضفة الغربية] إذا أعطاهم القادة المسؤولون عنهم مثل هذه الأوامر؟ ألن يتضح، لا سمح الله، بأن بعض القادة هم شركاء في الشعور بأن أمر إخلاء مناطق، أمر غير شرعي وغير مخلص لقيم شعب إسرائيل وقدسية أرض إسرائيل؟
هل سيخضع عدد لا بأس به من رجال الشرطة في إسرائيل، الذين يظهرون تحمسّهم لاستخدام العنف في خدمة قائدهم بن غفير، لأوامر في المستقبل تلزمهم بتنفيذ الانسحاب من “أراضي الوطن”؟
يبدو أن سياسة التحريض والانقسام التي يتبعها نتنياهو منذ سنوات كوسيلة لترسيخ دعمه والإبقاء على حكمه، ستؤدي إلى مواجهات عنيفة قد تمزق المجتمع الإسرائيلي وتقوض الشرطة وتسحق الديمقراطية وتدمر دولة إسرائيل التي أقيمت منذ 76 سنة وكانت مصدراً للفخر بالنسبة لمواطنيها ولكثيرين في العالم الذين أحبوها.
بصفتي شخصاً تحمل المسؤولية العليا عن أمن دولة إسرائيل والحفاظ على استقرارها وطابعها الديمقراطي، أعتقد أنه لا يمكن رؤية هذه العملية التي تعتبر تهديداً حقيقياً للدولة، والسماح لها بالتمدد والتوسع بدون فعل أي شيء من أجل وقفها.
نحن نحارب في الجبهة العسكرية بتعاون مثير للانطباع مع الجيش النظامي والاحتياط من كل طوائف المجتمع، الأشكناز، الشرقيين، المتدينين، المستوطنين، الدروز، الشركس والبدو. ولكن لا يمكننا خارج ساحة المعركة، خلق عرض لا أساس له من الوحدة مع الذين يحاولون الآن تحطيم ديمقراطيتنا، وفي الغد قد يقفون في جبهة القتال وهم يحملون البنادق والسلاح الذي وضعته الحكومة الحالية في أيديهم، مع سلوك غير شرعي وعديم المسؤولية، بهدف محاربة كل من هو غير مستعد للعيش في دولة محتلة تطارد أبناء شعب آخر وديانة أخرى في مناطق ليست معدة لتكون جزءاً من دولة إسرائيل.
يجب تجنيد المتظاهرين للخروج إلى الشوارع لفعل كل ما يمكن فعله لإزالة الزعيم الذي يقود المعسكر الراديكالي الأصولي من حياتنا، بل وإزالة أولئك الذين يلاحقون هوامش حركة الاحتجاج بإلهام وتشجيع من قادتها، وفي الغد قد ينقضّون مسلحين لإبعادها عن الطريق.