هآرتس: من الذي قتل الدكتور البرش؟ نحن لن نعرف ذلك الى الأبد
هآرتس 21/11/2024، جدعون ليفي: من الذي قتل الدكتور البرش؟ نحن لن نعرف ذلك الى الأبد
الدكتور عدنان البرش كان مدير قسم الجراحة في مستشفى الشفاء. وهو شخص كريزماتي، وسيم، اكثر من ظهوره في الشبكات الاجتماعية، تم توثيق عمله في ظروف صعبة جدا، بدون كهرباء أو دواء أو مواد تخدير، وأحيانا بدون أسرة. ذات مرة تم توثيقه وهو يحفر بالمجرفة قبر جماعي للموتى في ساحة المستشفى، بعد أن امتلأت الثلاجات بسبب عدد الجثث الكبير. هو كان بطل محلي في حياته، وبطل دولي في موته. منذ بداية الحرب، قالت زوجته ياسمين، تقريبا لم يأت الى البيت. في الاشهر التي مرت اضطر الى الهرب مع طاقمه من ثلاث مستشفيات قام الجيش بتدميرها في اطار حرصه المعروف على تطبيق القانون الدولي.
في كانون الاول تم اعتقال البرش على يد الجيش في مستشفى “العودة” في جباليا. وقد طلب منه الخروج الى الساحة حيث تم اختطافه. في الاشهر التي اعقبت ذلك مر كما هو معروف بتعذيب صعب في منشآت التحقيق التابعة للشباك، بعد ذلك في سديه تيمان وفي سجن عوفر، وهناك توفي في 19 نيسان. “بصعوبة تعرفنا عليه”، قال احد الاطباء الذين شاهدوه في منشأة الاعتقال. “كان من الواضح أنه مر بجهنم بسبب التعذيب. هذا لم يكن الشخص الذي عرفناه، بل ظله”. البرش الذي حافظ على لياقته البدنية وكان يسبح كثيرا اصبح ميت – حي. هو كان متخصص في جراحة العظام، تعلم في الاردن وفي بريطانيا، الحياة كان يمكن أن تبتسم له في مكان آخر.
موت البرش في السجن مر باستخفاف متميز في اسرائيل (تامر نفار كتب عنه رثاء جميل في “هآرتس”، وأنا ايضا كتبت عنه)، حيث تم تنصل السلطات من المسؤولية عن موته. مصلحة السجون التابعة لبن غفير قالت بأنها “لا تتعامل مع المقاتلين غير القانونيين” – فجأة مقاتلون. فجأة لا تتعامل. وفي الجيش الاسرائيلي قالوا إنه عند موته لم يكن تحت مسؤولية الجيش. العشرات من المعتقلين ماتوا في السنة الاخيرة في السجون الاسرائيلية، ومثلما في اسوأ السجون في العالم فان هذا ليس موضوعا في النضال على الديمقراطية في اسرائيل. مئات الاطباء والممرضين قتلوا في غزة، وهذا لا يهم حتى نقابة الاطباء، يا للعار.
لكن البرش أصبح طبيب اشباح، الذي شخصيته وحياته وموته لا تتوقف. في الاسبوع الماضي طفت شخصيته وظهرت في مقال تحقيق لجون سباركس في “سكاي نيوز”، في الوقت الذي كانت فيه ايلانا ديان تهمس في أذن كرستيان امنفور في الـ “سي.ان.ان”: “نحن لا نغطي بما فيه الكفاية معاناة الناس في غزة”. وتنتقل لنشر تقرير بطولي آخر عن المزيد من ابطال الجيش الاسرائيلي، في التلفزيون الذي تمثله لن تشاهدوا أي شيء عن غزة. “المشاهدون لا يهتمون بالمشاهدة”، شرح هذا الاسبوع في مؤتمر أحد رؤساء القناة الثانية للراديو والتلفزيون، وهو يعرض تعريف جديد للصحافة، “برنانج شعبي حسب الطلب”.
لكن في العالم الذي توجد فيه وسائل اتصال اخرى لم ينسوا البرش. تقرير “سكاي نيوز” كشف أنه تم رميه في ساحة سجن عوفر وهو مصاب في كل جسده وعار في الجزء السفلي. فرنشيسكا البانزا، المقررة الخاصة بلسان الامم المتحدة في موضوع حقوق الانسان في المناطق الفلسطينية المحتلة، طرحت احتمالية أنه مر بتحرشات جنسية قبل موته، على خلفية التقرير الذي جاء فيه بأن جثته وجدت نصف عارية.
من الذي قتل البرش وكيف؟ نحن لن نعرف ذلك الى الأبد. في المقابل، مرة اخرى عرفنا الى أي درجة غير اخلاقية هو قلق اسرائيل الانتقائي على حياة الانسان. المجتمع،الذي جزء منه على الاقل مصاب بالصدمة على مصير المخطوفين، ويخاف على مصيرهم طوال الوقت، ويقيم الدنيا ويعلق اللافتات، هو نفس المجتمع الذي لا يهمه مصير الآخرين، الذين مصيرهم الوحشي تقرر على يد أبناء شعبهم. هذا النفاق لا يمكن تبريره. لا توجد أي طريقة للجسر بين صدمة اسرائيل العميقة من موت المخطوفين في أسر حماس وبين اللامبالاة ازاء موت البرش، المخطوف من قبل اسرائيل. لا توجد طريقة للتوفيق بين هذه التناقضات إلا بطريقة واحدة: ضمير اسرائيل تم تشويهه بشكل لا يمكن اصلاحه.