هآرتس: منذ نشوب الحرب، مناطق كاملة في الضفة فرغت من التجمعات الرعوية
هآرتس 30/4/2024، هاجر شيزاف: منذ نشوب الحرب، مناطق كاملة في الضفة فرغت من التجمعات الرعوية
ابراهيم محمد مليحات ينظر نحو الغور، من المنطقة التي يعيش فيها والتي تبعد 20 دقيقة سفر من القدس تظهر مناطق واسعة اعتاد ابناء قريته الرعي فيها والآن هم خارج هذا الفضاء. “الآن من هنا وحتى اريحا كل هذه المناطق فارغة. نحن لا نذهب سواء الى الاسفل أو الى الجنوب. كل شيء تم تركه فقط للمستوطنين. لا توجد منطقة يمكننا الرعي فيها”، قال.
في قرية مغير الدير يتجول قطيع للاغنام الذي يأكل الاعشاب الجافة المتناثرة على الارض.”نحن نذهب مع الاغنام فقط بين البيوت”، قال مليحات واضاف. “توجد هنا كاميرات”، واشار الى المنطقة القريبة من القرية. “واذا خرجت الاغنام فان المستوطنين يرون ذلك ويقومون بارسال الملثمين. هم يقولون لنا نحن الشرطة ونحن الجيش”.
منذ نشوب الحرب تم اقتلاع اربعة تجمعات للرعاة من مكان اقامتها في المنطقة في اعقاب التهديدات واعمال عنف المستوطنين. في السنتين قبل ذلك تم اقتلاع اربعة تجمعات اخرى بين قرية دوما وقرية محمد مليحات. تجمع آخر، نحو الجنوب اكثر، تم اقتلاعه ايضا. هذا الامر أثر بشكل دراماتيكي، سواء على التجمعات التي بقيت أو على التجمعات التي هربت. السكان يتحدثون عن الفقر والخوف الشديد من المستقبل.
حسب تقديرات الباحث درور اتكيس من جمعية “كيرم نبوت” فانه حتى الآن توجد في المنطقة حوالي 125 ألف دونم محظور على الفلسطينيين الوصول اليها بسبب الخوف من اعمال العنف، وفي اعقاب القيود التي يفرضها الجيش والمستوطنون. الاراضي في شرق شارع الون، الذي يمر بين المغير ودوما، فرغت من التجمعات التي كانت فيها. وقد بقيت هناك بالاساس مستوطنات وبؤر استيطانية. “قبل بضع سنوات جاء الى هنا مستوطنون من منطقة نابلس ودوما، وهم اشخاص مع سوالف طويلة”، قال ابراهيم واشار بيده حول طولها. “شيئا فشيئا انتقلوا جنوبا حتى وصلوا الى هنا. لا يوجد في الحكومة أي أحد يقول لهم توقفوا. اذهبي الى كل مكان في القرية وسترين بأنهم دمروا كل شيء”.
المستوطنون أوصوا بالاخلاء
أحد التجمعات الكبيرة الذي طرد اثناء الحرب هو في قرية وادي السيك، التي يفصل بينها وبين المغير وادي اخضر جميل. قرب انقاض القرية التي ما زالت تظهر هناك، ترعى الآن ابقار البؤرة الاستيطانية القريبة التي اقيمت قبل سنة تقريبا. الشارع الذي كان يوصل الى القرية في السابق تم اغلاقه بالحجارة.
حسب اقوال ابراهيم فانه في اليوم الذي تم فيه طرد سكان وادي السيك دخلت الى القرية مجموعة من المستوطنين الذين كان يعرفهم وكانت بينهم في السابق علاقة جيدة. وحسب قوله هؤلاء أوصوا بأن يتم اخلاء سكان القرية لعشرة ايام لأن المستوطنين، كما قالوا، غاضبون في اعقاب 7 اكتوبر.
مثل تجمعات اخرى في المنطقة فان سكان وادي السيك عانوا من اعمال العنف والتهديد حتى قبل نشوب الحرب، ولكنها ازدادت جدا في اعقابها. حوالي 180 شخص من سكان التجمع، الذين ينتمون الى 20 عائلة، هربوا للنجاة بأرواحهم بعد الاعتداء الذي حدث في القرية في 12 تشرين الاول والتهديدات التي سبقته. السكان تفرقوا والآن هم يعيشون في مساكن مؤقتة على اطراف عدد من القرى الفلسطينية، على اراضي لا يوجد لهم حقوق عليها، وهم يخشون من أن يطلب منهم اخلاءها.
“في 11 تشرين الاول الماضي اخذنا الاطفال والنساء الى اقارب لنا في قرية اخرى كي يناموا هناك. نحن اعتقدنا أن هذا سيكون ليومين أو ثلاثة ايام وبعد ذلك سيعودون”، قال عبد الرحمن مصطفى كعابنة من مكان سكنه الجديد المؤقت في ارض زراعية قرب قرية الطيبة. في اليوم التالي عندما كان عدد من سكان القرية بحزم اغراضهم هاجمهم المستوطنون والجنود الذين جاءوا الى المكان. عدد من السكان والنشطاء الذين جاءوا لمساعدتهم تم اعتقالهم واحتجازهم هناك لبضع ساعات. كان هناك من تم ضربهم والتنكيل بهم. وكما نشر في “هآرتس” فان هذا التنكيل شمل ايضا الضرب المبرح والاحراق ومحاولات التحرش الجنسي.
“قالوا لنا بأنهم سيعطوننا نصف ساعة للمغادرة، لذلك الناس هربوا”، يتذكر كعابنة وهو يصف ما حدث. “لم نكن نعرف الى أين سنذهب. في البداية سرنا على الاقدام. كان هناك اولاد صغار حملهم الآباء، وكان هناك شباب اختبأوا في الوادي. وعندما جاء الليل جاء الناس من قرية رمون وقرية الطيبة وأعطونا الخيام”.
الشرطة قالت للصحيفة بأن التحقيق في الاعتداء في وادي السيك ما زال مستمرا. وجاء من المتحدث بلسان الجيش برد مشابه حول التحقيق الذي تجريه الشرطة العسكرية. “هآرتس” علمت أن بعض الجنود ومواطن تم التحقيق معهم تحت التهديد. في تشرين الاول الماضي قام الجيش بعزل قائد القوة العسكرية المنتمية لوحدة “حرس الصحراء”، الذي كان متورط في الحادثة.
ازاء عجز الجيش في أن يضمن للسكان بأنه لن يحدث لهم أي سوء اذا عادوا الى بيوتهم، هم لا يتجرأون على العودة. المرة الوحيدة التي جاءوا فيها الى القرية بعد الحرب بالتنسيق مع الادارة المدنية ومرافقة النشطاء، من اجل أخذ اغراضهم التي تركوها، اكتشفوا أن معظم المعدات غير موجودة. “سرقوا كل شيء في بيتي. دمروا وأخذوا كل شيء، المواقد وادوات المطبخ والخزائن”، قال كعابنة. “نحن لم نعثر تقريبا على أي شيء”. وحسب تقديره فان قيمة الاملاك المسروقة من المنزل هي تقريبا 200 ألف شيكل.
الى حين اتضاح الامر فان السكان يعيشون بعدم يقين فيما يتعلق بالمستقبل. عبد الرحمن كعابنة وعائلته مثلا يعيشون في ارض خاصة لأحد سكان الطيبة. “هذا مؤقت. لا يوجد لنا هنا أي عقد، والاتفاق كان أنه بعد الحرب سنترك. لم نعتقد أن الحرب ستستمر كل هذا الوقت الطويل”، قال. الصورة المؤقتة تظهر ايضا في التفاصيل الصغيرة مثل حقيقة أنه في مكان سكن التجمع الحالي لا توجد مراحيض. “لا يوجد مستقبل، هذه هي النهاية”، قال سليمان كعابنة. “هذا ارض اشخاص آخرين. سيسمحون لنا بالبقاء هنا لاربعة اشهر، نصف سنة أو سنة، لكن في نهاية المطاف هذه ارضهم وهم لا يرغبون بوجودنا هنا”.