هآرتس – مقال – 8/3/2012 خطبة البطة لنتنياهو
بقلم: جدعون ليفي
يُهوّل نتنياهو ويُضخم الخطر الايراني الى درجة ان يجعل نفسه مُخلّصا لاسرائيل من محرقة جديدة.
اذا كان ذلك يبدو مثل بطة (خائف)، ويمشي مثل بطة (يُشيع المخاوف) ويُبطبط مثل بطة (يُذيع الرعب) – فانه في الحقيقة بطة (خائف ومُخوف). بطْ – بطْ، بطبط نتنياهو مرة اخرى بخطبة تخويف في مؤتمر “ايباك” أول أمس، وعاد وبرهن على أنه لم يكن في اسرائيل قط سياسي مثله بنا حياته المهنية على التخويف، في سجل مدهش من عشرات سني الرعب بلا انقطاع.
ان “سيد الارهاب” صار على مر السنين “سيد ايران”. وهو يصاب بالرعب حتى ازاء حمى الخنازير، وأخاف الجمهور وأمر بتزويد جميع مواطني الدولة بتطعيم لا داعي له. كانت كلفة ذلك 450 مليون شيكل وما يزال جزء من ذلك التطعيم موضوعا منذ سنة 2009 لا يُقلب في مخازن الطوارىء.
يوجد زعماء يشيعون الخوف كثيرون في النظم غير الديمقراطية ويتبين أن الامر ينتقل الى الناخب في اسرائيل ايضا، وأمامكم حالة نتنياهو. فما الذي عنده يعرضه على الاسرائيليين سوى التخويف؟ وماذا سيكون بعد ان يقضي بطريقة ما على الخطر الحالي؟ هل يُصاب بمرض جديد؟ هل يوجده من عدم؟ وماذا عن اشاعة الأمل، من اجل التغيير؟ ان شابا ولد في اسرائيل قبل نحو من ثلاثين سنة لم ينشأ إلا على حملات تخويف نتنياهو من الارهاب والحمى والذرة لا غير.
قُطعت خطبة نتنياهو 46 مرة بتصفيق عاصف. وعلم نتنياهو لماذا يخطب هذه الخطبة في مؤتمر “ايباك” خاصة وهو بيت اليهود المحافظين، والقوميين واليمينيين، ومكان انتخابه وتشجيعه الطبيعي، انها امريكا بيته. “يا إلهي يشبه هذا ما في الكنيست”، قال بشعور بالمرارة عند بدء كلامه أمام اليهود الذين يهتفون له. لكن اذا كان لا بد من القاء هذه الخطبة التي تفضل الصواريخ على تل ابيب على قنبلة ذرية في يد ايران، فقد كان يجب على نتنياهو ان يستجمع شجاعة وان يخطبها في تل ابيب التي ستسقط عليها الصواريخ المتحدث عنها، لا في امريكا اليهودية التي تهتف له في عمى ونشوة وآلية من غير ان تتعرض لخطر صاروخ صغير واحد.
يستحق سكان تل ابيب الشباب ان يسمعوا عن خطط رئيس حكومتهم قبل سكان دور العجزرة في فلوريدا، لكن لندَع الجغرافيا جانبا. فقد عاد نتنياهو مرة اخرى الى التاريخ ايضا. واستل مرة اخرى من الأرشيف وثائق المحرقة ولوح بها مثل متسول يلوح بيده المبتورة. وكانت تلك خرائط اوشفيتس في الامم المتحدة قبل أكثر من سنتين، وكانت أول أمس رسائل الجماعة اليهودية في امريكا، وبقيت الرسالة هي نفسها تقول: نحن عشية محرقة اخرى.
ان تشبيه المانيا النازية بايران، وميونيخ بطهران يعني جعل المحرقة قزما وابتذالها. لكن اليهود في امريكا يحبون هذا، أعني الاستعمال المبتذل لذكرى المحرقة.
وفي اسرائيل ايضا يحبون هذا – ففي استطلاع المعهد الاسرائيلي للديمقراطية الذي نشر في صحيفة “هآرتس” قبل نحو من شهرين أجاب 98 في المائة من الاسرائيليين بأن المحرقة هي أهم مبدأ موجه في نظرهم قبل كل مبدأ آخر.
هذه هي نتيجة خطابات نتنياهو. لكن ما هي الصلة بين 1944 و2012؟ وما هي الصلة بين هتلر واحمدي نجاد؟ أليس خطر السلاح الذري في ايران كبيرا بما يكفي، وهل يجب تجنيد المحرقة لزيادة تكبيره؟ ألا يكفي ان يُقال: “في كل جيل يوجد من يريدون ابادة الشعب اليهودي”، كما ردد نتنياهو أول أمس ايضا؟.
ينبغي ان نكرر قولنا ان خطر ايران الذري حقيقي وشديد. وتملك اسرائيل ما يكفي من الوسائل لردع ايران عن استعمال السلاح الذري حتى ان كل استعمال له سيكون بمثابة انتحار لايران وفي طهران يعلمون هذا.
مفهوم انه ينبغي بذل كل جهد لمنع ايران من الحصول على القنبلة، لكن لا بواسطة زعماء مسيحانيين يُشبهون أنفسهم بُمخلّصي اسرائيل ويهود الشتات من “محرقة” اخرى لا تُرى أصلا.
لكن أليس أكثر الاسرائيليين يؤمنون بمقدم المسيح المُخلّص؟ أجاب 55 في المائة منهم على الأقل عن ذلك بـ “نعم” في استطلاع الرأي المذكور آنفا، فماذا يوجد عندنا ايضا؟ رئيس حكومة يخيف شعبه، وشعبه الذي يؤمن بمجيء المسيح المخلص، ونتنياهو الذي يجعل من نفسه مسيحا مُخلّصا لا يأتي في الاثناء ولا يهاتف ايضا.