هآرتس – مقال – 8/11/2012 ثورة اوباما
بقلم: آري شبيط
ان اوباما يمثل امريكا الجديدة التي تطمح الى قدر أكبر من العدالة والمساواة ولهذا فلن ترضى عن سلوك اسرائيل الاستيطاني والمتطرف.
كان فوز اوباما في انتخابات 2008 فوزا تاريخيا لأنه أرسل رجلا أسود الى البيت الابيض، وليبراليا الى البيت الابيض، وأرسل الى البيت الابيض توقا شديدا الى دولة قوية تدفع الى الأمام بالعدل الاجتماعي. وعبر عن القيم الجديدة وعن الهوية الجديدة لامريكا الجديدة التي طفت فجأة فوق السطح. وكان فوز اوباما في انتخابات 2012 فوزا تاريخيا بقدر لا يقل عن ذلك. فهو يبرهن على ان الاختيار الذي اختارته الولايات المتحدة قبل اربع سنوات لم يكن عرضيا. وهو يبرهن على ان الليبرالي الاسود الذي يعود الآن الى البيت الابيض يمثل حقا القيم الجديدة والهوية الجديدة لامريكا الجديدة. ففي الوقت الذي تنزل فيه امريكا البيضاء والمتدينة والمحافظة الآن عن مسرح التاريخ تحل محلها امريكا المتعددة الثقافات والمتقدمة التي تؤمن حقا بالمساواة والحرية والعدل الاجتماعي.
كان يمكن حتى السادس من تشرين الثاني 2012 ان نعتقد ان اوباما خطأ عارض. لكن حقيقة انه انتُخب الآن برغم حقيقة ان الاقتصاد الامريكي ما يزال متعثرا وما تزال البطالة عالية – تتحدث من تلقاء نفسها. وحقيقة ان اوباما انتُخب وامريكا ما تزال في الوحل ولا يوجد لرئيسها انجازات منقطعة النظير – تتحدث من تلقاء نفسها هي ايضا. ان الشهادة غير اللامعة للرئيس في ولايته الاولى، خصوصا تثبت مبلغ كون انتخابه من جديد انتخابا عميقا، فهو اختيار للقيم الجديدة التي يمثلها والهوية الجديدة التي يجسدها، واختيار لامريكا التي تختلف جدا عنها في القرنين السابقين.
ان ثورة اوباما ثورة مضاعفة. ويطمح تصوره السياسي والاقتصادي الى جعل امريكا أكثر اوروبية مما كانت بأن تصبح أكثر مهادنة وأكثر اشتراكية وديمقراطية وأكثر سلامة سياسية. لكن المسار السكاني الذي يمثله اوباما يدفع الى الأمام بالقوى غير الاوروبية في امريكا وهم السود واللاتينيون الامريكيون والمهاجرون من العالم الثالث. ففي الوقت الذي أصبحت فيه ايديولوجية اوباما شبه اوروبية أصبحت نظرته الاجتماعية معادية للاوروبية. وقد كفت الولايات المتحدة بقيادته عن ان تكون بلد البروتستانت البيض الصارمين وأصبحت بلد الآخرين، كل الآخرين. كل اولئك الذين لم تمنحهم امريكا القديمة المساواة الحقيقية.
وهكذا يجب ان يكون هذا الاسبوع اسبوع محاسبة نفس لاسرائيل. ففي الماضي حرصت الحركة الصهيونية والدولة اليهودية ايضا على ان تتماهيا مع القوى المتقدمة في العالم. وحرص آباؤنا وأمهاتنا ومؤسسونا على ان يكونوا دائما في الجانب الصحيح من التاريخ. لكن في العقود الأخيرة بدأ عدد يزداد من الاسرائيليين في الاعتماد على القوى الرجعية في المجتمع الامريكي، وكانت تلك الدعامة مريحة. فالانجيليون لم يسألوا اسئلة صعبة عن المستوطنات، ولم يقل ناس حفل الشاي شيئا في شأن إقصاء النساء وحقوق الأقليات ولا في شأن “شارة الثمن”، ولم يتأثر الجزء الابيض والمتدين والمحافظ من الحزب الجمهوري حينما هوجمت المحكمة العليا الاسرائيلية وأصبحت سلطة القانون الاسرائيلية مداسا.
وهكذا خُيل لكثيرين في الليكود – اسرائيل بيتنا وفي الاتحاد الوطني وفي البيت اليهودي وفي مجلس “يشع” ان اسرائيل تستطيع ان تفعل كل مظلمة من غير ان تدفع شيئا عن ذلك. لأنه لما كان العم سام معنا فلا حكم ولا حاكم. ولما كان العم سام ينفق علينا ويحمينا فنحن معفون من كل محاسبة. ونحن نستطيع تحت رعاية امريكا اليمينية المتطرفة ان نُدير سياسة يمينية متطرفة من غير ان ندفع ثمنا عن ذلك.
أنهت ثورة اوباما حفل الشاي الاسرائيلي هذا. فمن الآن فصاعدا لن تتمتع الدولة اليهودية الديمقراطية بالحماية الشاملة التي تمتعت بها. ومن الآن فصاعدا لن يكون ممكنا الانفاق على كل عمل استيطان وكل عمل تطرف بدولارات امريكية. قال بنيامين نتنياهو أمس ان الحلف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة قوي. ربما. لكن هذا الحلف لن يصمد اذا لم نجدد الحلف القيمي مع امريكا، مع امريكا الجديدة هذه المرة. امريكا التي يُجسدها اوباما.