هآرتس – مقال -8/11/2012 أيهما أولا، ايران أم فلسطين؟
بقلم: عكيفا الدار
يجب على اوباما في ولايته الثانية ان يغير توجهه الى حل القضية الفلسطينية بأن يكون أكثر اهتماما ومشاركة وتدخلا في الحل وألا يترك للطرفين الحل لأنهما غير قادرين عليه.
ليس سرا أنهم لم يفتحوا أمس في البيت المحروس في شارع بلفور في القدس زجاجات الشمبانيا للاحتفال بتجديد عقد ايجار الرئيس اوباما لاربع سنوات اخرى. وعند رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عدة اسباب ليخشى ان تثير ولايته التالية الى جانب اوباما (اذا نجح في تجديد العقد مع الجمهور الاسرائيلي) الشوق الى ولايتهما السابقة. يملك اوباما اربع سنوات ليصفي الحساب مع بيبي لتأييده الظاهر لميت رومني. والمؤامرة في مجلس النواب، وتجميد التفاوض مع الفلسطينيين والمستوطنات وحيل الزعامة في القضية الايرانية. ان اوباما الآن حر ان يُصفي الحساب مع بيبي من غير ان يخشى جماعة الضغط اليهودية ومن غير ان يخشى مال شلدون إدلسون الذي يريد القضاء على الرئيس سياسيا.
يستطيع الرئيس في فترة ولايته الثانية الاخيرة ان يسمح لنفسه بأن يخاطر باخفاقات أكثر من فترة ولايته الاولى. اجل يستطيع. لكن السؤال المهم هو هل يريد اوباما ان يقضي السنين التالية في محاولة تسويغ جائزة نوبل للسلام التي مُنحت له في بداية ولايته وأصبحت فكاهة محزنة – أم يفضل ان يخصص وقته لعلاج الاقتصاد الامريكي المتعثر؟ وهل يوصيه مستشاروه بأن يبدأ تصفية الحساب في الايام القريبة أم يُحذرون الرئيس من خطر ان يُجنده بيبي لمعركة دعاية اليمين دليلا آخر على ان العالم كله ضدنا؟.
اذا كان اوباما قد استطاع في فترة ولايته الاولى ان يعلق مشكلات امريكا بالعراق وافغانستان، أي بالتركة التي حصل عليها من الرئيس السابق جورج بوش، فانه لا يستطيع في السنين التالية سوى ان يتهم الرئيس السابق براك اوباما. فهو لا يستطيع هذه المرة ان يستمتع بمئة يوم تكيف ولا حتى بعشرة ايام.
انطلق في طريقه الطلب الفلسطيني ان يُرفع مستوى تمثيلها في الامم المتحدة لتصبح مراقبة ليست دولة عضوا. ووافق الرئيس محمود عباس على ان يُجنب المرشح اوباما الحاجة الى الاختيار بين تأييد الفلسطينيين واضعاف تأييد المتبرعين اليهود وبين تأييد اليهود بثمن عزلة الولايات المتحدة في الجمعية العامة للامم المتحدة. فاذا لم يحصل عباس في آخر لحظة على قدمين باردتين فسيضطر اوباما الى الاختيار بين نتنياهو وعباس.
لكل اختيار سعر بالطبع. ان إفشال المبادرة الفلسطينية سيعرض عباس على أنه أداة فارغة، وتوجد اشارات الى ان ذلك سيفضي الى استقالته بل الى حل السلطة الفلسطينية، والى فوضى في المناطق، والى انتفاضة ثالثة والى ازمة شديدة في العلاقات مع مصر والاردن والى عاصفة اقليمية. وفي المقابل فان تأييد المبادرة الفلسطينية بل الامتناع يتوقع ان يفضي الى خطوات عقاب لحكومة نتنياهو والى استقالة عباس والى حل السلطة والى انتفاضة وازمة اقليمية. وكل ذلك في حين أصبحت سوريا، وربما لبنان ايضا، خليطا بين الصومال وافغانستان والعراق وتبدو كالساحة الخلفية لايران. اذا كان يوجد شخص واحد في العالم يستطيع ان يعرض بديلا ثالثا يمنع السيناريوهات المرعبة هذه فهو براك اوباما.
لم يعد الناخب الامريكي يستطيع ان يُذكره بالالتزام القاطع الذي صدر عنه في حزيران 2009 في خطبة القاهرة والمتعلق بحل الصراع: “أنوي ان أُفضي الى تحقيق هذا الهدف بصورة شخصية وبكامل الصبر الذي تتطلبه هذه المهمة”. لكن يمكن ان يتبين في الايام القريبة ان البديل عن تحقيق هذا الهدف ليس هو تأبيد الجمود السياسي واستمرار الهدوء الأمني. ولن يكون تأييد نتنياهو، أي معارضة المبادرة الفلسطينية في الامم المتحدة، لطمة للنفس لزعيم وعد في ذلك المقام بأن “الولايات المتحدة لن تُدير ظهرها للمطامح الفلسطينية المشروعة الى دولة خاصة”؛ لأنه اذا هرب الرئيس الذي أعلن آنذاك بأن “الحل الوحيد لمطامح الطرفين هو دلتان تعيشان جنبا الى جنب في سلام وأمن”، اذا هرب من الشرق الاوسط فان الشرق الاوسط سيطارده.
ان اوباما طراز 2012 يختلف عن اوباما 2009 والقاهرة، كالعالم العربي كله الذي يختلف تمام الاختلاف عما كان عليه في بدء أيام ولايته. فالواقع الجديد الذي نشأ في الشرق الاوسط يُعرض الولايات المتحدة لتحديات جديدة وقواعد لعب مختلفة. وتقترح وثيقة سياسية أمنية أعدها مدة شهور طويلة فريق خبراء برئاسة توماس بيكرينغ – الذي كان نائب وزير الخارجية في ادارة كلينتون وكان سفير الولايات المتحدة في روسيا وفي الامم المتحدة وفي اسرائيل – تقترح على الرئيس ان يطوي التوجه القديم الذي يقول ان “الولايات المتحدة لا تستطيع ان تُريد السلام أكثر من الطرفين أنفسهما”.
ان الوثيقة التي صاغها جيفري أرونسون، مدير البحث في صندوق السلام في الشرق الاوسط، والعقيد المتقاعد فيليب دريمر تؤكد ان مشاركة فاعلة في حل الصراع هي مصلحة امريكية عليا. ويقترح الخبراء ومنهم طائفة من عسكريين امريكيين كبار، على الادارة القادمة ان تعرض خطة تشتمل على اعتراف بالسيادة الفلسطينية على أساس مبادرة السلام العربية ومخططا أمنيا يقوم على انتشار قوة رقابة دولية – عربية في اراضي فلسطين.
ويقترح الفريق على الرئيس الامريكي ان يعرض على اسرائيل صفقة السيادة الفلسطينية مقابل أمن اسرائيل. ويشتمل عنصر الأمن على حفاظ على تفوق اسرائيل النوعي. وفي مقابل تخلي بيبي عن حلم ارض اسرائيل شبه الكاملة – يغض اوباما الطرف عن غياب اسرائيل عن مؤتمر هلسنكي لنزع السلاح الذري من الشرق الاوسط ويفي بوعده بألا تنضم ايران الى هذا النادي.
لم يرفعوا كؤوس الشراب أمس في المقاطعة في رام الله كما كانت الحال في بيت رئيس الوزراء ايضا، فمنذ ان استعمل اوباما النقض في مجلس الامن على قرار التنديد بالمستوطنات، كف الفلسطينيون عن تعليق الآمال عليه، وقد قال لهم عدد من رؤساء الدول في اوروبا انه اذا انتُخب ميت رومني رئيسا فسيكون التصويت معهم أسهل عليهم، فهم غير مدينين لرومني بشيء، قالوا.