هآرتس – مقال – 6/11/2012 يصوت الامريكيون على مصيرنا
بقلم: اسحق ليئور
الانتخابات التي تُجرى اليوم في الولايات المتحدة ستؤثر تأثيرا مصيريا في الشعب الاسرائيلي وفي منطقة الشرق الاوسط بعامة.
في الكتاب الاخير للمؤرخ طوني جاديت “بعد الحرب” وهو كتاب مقابلات صحفية، سُئل ما الذي منع حرب العراق من ان تصبح قضية درايفوس عالمية أو امريكية على الأقل، لأن الحديث كان عن نشر أكذوبة سافرة أفضى الى حرب. ويُبين جاديت لمُجري اللقاء المؤرخ تيموثي سنايدر مبلغ تعقد مسألة الكذب والحرب اذا حاولنا ان نجعلهما موضوع احتجاج: “حينما تعلن ديمقراطية حربا عليها ان تُحدث في البداية وسواس حرب بأن تكذب وتبالغ وتشوه وما أشبه”. هذا الى ان جزءا من مشكلة الديمقراطية الامريكية فيما يتعلق بالحروب يتصل بأن “امريكا في القرن العشرين أجرت حروبا من غير ان تدفع تقريبا قياسا بالآخرين. فقد خسر الجيش الاحمر في معركة ستالينغراد من الجنود والمدنيين أكثر مما خسرت امريكا في حروبها كلها في القرن العشرين. يصعب على الامريكيين ان يفهموا معنى الحرب ولهذا فمن السهل جدا على زعيم سياسي امريكي ان يضلل هذا الشعب ويقود الديمقراطية الى حرب”.
من أين جاءنا الوهْم الكاذب عن المعاناة والثمن الامريكيين في حروبهم؟ من هوليوود – السينما والتلفاز. ونحن نحيا الوهْم الامريكي وكأنه حياتنا. ان من شاهد في مطلع الاسبوع الماضي نشرات الأخبار كان يمكن ان يعتقد ان “ساندي” سيصل الى سواحلنا. صحيح ان للفانتازيا مصادر حقيقية واضحة. فقد كان يمكن حتى من المكالمات الهاتفية في المذياع والتلفاز مع اسرائيليين يعيشون هناك ان نعلم كم تراوح حياتنا البرجوازية بين البلاد والولايات المتحدة: فرجال الاعمال واساتذة الجامعات العاملون والذين يخرجون في سنة عطلة، ورجال الحواسيب والفنانون والمسؤولون الكبار في دورات الاستكمال وطلاب الجامعات والمهاجرون والسياح، كلهم هناك. وماذا عنا نحن هنا؟ ان محتوى شاشاتهم جزء مما لدينا.
لا يوجد بلد غربي آخر يتعرض فيه السكان جميعا للفلكلور التلفزيوني الامريكي كما في اسرائيل. لندع الموضوع المبتذل “اسرائيليون في نيويورك” ولننظر الى أبطالنا كبنيامين نتنياهو مثلا وحياته الامريكية، وستانلي فيشر مع لغته العبرية الرائعة، وآرثر فنكلشتاين المحرض الكبير على العرب، وشلدون إدلسون الذي أصبحت صحيفته هي الأشد وطنية عندنا، وايلي طبيب وهو مشُتري وبائع لفرق كرة قدم هنا ويطير ليستثمر ماله هناك، وفئات اخرى يمتزج فيها الوطن و”هوم لاند”.
بقي شيء واحد مختلفا وبعيدا جدا. فهناك من غير ان يفهموا ثمن الحرب، ينتخبون اليوم رئيسا قد يؤثر في حياة وموت عشرات آلاف البشر، هنا. ان الملايين الذين شاهدوا “ساندي” (وهم لم يشاهدوا على نحو عام كوارث طبيعية أخربت هاييتي أو بنغلاديش) لا يستطيعون ان يفعلوا شيئا في هذه الانتخابات المهمة برغم أنها ستقرر مصيرهم بقدر كبير.
كنا نحن خصوصا مادة في دعاية الانتخابات هناك فقد لعقونا بلسان رطب رجراج. ما معنى ذلك؟ ان مليارات الدولارات تنصب هناك “باسمنا” من جيب الادارة هناك الى صناعات الحرب هناك. وعلى وريد هذه الدولارات تجلس الادارة ووكالات اخرى ذات مصالح ضخمة ومؤسسات دعم وجماعات ضغط وعسكريون يصاحبهم خطاب محرقة ورُهاب الاسلام، ونحن في الشرق الاوسط ننتظر إعصارنا، أعني رئيس الولايات المتحدة القادم.
فكروا في عشرات آلاف العراقيين الذين سمعوا آنذاك بانتخاب جورج بوش الابن ولم يُخمنوا ان فوزه سيقتلهم ويُدمر حياة ملايين آخرين. ونقول باختصار ان الامريكيين يصوتون اليوم على مصيرنا وليس في مقدورنا ان نفعل شيئا سوى ان ننشد “ان نكون شعبا حرا في بلادنا”.