هآرتس – مقال – 5/11/2012 ذاك الآخر مرة اخرى مع سلامه
بقلم: عكيفا الدار
ان محمود عباس بكلامه الذي قال فيه انه يتخلى عن حقه في العودة الى مسقط رأسه يحرج حكومة اسرائيل الحالية التي زعمت دائما انه ليس شريكا في مسيرة السلام.
لا يمكن حقا الاعتماد على العرب. كان من اللطيف جدا ان نلهو بالبالون كحلون الذي عارض الانفصال ويؤيد ضم المستوطنات. واستمتعنا كثيرا بالتنزه مع يئير لبيد في مستوطنة اريئيل الناشبة كعظم في قلب المناطق المحتلة. وبدأنا نُقنع شمعون بيرس بأن يغير في سن التاسعة والثمانين والنصف صفة “فخامة الرئيس” لتصبح “يُقسم القدس”. وظهر لنا فجأة أبو مازن في القناة الثانية يبلبل أذهاننا بسلامه.
تعلمنا من قريب من المؤرخ بني موريس ان محمود عباس متمسك بخطة المراحل ولذلك فانه “مستمر في طلب حق العودة” (“هآرتس”، 7/9) وفجأة، وفي منتصف معركة الانتخابات التي تتم على ماء هاديء، بين أسعار جبن الكوتج وتخفيضات الهواتف المحمولة، استصوب عباس التخلي عن حق العودة بالفعل الى مسقط رأسه في صفد.
وهنا وجد اليمين تعزيزا لنظريته “في عدم الشريك” بقول ميرون بنفنستي “لا تستطيع ان تقول للعرب ان ينسوا يافا وعكا فهم لن ينسوا” (“هآرتس”، 5/10)، ولذلك ينبغي ان ننسى تقسيم البلاد (وبعد ذلك يُهديء جأشنا بقول معاكس هو ان “أكثر اللاجئين بعامة لا يريدون العودة”). لكن حينما بدأ الجمهور يستوعب هذا التعزيز لزعم بنيامين نتنياهو ان “الصراع على 1948 لا على 1967” – استقر رأي الرئيس الفلسطيني على اعلان ان ما لا يوجد في داخل الضفة والقطاع وشرقي القدس هو اسرائيل.
ان أكبر مفاجأة هي مفاجأة استقبالنا لكلام عباس. عرفتنا محاضر الاجتماعات التي نشرتها شبكة “الجزيرة” في كانون الثاني من العام الماضي على توجهه البراغماتي لقضية اللاجئين. فقد أُبلغ هناك ان عباس قال في احدى محادثاته في حينه مع رئيس الوزراء اهود اولمرت “سيكون من غير المنطقي ان نطلب الى اسرائيل ان تستوعب خمسة ملايين لاجيء أو حتى مليون لاجيء… فسيكون معنى ذلك نهاية دولة اسرائيل”.
والى ذلك فانه في حوار داخلي في الرابع والعشرين من آذار 2009 (وكان ذلك مقاما لا نستطيع ان نقول انه كان يرمي الى تضليل الجمهور الاسرائيلي اليهودي) أجاب عباس بـ لا عن سؤال ضيف فلسطيني من الناصرة سأله هل يستطيع حينما يحين الوقت الحصول على جنسية فلسطينية. فقد قال عباس في جزم: “لست محتاجا الى جواز لاثبات أنك فلسطيني”، وأضاف: “عليك ان ترفع علمين: علم المساواة وعلم الدولة المستقلة من اجل إخوتك في المناطق المحتلة”.
في نيسان الأخير صادق رئيس “الشباك” السابق يوفال ديسكن على رواية عباس ان نتنياهو رفض ان يبدأ معه تباحثا عمليا ولم يُجهد نفسه في الرد على المواقف الفلسطينية من قضايا الحدود والامن أو حتى ان ينظر في الوثائق. “دعوا القصص التي تعرفونها عن ان أبو مازن لا يريد المحادثة”، قال ديسكن في لقاء موثق في كفار سابا؛ “كنت هناك الى ما قبل سنة وأنا أعلم من قريب ما الذي يحدث. ليس لهذه الحكومة اهتمام بحل أي شيء مع الفلسطينيين وأقول هذا في يقين”.
برغم ان قادة حماس وغير قليل من المسؤولين الكبار في فتح نددوا به تنديدا شديدا لأنه تجرأ على التخلي عن حق كل لاجيء في العودة الى بيته عاد الى عادته. كانت المقابلة الصحفية مع القناة الثانية جزءا من معركة دبلوماسية اعلامية شاملة ترمي الى التهيئة لرفع مستوى تمثيل السلطة الفلسطينية في الامم المتحدة. ويحسن ان ننتبه الى تصريح عباس عن انه ما بقي يجلس في مكتب الرئيس فلن تكون انتفاضة. فهذه رسالة الى حكومة اليمين التي تهدد بالرد على “اجراء من طرف واحد” من هذا القبيل بضم مناطق: حينما تحصلون في المقابل على انتفاضة ثالثة قد تنتشر في المنطقة كلها، فلا تبحثوا عني في المقاطعة.
اجل أراد عباس ان يتدخل في المعركة الانتخابية في اسرائيل وهذا جيد (هل يحق لبيبي وحده ان يغزو ملعبا سياسيا ليس له؟). وقد قام بعمل الاحزاب الصهيونية التي انضمت الى مسيرة حماقة اليمين الى هاوية الواقع الثنائي القومية والفصل العنصري. لا يمكن الاعتماد على العرب حقا. فـ “لا” عندهم قد تتحول الى “نعم” أما “لا” عندنا فهي “لا”.