هآرتس – مقال -30/10/2012 لماذا قتلوا رابين اذا
بقلم: يوسي سريد
أصبحوا الآن يحاولون تحريف نهج رابين وتراثه واعادة تفسير ما كان يؤمن به حقا.
قتلوه في البدء وبعد ذلك قتلوا طريقه والآن يقتلون ذِكره. وما عادوا يكتفون بدور الدافنين بل انهم الآن يؤبنون ويحللون ايضا. وفي السنة القادمة ستحين نوبة افيغدور ليبرمان ليؤبن.
ان جدعون ساعر ورؤوبين ريفلين وبنيامين نتنياهو نفسه يعلمون بالضبط ما الذي كان يقصده اسحق رابين؛ ففي ذلك الحين في تلك الايام المجنونة المفترسة أجروا حوارا صريحا، في شرفة مقابل شرفة. وفي ذلك الحين في حين كان ما يزال حيا شاركهم في أسراره، حينما قضوا معا وقبل الوقت وراء تابوته الاسود. وتبدلت الأزمان، فهم الآن لا يأتون لدفن رابين بل يأتون للثناء عليه.
ان الانقضاض على القاتل وحده أمر بسيط وسهل. وأكثر تعقيدا من ذلك علاج من حددوا له الهدف. وقد اعترف في التحقيق معه بقوله: “كان يصعب عليّ ان أقتل من غير فتوى أو حكم المضطهد على ألسنة عدد من الحاخامين. وما كنت لأعمل لو لم يكن لي دعم”. لم يُحقق في هذا القتل قط، وإن الذين أعدوا الارضية وبذروا بذور الشغب ما يزالون أحرارا. فما العجب من ان الروح السيئة لم تُسجن وما تزال تحلق فوق الارض وتُخيفها.
من السهل ايضا التهديد بـ “شباب التلال” وبجُباة “السعر”، وكأنه ما يزال الحديث عن أعشاب ضارة لا عن الحقل نفسه؛ وكأنهم أوغاد وُلدوا سفاحا، ولا تُعرف أنسابهم العائلية.
وعلى ذلك اجتمعنا هنا هذا العام في الميدان لنحدد رأي المكان والجمهور بـ “حدود منطقة الجدل الديمقراطي”. وقد قررنا بالاجماع ان نرفض القتل وان نُخرجه الى خارج مجال الاتفاق. كيف لم نفكر في هذا من قبل، ولماذا أضعنا 17 سنة في حديث عن السلام باطل باطل. لو لم تكن المسيرة تثير الاستهزاء لكانت مُنفرة ومُهينة. فقد اجتمع 15 ألفا فقط عند خروج السبت – أقل ممن كانوا في كل مسيرة سابقة – لأنه ما يزال يوجد ناس يلاحظون التزوير واعادة كتابة سيرته الذاتية وتاريخنا.
سمعت أول أمس في المذياع قطعة قصيرة من خطبته في ذلك المساء الذي كان بلا صباح: “أنا أومن بأنه يوجد احتمال للسلام”، كانت هذه كلماته الاولى وربما الكلمات الاخيرة. ويُصرون الآن على تخليده لكن من غير – يوم ذكرى اسحق رابين من غير رابين ومن غير السبب الواحد والوحيد الذي أُطلقت عليه النار بسببه من المكمن.
نتوصل في نهاية الامر الى اجماع وطني على ان القتل السياسي ليس في ديمقراطيتنا. لكن تريثوا لحظة: من الذي ضربه مع كل ذلك ولماذا لم يكن الضحية مُرادا. ان شيوخ المدينة يقفون، وشباب حركات الشباب الآن ايضا الى جانبهم، ويقول بعضهم لبعض: “لم تسفك أيدينا هذا الدم ولم ترَ أعيننا”. لماذا اذا لم تُسمع الى الآن كلمة ندم واحدة. واذا لم يكن رابين أراد دولة فلسطينية – بحسب الصيغة المُحدثة – فلماذا قتلوه في الحقيقة.
أصبح “السلام” كلمة معيبة لا يجوز ذكرها، وقد ضيق بها ذرعا. فالى متى يمكن الحديث عن السلام من غير وجود سلام. لكن بين حرب وحرب – صغرت أو كبرت – ترفع صهيون راية عالية ويتم العدل مع الجميع باعتبارنا “يسارا اجتماعيا”. ويقول الساسة الجدد ان “سلام – الآن تنتمي الى الماضي، الى الجانب القديم” ويضيفون: “لا يوجد فرق بين الاحزاب في الشأن السياسي”.
“لا يوجد فرق”، وهذه في الحقيقة هي الكارثة التي أحسنوا تعريفها، ففي الطريق الى إفرات التي هي بيت لحم دُفنت “الدولة اليهودية والديمقراطية” التي تندب أبناءها، وأخذت تنشأ في مكانها الدولة الثنائية القومية.
ليس لي من أتهم سوى نفسي. فأنا الذي بادرت الى قانون يوم ذكرى اسحق رابين، وقد اعتقدت آنذاك أننا نسن الشيء المفهوم من تلقاء نفسه لكنني كنت مخطئا. وما كنت اليوم لأكرر تلك الحماقة. فلا يمكن ولا يجب ان نُرغِم على ذلك: فمن أراد فليذكر – فليذكر بحسب طريقته، ومن أراد فليُنسِ – فمن ذا يستطيع ان يقف في وجهه.