هآرتس – مقال – 27/2/2012 الدب الروسي خائف
بقلم: أدار بريمور
يخشى الروس فقدان العالم العربي نهائيا ويخشون ان يقوى الاسلام في الشرق الاوسط وان يؤثر ذلك في جمهوريات وسط آسيا ويخشون فوق كل ذلك ان يفقدوا هيبتهم والثقة بهم في العالم ولهذا يؤيدون أشباه الاسد.
اجتمع عشرات من متخذي القرارات وقادة الرأي العام من روسيا والشرق الاوسط هنا في نهاية الاسبوع الماضي، برعاية الكرملين. وقد جاءوا للتباحث في “تحول العالم العربي ومصالح روسيا”. وحظوا بتفخيم كامل. فعلى شاطيء البحر الاسود في موقع جميل بين أشجار السرو والنخيل والصنوبر؛ وفي منظر ريفي على مبعدة قليلة عن القرية الاولمبية التي ستكون مركز الالعاب الشتوية في 2014؛ هناك جبال القوقاز بحيث لو مددت يدك للمستها. وما أبعد هذا عن جلبة المظاهرات وصيحات “روسيا من غير بوتين”. وما أبعده عن ينابيع الدم في حمص وحماة.
توميء روسيا الى أنها تريد العودة بكامل قوتها الى الشرق الاوسط كما أوضح عدد من الحضور. وهي تطلب مشاركة كاملة في القضية الايرانية وفي الصراع الاسرائيلي الفلسطيني العالق وتريد ان تؤثر في العالم العربي المتحرر. لكن يبدو أنه لم يوجد هنا نفخ عضلات بل اظهار خوف وهلع. هل الروس في شره؟ لا انهم خائفون ببساطة.
ان خوفهم الأكبر هو من رسوخ الاسلام المتطرف. فبعد تونس ومصر من يضمن لنا ألا يسيطر الاسلاميون على سوريا ايضا، يسأل الروس. ويجب على اسرائيل ان تفهم هذا أفضل من الجميع. كان يجب عليها ان تكون أكبر مؤيدات الاسد. فزيادة القوى الاسلامية قوة قد يفضي الى زيادة قوتها في القوقاز والفولغا ايضا. وقد تضعضع ايضا الجمهوريات السوفييتية السابقة في وسط آسيا.
يسمع الروس كلمة “اسلام”، فيرون غليانا واضطرابا وحربا أهلية وطائفية ودينية وقبلية، وهجرة جماعية ونشوب صراعات اقليمية جديدة. وهم يقولون ان الاختيار بين الاسد والبديل عنه ليس اختيارا بين خير وشر بل بين شر ودمار آخر الزمان.
ليس الخوف وحده هو الذي يُصرف الروس بل الصدمة ايضا، صدمة ليبيا. فقد كرروا هنا مرة بعد اخرى الحديث عن “خيانة الغرب”، الذي نصب شركاً للروس بصورة قرار مجلس الامن 1973. وقد أصبح القرار على تطبيق “منطقة حظر طيران” تمنع قتل المدنيين، أصبح عملية غربية صليبية لاسقاط نظام القذافي وانتهى الى فقدان السيطرة ومحاربة الجميع للجميع. ويقول الروس لن نُمكّن من الاحتيال علينا ثانية ولن نُمكّن الغرب مرة اخرى من التدخل في الشؤون الداخلية لدول ذوات سيادة.
خسرت صناعة السلاح الروسية استدعاءات بقيمة نحو من 10 مليارات دولار بسبب الربيع العربي وسياسة العقوبات الاقتصادية على ايران. وتضاعفت مبيعات السلاح لسوريا في المقابل وبلغت في السنين الاربعة الاخيرة 4.7 مليار دولار. ولهذا فان للروس سببا آخر للخشية من سقوط الاسد وهو قد يفضي ايضا الى فقدان موطيء قدمهم في ميناء طرطوس على البحر المتوسط وهو القاعدة العسكرية البحرية الوحيدة التي يملكونها خارج الاتحاد السوفييتي السابق.
ان خيبة الأمل والاحباط بل الغضب – كل ذلك اختلط في دعاوى المندوبين العرب على روسيا. وقيل للمضيفين بأكثر من الايماء ان تأييدهم للاسد يُحل دم معارضيه. بيد أن الروس يخافون فقدان الثقة بهم ومكانتهم الدولية أكثر مما يخافون من فقدان العالم العربي. يستطيع الامريكيون ان يخونوا حلفاءهم، وانظروا ما حدث لمبارك، لكننا لن نتخلى أبدا عن حلفائنا التاريخيين، يُعلنون.
وفي النهاية فان التأييد الجازم للاسد يرمي الى تمكين موسكو من مواجهة الغرب على أنها من القوى العظمى العالمية. ولا شيء كمعركة انتخابية لمواجهة العالم كله واعادة المجد الاستعماري الى ما كان عليه. وهذا مؤكد مؤكد في الوقت الذي لا يتضح فيه هل يوجد في الخارج شتاء أم “ربيع”، وهل حقا – “الاسد اليوم وبوتين غدا”.
وهذا بالطبع هو الخوف الأكبر الذي يُصرف الدب الروسي اليوم: لم يكن عند أحد من حضور المؤتمر في سوتشي في ان بوتين هو الرئيس التالي لروسيا. بيد ان الرأي السائد – الذي هُمس به في الغرف المغلقة – كان أنه لن يحظى باتمام ولايته.
حينما ارتفعت عند وجبة الوداع من مكبرات الصوت الضخمة أنغام “آي ويل سرفايف”، طُرح كل واحد وتداعيات أفكاره. وقد وجدت في جهاز هاتفي المحمول رسالتين: وصفت الاولى يوما داميا آخر في سوريا. والثانية مقالة نشرت في “فورين بوليسي” عنوانها: “بوتين قد مات”.