هآرتس – مقال – 2/3/2012 الفنان
بقلم: الوف بن
نتنياهو سيحاول ان يفهم من اوباما ما هو الخط الاحمر الامريكي حيال ايران. واذا كان هناك احتمال او ظروف تحمل الولايات المتحدة على ارسال قاذفاتها لتدمير المنشآت في نتناز، اصفهان وقم – أم ان كله كلام، والقرار بالهجوم موجود فقط في يد رئيس وزراء اسرائيل. عندها سيحل اختبار الزعامة الحقيقي لنتنياهو .
رحلة بنيامين نتنياهو الحالية الى واشنطن ستكون الاهم في حياته السياسية الطويلة كسفير، كسياسي وزعيم وطني. يوم الاثنين يلتقي نتنياهو في البيت الابيض مع الرئيس براك اوباما في لعبة بوكر دبلوماسية، يوضع فيها على الطاولة الرهان الاكبر: الهجوم على المنشآت النووية في ايران.
كل لاعب سيحاول دفع غيره الى العمل. نتنياهو كان يريد ان تحطم القوة العظمى الامريكية، بجملة قدراتها العسكرية، المشروع النووي الايراني. اما اوباما فيفضل اذا كان لا بد، ان تقوم اسرائيل بالعمل وتظهر الولايات المتحدة كالرجل الكبير المسؤول الذي يأتي بعد ذلك ليحدث النظام في الشرق الاوسط.
لثلاث سنوات استعد نتنياهو لهذه اللحظة. في هذه السنوات الثلاثة سجل في صالحه انجازا دبلوماسيا ظهر في البداية متجاوزا لكل خيال: فقد نجح في أن يقلب جدول الاعمال السياسي للقوة العظمى من “فلسطين اولا” الى “ايران على الرأس”.
في لقائه الاول مع اوباما في ايار 2009، بعد تسلمه مهام منصبيهما، طرح نتنياهو بكل الحدة قلقه من التهديد الايراني، ولكن اوباما اصر على الحديث عن تجميد المستوطنات. الرئيس وصف في حينه حل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، انهاء الاحتلال والاستيطان في المناطق كمصلحة حيوية لامن الولايات المتحدة القومي. وفرض على نتنياهو تأييد دولة فلسطينية وتجميد البناء في المستوطنات لعشرة اشهر.
هذه الافكار تبدو في نظرة الى الوراء سخيفة. فقد اختفت المستوطنات منذ زمن بعيد عن جدول الاعمال الوطني للولايات المتحدة. والحكومة اليمينية الاسرائيلية تنكب على تطويرها وتوسيعها، حسب ايديولوجيتها ودون العراقيل المزعجة من الخارج. نتنياهو هزم خصمه الفلسطيني – رئيس السلطة الفلسطينية، الذي طلب ولم يحصل على اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطينية – وخطر الانتفاضة الثالثة يثير في اسرائيل التثاؤب والسأم أساسا. الرأي العام الاسرائيلي منشغل باسعار الوقود وبتجنيد الاصوليين. اما الفلسطينيون فقد نسي أمرهم. نتنياهو أثبت أنه يمكن تقزيم النزاع الى معركة خطابات وبيانات للصحف دون دفع ثمن دولي.
فكيف فعل ذلك؟ نتنياهو استغل في صالحه خصوم اوباما الجمهوريين الذين جعلوا التهديد لايران موضوعا مركزيا في الحملة الرئاسية، ودفعوا الرئيس نحو الدفاع عن النفس. تحولات “الربيع العربي” وضعت اسرائيل كجزيرة استقرار في الشرق الاوسط، بالمقارنة مع الدول العربية المتفتتة. وبذل نتنياهو جهودا كبيرة في خلق “حلف المحيط” الجديد بين اسرائيل واليونان وقبرص، بلغاريا ورومانيا، اذربيجان واوغندا، لاحاطة تركيا، ايران ومصر.
ولكن فوق كل شيء، نجح نتنياهو في اقناع الاسرة الدولية بان اسرائيل تعتزم ويمكنها قصف ايران، وادخال المنطقة في حرب ترفع اسعار النفط الى السماء. خليط من التصريحات والاستعراضات المهددة، ولا سيما من وزير الدفاع ايهود باراك، وتدريبات المسافات البعيدة لسلاح الجو، اظهرت للعالم بان اسرائيل جدية. وهذا هو السبب للجملة الوفيرة من زيارات كبار رجالات الادارة الامريكية الذين يأتون الى هنا ويطلبون من اسرائيل “اعطاء فرصة للعقوبات”. سلوك ايران، التي سرعت تطوير النووي رغم تشديد العقوبات، تصفيات العلماء والتهديدات بالحرب، عززت فقط مصداقية الرسالة الاسرائيلية، في أن الوقت ملح ومجال العمل يوشك على الانغلاق.
والان يعود نتنياهو الى واشنطن في موقف قوة: السياسيون ووسائل الاعلام في امريكا منشغلون حتى الرأس بايران، واوباما يكافح في سبيل اعادة انتخابه وبحاجة الى دعم الجالية اليهودية. محظور الخطأ او التشوش: لا يوجد أي محبة، تقدير أو ثقة بين رئيس الوزراء والرئيس. اوباما يرى نتنياهو ككاذب ومتآمر، يتدخل دون خجل في السياسة الامريكية ويشجع الحملة الجمهورية لتنحيته. اما نتنياهو فيرى في اوباما كيسروي رقيق، أحلامه في السلام العالمي تهدد اسرائيل بكارثة ثانية، اذا ما سمح لايران باستكمال المشروع النووي والتزود بالقنبلة.
عندما عاد الى رئاسة الوزراء رأى نتنياهو مهمته الاساس في ربط الولايات المتحدة بالتصدي المظفر لايران، بحيث يزاح التهديد الوجودي عن اسرائيل. لا ريب انه اقترب من تحقيق هذا الهدف: في امريكا تنطلق المزيد فالمزيد من الاقوال عن الخروج الى حرب ضد ايران. استطلاع معهد “بيو” اظهر بان 58 في المائة من الامريكيين يؤيدون مثل هذه العملية. ولكن هذا لا يكفي. اوباما ليس هناك بعد. والخطر الايراني يبدو أقل تهديدا من المسافة الامنة لواشنطن ولوس انجلوس.
في الاسابيع الاخيرة ظهرت انعطافة مثيرة للاهتمام في الموقف الامريكي. تصريحات اوباما وكبار رجالات الادارة تركز على توقيت العملية الاسرائيلية – “اسرائيل لم تتخذ القرار بعد”، “اسرائيل ستهاجم حتى حزيران” وما شابه – وليس على تحذير اسرائيل من مغبة الهجوم. معارضة الهجوم التي بدت ذات مرة قاطعة، باتت تذكر أكثر فأكثر بالضريبة الشفوية للامريكيين ضد المستوطنات (“عائق للسلام”، “غير شرعية”) والتي لم تمنع اسرائيل ابدا من اسكان المزيد من اليهود في المناطق. يمكن تفسير الموقف الامريكي الجديد كوضع تحد لنتنياهو: اذا كنت بطلا كهذا، فهاجم ايران. لا تختبىء خلفنا.
في نهج نتنياهو يكمن خطر كبير. الحروب تنشب عندما يدفع الزعماء نحو مواقف ينعدم فيها الخيار، ويكون الثمن السياسي بالامتناع عن الحرب يفوق الحساب المنطقي للربح والخسارة منها. هذه كانت خلفية اندلاع حربين عالميتين ومعظم الحروب الاسرائيلية العربية. هذا يمكن ان يحصل ايضا في الجبهة الايرانية. اذا ما واصلت ايران عادتها، اوباما اصر على معارضته لعملية امريكية وعلق رئيس الوزراء في وضع يسألوه فيه، “وماذا فعلت أنت لمنع الكارثة الثانية؟”. وهل سيدفع حينها الى عملية كثيرة المخاطر، فيما أن الجبهة الاسرائيلية الداخلية غير مستعدة لامتصاص وابل الصواريخ والمقذوفات الصاروخية، وتعليلات معارضي الهجوم معروفة وجاهزة منذ الان للجنة التحقيق المستقبلية؟
اوباما سيحاول استخدام الاتفاق الذي حققه مع كوريا الشمالية، التي وافقت على تعليق برنامجها النووي مقابل ارساليات الغذاء، من أجل اقناع نتنياهو بان يهدأ، وأن الساعة غير ملحة وانه اذا تضرر الايرانيون بجيوبهم فانهم سيتراجعون. ولكن نتنياهو لا يشتري هذا. فلدى الكوريين منذ الان قنابل نووية تنفيذية. وهم يمكنهم ان يتملصوا من الصفقة مثلما فعلوا في الماضي. من ناحيته. ليس لدى اسرائيل وقت للانتظار الى أن يتراخى الايرانيون.
هذا هو السبب الذي يجعل رحلة نتنياهو الى واشنطن حساسة وهامة اكثر من أي وقت مضى. تحت رعاية التصريحات العادية عن “كل الخيارات على الطاولة” و “اسرائيل ستحتفظ بحقها في الدفاع عن نفسها “، سيحاول ان يفهم من اوباما ما هو الخط الاحمر الامريكي حيال ايران. واذا كان هناك احتمال او ظروف تحمل الولايات المتحدة على ارسال قاذفاتها لتدمير المنشآت في نتناز، اصفهان وقم – أم ان كله كلام، والقرار بالهجوم موجود فقط في يد رئيس وزراء اسرائيل. عندها سيحل اختبار الزعامة الحقيقي لنتنياهو.