هآرتس – مقال – 17/10/2012 2.279 سعر حراري للفرد ، هكذا اسرائيل احتسبت اسرائيل كيف لا تجوع غزة
بقلم: عميرة هاس
اسرائيل تتحكم بغذاء سكان القطاع ونوعيته في اثناء قرار الحصار الرسمي الذي ضربته على القطاع.
في ختام ثلاث سنوات ونصف من الصراع القانوني لجمعية “جيشا” (وصول)، اضطر مكتب منسق اعمال الحكومة في المناطق بالافراج للنشر عن وثيقة الخطوط الحمراء التي صاغها في 2008. وفي الوثيقة تحتسب سعرات الحد الادنى اللازمة، برأي مكتب التنسيق، كي لا يصل سكان قطاع غزة الى وضع من سوء التغذية في الفترة التي شددت فيها اسرائيل قيود الحركة على الاشخاص والبضائع، بما في ذلك منتجات الغذاء والمواد الخام. وحسب ما ورد في الوثيقة، فانه اشرك في صياغتها موظفون من وزارة الصحة واحتساب السعرات الحرارية تم حسب مفتاح الوزارة، المستند الى الاستهلاك الاسرائيلي المتوسط في ظل تكييفه مع “ثقافة وتجربة” القطاع.
في نيسان 2009 بدأت جمعية “جيشا” (مركز حماية حقوق الحركة) بعملية طلب نشر وثائق الاغلاق بناء على قانون حرية المعلومات. في اذار 2011 أمرت المحكمة المركزية في تل أبيب وزارة الدفاع بنشر وثيقة “الخطوط الحمراء” – التي ذكرت لاول مرة في تقرير لـ أوري بلاو ويوتم فلدمان في “هآرتس” في حزيران 2009. واستأنفت الدولة على القرار الى محكمة العدل العليا وهناك قال مندوبو مكتب التنسيق بأن هذه مسودة فقط لم تطبق ابدا ولم توجه السياسة عمليا. لهذا السبب عارضوا النشر بزعم أن هكذا ستنكشف دون حاجة دراسة داخلية وورقة تفكير لم تصل على الاطلاق الى حد التحقق. وقيل لـ “هآرتس” من مكتب منسق شؤون المناطق بأنه بعد أن وضعت وثيقة الخطوط الحمراء لم يجرِ اي بحث اضافي. الوثيقة (في صيغتين من كانون الثاني 2008) نقلت قبل نحو اسبوعين الى “جيشا” بتعليمات من محكمة العدل العليا ويكشف النقاب عنها الان.
نموذج الخطوط الحمراء صيغ بعد نحو خمسة اشهر من قرار الحكومة برئاسة ايهود اولمر (في ايلول 2007) تعميق القيود اكثر مما كان من قبل على حركة الاشخاص والبضائع من والى قطاع غزة. وقضى القرار بأن “يقيد نقل الخيرات الى قطاع غزة، يتقلص توريد الوقود والكهرباء، ويفرض قيد على حركة الاشخاص من والى القطاع”. كما قيل في القرار إن القيود ستطبق “في ظل نية الامتناع عن أزمة إنسانية”. كما حظر ايضا على كل تصدير من القطاع. في المداولات في محكمة العدل العليا في أحد التماسات “جيشا” ضد هذه السياسة قرر محاميا الدولة جلعاد شيرمان الراحل ودانا برسكمن، باسناد تصريح مشفوع بالقسم من العقيد شلومي مختار من مكتب التنسيق بأن “من حق الدولة أن تقرر بان ليس في نيتها الارتباط اقتصاديا أو المساعدة اقتصاديا للطرف الاخر في المواجهة، أو العمل بطريقة “القتال الاقتصادي””.
وتحسب الوثيقة السعرات الحرارية بالحد الادنى التي تقررت لكل مجموعة عُمرية ونوع اجتماعي مع الاغذية الاساسية التي يجب ادخالها الى القطاع ومع عدد الشاحنات اللازمة لنقلها بالحد الادنى. وهكذا تقرر متوسط 2.279 سعر حراري للفرد في اليوم، يتجسد في 1.836 غرام من الغذاء أو 2.575.5 طن من الغذاء لكل سكان القطاع. ويتطلب ادخال هذه البضائع الى القطاع 170.4 شاحنة كل يوم (على مدى خمسة ايام في الاسبوع). ومن هذا العدد اقتطع واضعو الوثيقة 68.6 شاحنة تساوي في القيمة المنتجات الغذائية من “انتاج ذاتي” (داخل القطاع) – من الخضار، الفواكه، الحليب واللحوم. وتشير الوثيقة الى أن “اجمالي الغذاء اليومي يراعي “أذواق” الاطفال الصغار من تحت سن الثانية، مما يضيف نحو 34 طن في اليوم لعموم السكان”. والنتيجة النهائية – 101.8 شاحنة في اليوم.
من هذه النتيجة، اقتطع 13 شاحنة بموجب “الثقافة والتجربة” لاستهلاك الغذاء في غزة. وتجدر الاشارة الى أنه في الوثيقة لا يشرح كيف نفذ هذا الحساب. بينما احتسب استهلاك أعلى من السكر (5 شاحنات مقابل 2.6 حسب النموذج الاصلي لوزارة الصحة) حسب استهلاك أدنى من الخضار والفواكه (18 شاحنة مقابل 28.5 شاحنة) واستهلاك أدنى من الحليب (12 بدلا من 21.1 شاحنة) ولحوم وطيور (14 بدلا من 17.2 شاحنة). وبالاجمال احتسبوا في مكتب التنسيق بانه يجب مواصلة ادخال حمولة 131 شاحنة كل يوم بطريقة “من الظهر الى الظهر” – بضاعة تنزل من شاحنة ما في الطرف الاسرائيلي وتنقل الى شاحنة اخرى في الطرف الفلسطيني. من عموم الشاحنات، 106 شاحنة نقلت عبر حاجز كرم سالم والباقي عبر معبر البضائع “كارني”، كانت اسرائيل أغلقته فقط بعد بضع سنوات.
وحسب الوثيقة، كان نائب وزير الدفاع في حينه، متان فيلنائي، قد صادق قبل صياغة الخطوط الحمراء على ادخال 106 شاحنة كل يوم من الغذاء والبضائع الحيوية الاخرى، وادخال غذاء بذوري (الذرة والشعير للحيوانات) عبر حاجز كارني. واستهدفت الخطوط الحمراء التأكد من أن عدد الشاحنات يلبي احتياجات القطاع. في جمعية “جيشا” يقولون ان المقارنة مع معطيات الامم المتحدة عن دخول الشاحنات تبين بان عدد الشاحنات اليومية كان في أحيان كثيرة أقل بكثير.
وترجم مكتب منسق أعمال الحكومة في المناطق برئاسة اللواء عاموس جلعاد في حينه، سياسة تقييد الحركة الى قائمتين: واحدة طويلة – من المنتجات الممنوعة (من مواد البناء، الابر والاقمشة والمنتجات الخام الاخرى، وحتى مواد التنظيف والاغتسال، الكتب، الالات الموسيقية أو الحمص المعالج)، والقصيرة – للمنتجات المسموح بها. وكان الخط الموجه هو أن من الان فصاعدا ليس الطلب على المنتجات هو الذي يقرر ادخالها الى القطاع بل الانواع والكميات اللازمة، مثلما قررها مكتب التنسيق. وبين الحين والاخر كانت طواقم مكتب التنسيق، برئاسة اللواء جلعاد تجتمع وتجدد قائمة المنتجات المسموح بها. وهكذا مثلا اقر في نهاية 2008 ادخال الشامبو، ولكن بدون ملين الشعر في ذات العبوة، وفي تموز 2009 سمح لاول مرة بادخال الحمص المعالج، ولكن بدون الصنوبر.
ولغرض تطبيق التعليمات “بالامتناع عن أزمة انسانية”، صاغ ضباط أركان في مكتب التنسيق ما يسمونه “جساسات” تفحص بعدم الاقتراب من وضع نقص في المنتجات المسموح بها أو سوء تغذية. ومن خارج نموذج الخطوط الحمراء صيغ نموذج قياس مخزون الغذاء في القطاع ونظام السماح بادخال الخيرات. في مكتب التنسيق يقولون بان النموذج الذي وجه خطاهم في نهاية المطاف كان نظام السماح بادخال الخيرات ومقياس المخزون – الذي عرض حسابات رياضية للرقابة على عدم النقص أو الفائض في جملة المنتجات الحيوية المسموح بها. في أعقاب التماس “جيشا” الى محكمة العدل العليا، نشرت الوثائق في تشرين الاول 2010 (“هآرتس”، 25/10/2010). وشدد مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق أمس على أن “الحساب الكمي لم يتم بهدف الوصول الى مستوى الحد الادنى أو تقييد الكميات بل العكس، ضمان عدم وجود النقص”.
في “جيشا” يشككون بالادعاء بانه لم يكن استخدام للخطوط الحمراء ويقولون مثلا بان مستوى الحد الادنى الذي تقرر للحوم (300 عجل مستورد كل اسبوع) في هذه الوثية وجه خطى النيابة العامة للدولة، حين شرحت في محكمة العدل العليا لماذا لا ينبغي الاستجابة لطلب زيادة السقف في نهاية عيد رمضان. في مكتب التنسيق يقولون بان مستوى الـ 300 تقرر في حساب المخزون.
وتستعين منظمات انسانية دولية بالنموذج المسمى (SPHERE STANDARDS) مقاييس المحيط كي تحدد احتياجات السكان وتحسن المساعدة المقدمة لهم في حالات الكوارث والطوارىء (سواء كنتيجة للكوارث الطبيعية أم للحروب). وهذا النموذج أكثر تركيبا وأقل حسابيا مما في الخطوط الحمراء. ولكن الفارق الجوهري هو أن الخطوط الحمراء ونموذج حساب المخزون تقررت من ذات الجهة التي خلقت عن قصد وضع الطوارىء، والتي تتحكم عمليا بالمنطقة موضع الحديث وبسكانها.
ويشير كاتبو وثيقة الخطوط الحمراء الى أن قدرة الانتاج المحلية للخضار والفواكه من المتوقع أن تنخفض من 1.000 طن في اليوم الى 500 في غضون بضعة أشهر، بسبب الحظر الاسرائيلي على ادخال البذور والمواد الخام المختلفة اللازمة للزراعة، وحظر التسويق خارج القطاع. مصير مشابه متوقع لفرع الطيور. ولم يقترح الكُتّاب حلا لهذا الانخفاض.
وعلى سؤال لـ “هآرتس” اجاب روبرت تيرنر، مدير اعمال وكالة الغوث في قطاع غزة انه قرأ “بقلق” مسودة الوثيقة وأنه “اذا كان الامر يعكس سياسة أصيلة ترمي الى تقييد استيراد الغذاء، فان نهج الخطوط الحمراء يتعارض والمبادىء الانسانية، واذا كان يرمي الى منع أزمة انسانية من خلال تحديد حافة حد أدنى، فقد فشل”.
وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين تنخرط عن كثب في حياة نحو مليون نسمة في القطاع. وقالت تيرنر لـ “هآرتس” انه حسب معطيات الوكالة فان “الحقائق على الارض تثبت بان استيراد الغذاء الى غزة هبط الى ما دون الخطوط الحمراء. لو كانت المعابر الرسمية هي القناة الوحيدة ولو لم تضمن وكالات الامم المتحدة بان يصل قسم بالحد الادنى الى الاكثر فقرا، لكانت النتيجة تفاقم حقيقي في سوء التغذية في قطاع غزة”. وقال ايضا ان النموذج لم يأخذ بالحسبان فقدان منتجات مستوردة بسبب طريقة النقل “من الظهر الى الظهر” (بسبب تمزق اكياس الغذاء، ع.ه). وعلى حد قوله، فان هذه الخسارة وحدها تكلف الامم المتحدة نحو مليون دولار في السنة. وعلى سؤال اذا كان الوضع تحسن اليوم، بعد أن الغي الحظر على ادخال منتجات الغذاء وبضائع استهلاكية اخرى اجاب تيرنر بانه طالما استمر الحظر على التصدير سيبقى على حاله “المستوى غير المسبوق من التعلق بالمساعدات – التعلق الذي هو من فعل الانسان”.
وقالت المحامية شيري بيشي من “جيشا” بانه يوجد تضارب واضح بين ادعاء اسرائيل بانها غير مسؤولة عن سكان القطاع بينما “يمكنها أن تقرر كميات الغذاء التي تتواجد في الاسواق، وأنواعه ايضا. هذا التحكم يفرض عليها واجب الامتناع عن فرض قيود الحركة التي لا تستجيب لاحتياجات أمنية محددة – واجب لا يطبق أيضا في السياسة الحالية”.
ولم يصل رد من وزارة الصحة على سؤال وجهته “هآرتس” عن دورها في صياغة الوثيقة.