هآرتس – مقال – 14/10/2012 اسرائيل بصفة طائرة بلا طيار
بقلم: عنار شيلو
تبدو سياسة اسرائيل مضطربة هوجاء تتحول وتتقلب على الدوام وكأنها طائرة بلا طيار.
لا يوجد الكثير مما يُقال بادي الرأي في قضية الطائرة بلا طيار التي مرت في سماء حياتنا في ذروة ثقل الأعياد مخلفة وراءها أثرا من الصور والعناوين الصحفية الرئيسة وكُرات نار. كانت تلك الواقعة أشبه بكليب إم.تي.في أكثر من ان تشبه قصة اخبارية. انه شيء ملون آسر يحطم الروتين وينقذ من الملل لكنه لا يطلب اصغاءا كثيرا جدا ليس موجودا عندنا أصلا.
لكن يمكن ان نقول غير قليل في تضخيم هذا الكليب عندنا والتحذيرات التي سُمعت على أثره. ان اسرائيل تستعمل الطائرات الصغيرة بلا طيارين والطائرات بلا طيارين وسيلة لتجميع المعلومات الاستخبارية ووسائل هجوم فتاكة. وليس ما لا يُحصى من طلعات الطائرات الاسرائيلية بلا طيارين أمرا يؤبه له لكن طلعة وحيدة لطائرة اجنبية بلا طيار في سمائنا تشبه زلزالا.
لماذا؟ لأننا اعتدنا كثيرا على عدم التناسب. وان ما نستطيع ان نفعله لا يستطيع أحد آخر في الحي فعله. ونحن نُنمي اسطورة تفوقنا الى حد أننا لا نتحمل حقيقة انه توجد دول اخرى في المنطقة قادرة على تطوير طائرة بلا طيار وتطييرها، أو على التوصل الى انجازات تقنية ما. ويُرى ذلك شاذا عن قوانين الطبيعة، يحتاج الى عناوين صحفية رئيسة والكثير من التحذيرات وكسر حاجز الصوت في سماء لبنان.
ان عدم التناسب الذري شأن مختلف. لكن تصور انه لا يجوز للعدو حتى ان يُطير طائرة ألعاب يبلغ حد المرض. يمكن في المرحلة التالية ان نحذر دول المنطقة من انتاج الكهرباء والاذاعة التلفازية واستعمال الحواسيب والهواتف، بل نوصي بأن توضع لها خطوط حمراء واضحة لأن أعداءنا كما أشار الى ذلك بنيامين نتنياهو في خطبته في الامم المتحدة يُمثلون ظلام العصور الوسطى ويحسن ان يبقوا هناك.
لكن قضية الطائرة بلا طيار ليست شهادة اخرى على الاستكبار الاسرائيلي فقط بل هي مجاز محزن لسلوكنا في السنين الاخيرة ايضا. ان اسرائيل تحت حكم نتنياهو تبدو أكثر فأكثر مثل طائرة صغيرة بلا طيار، فلا يوجد أي شعور بالتوجيه ولا يوجد هدف ما أو شخص ما يُمسك بالمقود. والشعور عكسي هو البلبلة الدائمة والانسياق مع هبات ريح مفاجئة وتغيير الاتجاه الى درجة الدوار.
ان الامثلة أكثر من ان تُحصى. من تجميد المستوطنات في بداية ايام حكومة نتنياهو الى تطويرها المتعجل بعد ذلك؛ ومن خطبة بار ايلان المعتدلة عن دولتين للشعبين، الى تعريف هذا الحل بأنه غبي وصبياني والهجمات الهوجاء على الشريك الوحيد محمود عباس.
ان اللجان التي انشأها نتنياهو مع قرع طبول عال تلاشت في صمت دقيق. ولم تُقرب لجنة تريختنبرغ أي حل لازمة السكن العام ولمشكلة غلاء المعيشة الذي يرتفع فقط. ولا يوجد للانجاز الوحيد – التربية المجانية من سن الثالثة – دعم مالي مناسب. وانتهت لجنة بلاسنر ايضا التي أُنشئت للدفع الى الأمام بالتساوي في حمل العبء، انتهت الى انعطافة ونكوص بـ 180 درجة. كان ذلك ضجيجا كثيرا على لا شيء.
ان رسائل اسرائيل في شأن ايران لا تقل عن ذلك اصابة بالدوار. فحرب ربيع 2012 تحولت الى حرب خريف هذه السنة ثم الى حرب ربيع 2013. وتغيرت هوية العدو بالتدريج ايضا: من محمود احمدي نجاد الى براك اوباما ثم الى اهود باراك.
أُلغيت الانتخابات المبكرة التي أُعلنت وأُغلنت الآن مرة اخرى. وهي تجعل الدوار شقيقة (صداع نصفي). لم تتم ادارة اسرائيل قط على هذا النحو الأهوج غير المتساوق وغير المسؤول كما في ولاية نتنياهو الثانية.
يجب ان نقول بوضوح ان الطائرة الاسرائيلية ليس فيها طيار. وعندنا بدل رئيس الوزراء فراغ خطير يمتليء كل مرة بنزوة لحظية مختلفة. ونسأل لماذا يُصر طيار هجر طائرته منذ زمن على العودة اليها للمرة الثالثة؟.