هآرتس – مقال – 13/3/2012 قصة عن العزة والظلام
بقلم: آفي يسسخروف
الثأر من اسرائيل، إعادة بناء الصورة، إعادة غزة الى العناوين الرئيسة وإضعاف حماس هي بعض من الاسباب لمواصلة المنظمتين المعارضتين لحماس في غزة اطلاق النار.
بعض من نشطاء الجهاد الاسلامي عقدوا أمس في ساعات الصباح مؤتمرا صحفيا على عجل في وسط غزة بشروا فيه بحناجر متشنجة بانهم يرفضون كل هدوء في القتال ضد اسرائيل. وأوضحوا بانهم يعتزمون مواصلة القتال ضد العدو الصهيوني لزمن طويل آخر. ومع ان التصريحات بدت متبجحة، كالمعتاد تقريبا، ولكن كما وعدوا – لم تسارع المنظمتان أمس ايضا الى الموافقة على وقف النار.
أحد عوامل الاصرار على استمرار اطلاق النار نحو اسرائيل هو بلا شك انعدام انجاز ذي مغزى في القتال. بتعبير آخر، رغم أنه حتى يوم أمس سجل اطلاق اكثر من 200 صاروخ نحو اسرائيل، بما في ذلك ايضا نحو المدن الكبرى في الجنوب مثل اسدود وبئر السبع، ففي الجانب الاسرائيلي لم تسجل تقريبا اصابات او خسائر في الارواح. منظومة “قبة حديدية” التي نجحت في اعتراض الكثير من الصواريخ، أصبحت العدو الاهم بالنسبة لهذه المنظمات على المستوى العسكري وحتى اطلاق صليات الصواريخ لم ينجح في توفير الحل لهم.
غير أن انعدام الاصابات في الجانب الاسرائيلي هو فقط أحد التفسيرات للاحباط الكبير الذي نشأ في أوساط نشطاء المنظمات في القطاع. عامل آخر، ذو مغزى لا يقل تقريبا، هو اندحار القتال في غزة عن جدول الاعمال العربي. نشطاء الجهاد الاسلامي ولجان المقاومة الشعبية اعتادوا في جولات قتالية سابقة على أنه مع بدء الهجمات الاسرائيلية في القطاع، يتفرغ الرأي العام العربي لمعالجة النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني ويقف ضد سياسة اسرائيل.
في الجولة الحالية من القتال اكتشفت المنظمتان بان بالذات السيد السوري للجهاد، بشار الاسد، نجح في تركيز الرأي العام العربي على ما يجري في سوريا بدلا من القطاع. في ذروة القتال، بعد 25 قتيلا وبضع عشرات من الجرحى، يتبين ان الوضع في القطاع هو الموضوع الثالث أو الرابع فقط في نشرات الاخبار في وسائل الاعلام العربية، ولا سيما بعد أن تبينت أمس حجوم المذبحة التي ارتكبتها قوات الامن السورية في حي كرم الزيتون في حمص. والمرة تلو الاخرى بثت محطات التلفزيون المركزية، “العربية” و “الجزيرة”، صور الفظاعة الرهيبة لاكثر من عشرين طفلا ذبحوا وجثث النساء والرجال الذين ذبحوا واحرقوا حتى الموت. الموضوع الفلسطيني، بكلمات بسيطة، اندحر عن جدول الاعمال.
ولكن، فضلا عن هذه التفسيرات، لا يزال هناك غير قليل من الاهداف التي وضعتها لنفسها لجان المقاومة الشعبية والجهاد الاسلامي في اطار المواجهة الحالية مع اسرائيل. “اللجان”، المنظمة الثالثة في حجمها في القطاع، تلقت يوم الجمعة ضربة غير بسيطة عندما صفي الامين العام للمنظمة، زهير القيسي، في هجوم اسرائيلي. الناطق بلسان المنظمة، ابو مجاهد، روى أمس بان المخابرات المصرية حذرت القيسي من أن الاسرائيليين سيحاولون تصفيته اذا ما حاول العمل ضد اهداف اسرائيلية. وروى ايضا بان المصريين لم يطلبوا من القيسي التوقف عن كل نشاط ضد اسرائيل، بل فقط الامتناع عن مهاجمتها من الاراضي المصرية.
الزعيمان الاخيران للجان قادا المنظمة الى طريق ايديولوجي متطرف للغاية، قريب جدا من مذهب منظمات الجهاد العالمي. والمنظمة معنية باعادة بناء مكانتها الضائعة، والاثبات بانها لا تزال قادرة على مواصلة العمل. وروى ابو مجاهد أمس لـ “هآرتس” بان منظمته لا تعتزم الاعلان عن اسم الامين العام الذي سيخلف ابو ابراهيم، لقب القيسي الذي صفي. ومع ذلك، قدر محللون مختلفون في غزة بان عمليا ليس في المنظمة خليفة طبيعي بعد تصفية زعمائها الثلاثة على ايدي اسرائيل. يدور الحديث عن صراع حرج من ناحية المنظمة.
العلاقات بين حماس ولجان المقاومة الشعبية كانت ممتازة في الماضي. ولكن في الاشهر الاخيرة يقود أعضاء اللجان سياسة مستقلة تتضمن عمليات دون مراعاة رغبة حماس في الهدوء. في الجولة الحالية ارتبطوا في الجهاد الاسلامي في محاولة لاخضاع اسرائيل لشروط وقف نار متعذرة من ناحيتها، للاثبات بان المنظمتين نجحتا من خلال القتال بالوصول الى انجازات لم تنجح حماس في خلقها في الماضي: وقف التصفيات والهجمات الاسرائيلية في اراضي قطاع غزة مقابل الهدوء.
بالمقابل، فان الهدف شبه العلني للجهاد الاسلامي في هذه الجولة هو تحدي حماس وتعزيز مكانتها في المنافسة حيال حكم غزة. في السنوات الاخيرة تحولت الجهاد من حليف مخلص لحماس، الى معارضة “داخلية” – معارضة كشفت عورة المنظمة على الملأ بعد ان اوقفت القتال ضد اسرائيل. والمرة تلو الاخرى يسمع في الايام الاخيرة الناطقون بلسان الجهاد الذين يلمحون بان حماس هجرت طريق “المقاومة” بينما هم لا يزالون رأس الحربة في الصراع ضد “العدو الصهيوني”. في الجهاد يأملون بان الجمهور الغزي الذي أيد حماس في بداية طريقها “سيجتاز الطريق” ويؤيدها.
مصدر التوتر بين المنظمتين ليس فقط في القتال ضد اسرائيل. الجهاد، التي لا يزال يستقر قادتها في سوريا، لم تسارع الى الانقطاع عن الرئيس السوري ولا عن السيد الايراني، بينما حماس علقت في الاسابيع الاخيرة في مواجهة مغطاة اعلاميا مع دمشق وطهران. يمكن التقدير بان ايران تشجع الامين العام للمنظمة الذي يتخذ من دمشق مقرا له، رمضان شلح، على تشجيع رجاله على مواصلة اطلاق الصواريخ. التركيز على اسرائيل في غزة وليس فقط على المشروع النووي الايراني، بالتأكيد لا يضر طهران. اضافة الى ذلك، ففي الجهاد أيضا يفهمون بان اجتياز الخطوط الحمراء، مثل اطلاق النار على وسط اسرائيل، من شأنه أن يؤدي الى رد اسرائيلي قاس يجر حماس الى دائرة القتال. مثل هذه الخطوة لن تخدم بالضرورة مصالح الجهاد. بمفاهيم عديدة، من الافضل للجهاد ان تبقى حماس خارج دائرة القتال كي تبقى هي في دور المتصدر للقتال ضد اسرائيل.
المنظمتان معا تسعيان الى كي الوعي الاسرائيلي، أي – خلق ردع. من ناحيتهما، حتى لو انتهت جولة القتال الحالية دون نتائج دراماتيكية، فان اسرائيل ستفكر في المستقبل اذا كانت ستهاجم أو تصفي احد زعماء المنظمتين، بسبب الثمن الذي ستدفعه.
أما حماس، حاليا – وربما بشكل مفاجيء – تواصل النظر الى ما يجري من الجانب. فالمنظمة تمتنع عن مهاجمة اسرائيل، ولكنها ايضا لا تعمل على وقف اطلاق الصواريخ. الناطق بلسان “اللجان” روى امس لـ “هآرتس” بانه حتى ساعات المساء لم يصل طلب من أي جهة في حماس لوقف النار. قادة المنظمة في غزة وفي الخارج على وعي من الانتقاد ضدهم ويسمعون الاصوات من أوساط مؤيديهم الذين يتهمونهم بان تحولوا الى “سلطة فلسطينية ثانية”. ومع ذلك، في حماس على وعي ايضا من آثار انضمامهم الى القتال والثمن الباهظ الذي سيضطرون الى دفعه في حالة مواجهة شاملة مع اسرائيل.
وروى سكان في غزة أمس لـ “هآرتس” عن نظرية المؤامرة الجديدة التي تدور رحاها في القطاع. وعلى حد قولهم، فان الهجوم الاسرائيلي يوم الجمعة جاء ليوفر حبل نجاة لحماس في ضوء الازمة التي تمر بها المنظمة. في الاسابيع الاخيرة اتهمت حماس بتفجير المصالحة الفلسطينية الداخلية. اضافة الى ذلك، فان الانقطاع الطويل للكهرباء وتوقف عمل محطة توليد الطاقة في القطاع، شددا فقط غضب الجمهور. “وها هو جاء الهجوم الاسرائيلي وكل شيء ضاع في النسيان”، قال امس لـ “هآرتس” احد سكان القطاع. حسب أحد التقارير أمس في وسائل الاعلام الفلسطينية، اقترحت مصر استئناف توريد الوقود والكهرباء للقطاع، مقابل موافقتهم على وقف النار. المصريون، بزعم المحللين، اوقفوا مؤخرا نقل الوقود – أغلب الظن في محاولة لاجبار قيادة حماس للمصالحة مع فتح. مشكوك ان يؤدي استئناف توريد الوقود الى الهدوء المنشود، ولكن في غياب حل آخر، لعل الكهرباء المنتظمة في القطاع ستهدىء الخواطر قريبا.