هآرتس – مقال – 12/3/2012 من يعرف الخط الاخضر؟
بقلم: عكيفا الدار
تُعمّي القيادة الاسرائيلية على الجمهور الاسرائيلي كونها هي التي ترفض السلام على أساس حدود 1967 وتتهم الفلسطينيين بأنهم هم المذنبون.
في برنامج التسلية في التلفاز “واحد في مقابل مئة” الذي تم بثه الاسبوع الماضي في القناة الثانية عُرض على المنافسة – وهي ممرضة تحمل لقبا اكاديميا ثانيا – أسماء ثلاث بلدات: قلنسوة وطولكرم وجنين. وسُئلت أيها تقع داخل الخط الاخضر، وبعد تردد طويل افترضت ان الجواب الصحيح هو طولكرم وطلبت لمزيد التيقن مساعدة المنافسين الـ 71 الذين بقوا في اللعبة. وأجاب 17 منهم أي واحد من بين كل اربعة تقريبا بأن طولكرم أو جنين تقعان داخل الخط الاخضر، أي أنهما بلدتان اسرائيليتان. فقلنسوة وطولكرم واريئيل والخليل كلها شيء واحد. جيئونا بقبة حديدية من البحر الى نهر الاردن، واقصفوا غزة بقوة أكبر وقصوا علينا قصة الاسرائيلي الفاضل الذي يُدبر الذئب الفلسطيني الحقير لافتراسه.
لو أنني كنت أومن بنظريات المؤامرة لارتبت في ان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو استدعى رشقات القذائف الصاروخية على البلدات الجنوبية، فانه لا يمكن ان يكون بيبي لم يتعلم انه بعد كل اغتيال لمخرب كبير كهذا لا بديل عنه حتى الاغتيال التالي، يصبح سكان شمالي النقب نجوم تلفاز. على خلفية بنت حزينة من سدروت، بقيت في البيت متنكرة بقبعة حمراء، تبدو حكاية “أعطيناهم غزة وتلقينا صواريخ القسام” أكثر اقناعا. فها هو ذا برهان لكم أيها الاولاد الأعزاء على أنه لا توجد أية علاقة بين المناطق والسلام والامن. ويستطيع رئيس امريكي اسمه الاوسط حسين فقط ان يزعم ان الانسحاب من قلنسوة – أعذروني، من طولكرم – سيساعده على صد البرنامج الذري الايراني.
يحافظ الجمهور الاسرائيلي بقوة على حقه في عدم المعرفة. فهو لا يريد أن يعرف ان نتنياهو رفض الاقتراح الفلسطيني لاجراء تفاوض في حل دولتين في حدود 1967 مع تبادل اراض متفق عليه ونشر قوة دولية في الضفة. وبعد “الأخ الكبير” يصبح أسهل ان ننام مع قصة عن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي لم يُجب على اقتراح اولمرت الحصول على الضفة كلها.
فلماذا اذا لا يكرر نتنياهو الاقتراح نفسه ويكشف عن وجه الفلسطينيين الحقيقي؟ من يهمه ذلك حقا؟ ان الناس الذين يخشون “محرقة ثانية” غير فارغين ليسمعوا انه ستكون انقضت بعد اسبوعين عشر سنين منذ أُضيعت مبادرة سلام الجامعة العربية التي تعرض علينا علاقات تطبيع مع الدول العربية مقابل انسحاب من المناطق وحل عادل متفق عليه لمشكلة اللاجئين على أساس قرار الامم المتحدة 194.
ان رئيس الحكومة على حق تماما، فمن حق دولة اسرائيل ان تدافع عن نفسها. لكن ألا يحق لنا ان نعلم في نهاية الامر أي دولة اسرائيل يقصد؟ أدولة يهودية في حدود متفق عليها ومعترف بها؟ أدولة ثنائية القومية وديمقراطية بين البحر ونهر الاردن؟ أدولة يهودية ديمقراطية زائفة مُقصاة تُخلد احتلال شعب آخر وتسلبه ارضه؟ من يهمه هذا؟ أيهم شيلي يحيموفيتش التي يشغلها غنى بضعة أرباب مال في اسرائيل أكثر مما يشغلها تخصيب اليورانيوم في ايران؟ أيئير لبيد الذي قال في الاسبوع الماضي في حلقة مغلقة انه يؤيد بالطبع سلاما مع الفلسطينيين لكن لا يوجد من نُحادثه لأسفه الشديد جدا؟ وهذه النبوءة أقرب الى تحقيق نفسها مما كانت دائما.
صحيح ان السلام والهوية الاسرائيلية يقلقان تسيبي لفني، لكن الجميع يعلمون أنها مغفلة، ولولا ذلك لما أضاعت فرصة الانضمام الى حكومة نتنياهو- ليبرمان – باراك لمجرد مباديء. وعند زهافا غلئون ايضا ما تقول في هذا الشأن، لكن من ذا يعنيه كلام اليساريين؟ وماذا عن الرجال والنساء الأخيار الذين لا يبقون في كراسي التلفاز ويخرجون للتظاهر في الشوارع وفي الشبكة الاجتماعية ايضا؟ انهم مشغولون بتوحيد الصفوف للنضال “غير السياسي” لخفض أسعار جبن الكوتج والشوكولاتة.
إننا نترك النضال عن صورة الدولة التي سيترعرع فيها أبناؤنا لـ “اسرائيل لي” و”اذا شئتم”. فنشطاؤهما يعلمون جيدا في أي جانب من جوانب الخط الاخضر تقع طولكرم. فهم يمرون عليها كل يوم في الطريق الى مستوطناتهم. وقد مُحي هذا الخط عندهم منذ زمن مع الخطوط الأساسية لديمقراطية مستنيرة، وسيحدث هذا عندنا قريبا.