هآرتس – مقال – 12/3/2012 حرية قرار محدودة
بقلم: عاموس هرئيل وآفي يسسخروف
تصريح باراك في ان القبة الحديدية تمنح القيادة “حرية قرار” يضفي على المنظومة الدفاعية بعدا استراتيجيا بعد أن كانت مجرد رد تكتيكي.
في اليوم الثالث من جولة القتال الحالية في الجنوب، أمس، سجل أنخفاض نسبي في حجم نار الصواريخ. حقيقة أنه سقطت مع ذلك صواريخ غراد في بئر السبع حثت أمس تصريحات هجومية من جانب اسرائيل التي هددت بمواصلة الهجمات في قطاع غزة. وفي الجيش الاسرائيلي اوصوا القيادة السياسية بتشديد الهجمات الجوية، ولكن على الحكومة أن تأخذ بالحسبان ايضا الضغط الدولي المتصاعد لوقف النار. وعليه، يبدو أنه اذا ما استمر الانخفاض في عدد اطلاق الصواريخ اليوم ايضا، يوجد احتمال معقول بان تقليص اسرائيل ايضا اعمالها الهجومية والجولة ستصل الى منتهاها في منتصف الاسبوع. هكذا، بالضبط، انتهت ايضا جولات الضربات السابقة في العام الماضي.
لهذا التقدير يجب أن تضاف ملاحظتا تحذير: الاولى – ان كل هذا صحيح – شريطة الا تقع اصابات في الارواح في الطرف الاسرائيلي. والثانية – ان الاحباط المتصاعد لدى الجهاد الاسلامي في ضوء انعدام قدرتها على الوصول الى انجازات في الجولة الحالية، من شأنه في ظروف متطرفة ان يشجعها نحو خطوة (تكاد تكون انتحارية من ناحيتها) لاطلاق الصواريخ على وسط البلاد ايضا.
حاليا، مع أن نحو 150 صاروخا اطلق نحو اراضينا ورغم حقيقة أن نحو مليون مواطن يوجدون في خط النار من القطاع، في الجولة الحالية يلوح تفوق نسبي لاسرائيل. استعداد مسبق ناجع، في الدفاع وفي الهجوم، قبل القرار باغتيال الامين العام لرجال المقاومة زهير القيسي، قلص جدا عدد المصابين في الطرف الاسرائيلي وحسن فرص الاصابة لخلايا صواريخ الجهاد واللجان. الفلسطينيون دفعوا لقاء ذلك ثمنا باهظا: 18 قتيلا، بينهم 17 مخربا وفتى واحد.
نار لجان المقاومة أمس كانت عشوائية وركزت على المدى القصير. اما الجهاد، التي في السنتين الاخيرتين تلقت من ايران مئات الكاتيوشا لمسافة نحو 40كم (وعلى ما يبدو ايضا صواريخ تصل الى مدى أكثر من 70كم)، تطلق صواريخ نحو بئر السبع واسدود. غير أن هناك، في معظم الحالات، تعترضها منظومة قبة حديدية.
ليس صدفة أن تحدث أمس وزير الدفاع، ايهود باراك، عن أن القبة تمنح “حرية قرار” للقيادة السياسية. قبة حديدية تم تطويرها كرد تكتيكي من أساسه. في ظروف المواجهة الحالية، فانها تحصل على معنى يقترب من الاستراتيجي. في الجيش الاسرائيلي أعلنوا أمس عن أن الجيش يستعد لاستيعاب بطارية رابعة للمنظومة في غضون نحو شهر. مستوى الاستجابة العالي نسبيا لسكان النقب لتعليمات قيادة الجبهة الداخلية يقلص هو ايضا خطر الاصابات، وان كانت رغبة الكثيرين في مشاهدة الاعتراض للصواريخ بالبث الحي والمباشر من شأنها ان تؤدي الى خسائر لاحقا.
في الوقت الذي تواصل فيه الجهاد واللجان النار، يقول مسؤولو حماس في كل مناسبة بانهم يؤيدون وقف النار وان المنظمة تجري اتصالات مكثفة مع مصر في محاولة للوصول الى “تهدئة”. وبدا أمس ان الفصائل الاكثر تطرفا لا تزال على حالها. فقد أصدرت لجان المقاومة بيان نفي رسمي للتقارير وكأنها وافقت على وقف اطلاق الصواريخ. مصاعب حماس ليست فقط ايديولوجية (عملية مبادرة لوقف النار كفيلة بان تفسر في نظر الجمهور الغزي كاستسلام لاسرائيل)، بل عملية. فأغلب الظن، لجان المقاومة والجهاد الاسلامي غير معنيتين باستمرار القتال، ولكنهما تسعيان الى الايضاح لاسرائيل ثمن تصفية نشطاء منظمتيهما من خلال اطلاق الصواريخ.
حماس تعيش مأزق معين: واضح لرؤساء المنظمة بان الجهاد تحقق مكاسب سياسية على حسابهم وتصورهم كمنظمة متعاونة مع اسرائيل بالذات في ذروة أزمة عسكرية. أحد زعماء المنظمة في الخارج، اسامة حمدان، بدا شبه معتذر أمس حين شرح بان حماس لن تتخلى عن المقاومة المسلحة لاسرائيل.
اما اسرائيل، رغم التصريحات بانها ترى في حماس المسؤولة عما يجري في نطاق القطاع، فلا تسارع جدا الى ضرب منشآت ومكاتب المنظمة. كما أن حجم النشاط الهجومي للجيش الاسرائيلي كبح جماحه قليلا. فقد تركز هذا أمس على صيد خلايا اطلاق الصواريخ. ثلاثة قتلى فلسطينيين أمس مقابل 15 في نهاية الاسبوع، يشهدون على ذلك.
في محاولة لتخفيف الانتقاد على منظمتهم، حاول مسؤولو حماس صرف النار نحو السلطة الفلسطينية. عزيز دويك، من قادة حماس في الضفة الغربية، ادعى بان الحملة الاسرائيلية في القطاع هي فعل استخفاف بالسلطة. موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، الذي ارسل الى القاهرة للبحث في وقف النار قال ان استمرار الاعتقالات السياسية في الضفة من أجهزة السلطة يحبط الوحدة. ابو مرزوق، الذي تصالح أغلب الظن مع مشعل بعد أن تحدى زعامته صراحة في بداية السنة، يفهم بان استمرار القتال في القطاع من شأنه أن يجر حماس الى المعمعان – المكان الاخير الذي تريد المنظمة أن تكون فيه الان.