هآرتس – مقال – 12/3/2012 التصعيد في الجنوب جيد لاسرائيل
بقلم: تسفي برئيل
تبغي اسرائيل من وراء التصعيد جر حماس الى مواجهة عسكرية تحطم آمال الفلسطينيين في الوحدة ورص الصفوف وطلب دولة مستقلة.
ان طالبي الهجوم على ايران لم يستطيعوا الحصول على عرض أشد اقناعا من تبادل النار الذي يجري بين اسرائيل وغزة. ان “مليون مواطن تحت النيران” عينة فقط مما يتوقع حينما يُستكمل التهديد الذري الايراني. سيكون سبعة ملايين مواطن آنذاك تحت تهديد النيران والاشعاع الذري. أنظروا ماذا يحدث حينما يستعمل الجهاد الاسلامي “فقط” صواريخ غراد وحينما تمتنع حماس عن المشاركة في المعركة وحينما يكون “النظام المُعجز” الذي يمنع سقوط صاروخ في روضة اطفال ما يزال يعمل. ان المعجزات لن تساعد تحت تهديد الذرة الايرانية وستضطر تل ابيب ايضا الى دخول الملاجيء أو الفرار الى ايلات.
هذا هو البرهان. فلا مناص اذا من مهاجمة ايران ولا يوجد وقت أفضل من الآن في الوقت الذي تُمكّن فيه حالة الجو من ذلك والدبلوماسية العالمية مشغولة فيه بسوريا. ولا يوجد برهان أفضل لمواطني اسرائيل على أنه لن يحدث لهم أي ضرر نتيجة هجوم على ايران بعد ان برهنت القبة الحديدية على جدواها بنسبة 95 في المائة. ان التصعيد في غزة جيد لاسرائيل، أي لذلك الجزء منها المجبر على مهاجمة ايران.
يصعب ان نفهم على ماذا يعتمد افتراض ان اسرائيل لا تطمح الى تصعيد الوضع؟ يجوز ان نُخمن ان ردا مسلحا من اللجان الشعبية أو من الجهاد الاسلامي على عملية الاغتيال المركز الاسرائيلية قد أُخذ في الحسبان، لكن هل قدّر شخص ما امكانية ان هذا الرد العنيف كان يمكن ان يوقع عددا أكبر من الضحايا في اسرائيل من كل عملية كان يمكن ان ينفذها زهير القيسي، الامين العام للجان الشعبية؟ (ان عدد القتلى في غزة الذي بلغ هذا الصباح 18 قتيلا لا يؤخذ في الحسبان كالعادة).
مع عدم وجود جواب واضح على هذا السؤال يجوز لنا ان نفترض ان متخذي قرار اغتيال القيسي اعتمدوا مرة اخرى على استراتيجية الرد الموزون. وهي استراتيجية تعني تصفية – ردا – ردا على رد والكل بصورة موزونة في الوقت الذي تتحكم فيه اسرائيل بارتفاع اللهب الى جانب التصريح المبتذل على لسانها وهو “اسرائيل لا تطمح الى تصعيد الوضع”. أحق هذا؟.
ماذا عن تصريح رئيس هيئة الاركان قبل بضعة اسابيع الذي قال انه لن يكون مناص من عملية واسعة في غزة؟ وماذا سيكون اذا لم يتبن الجهاد الاسلامي الاستراتيجية الاسرائيلية ولم يوقف النيران؟ هل سيُنفذ في نهاية الامر تهديد رئيس هيئة الاركان وتنطلق اسرائيل الى الأمام نحو “الرصاص المصبوب الثانية”؟.
في مقابل اسرائيل فان طموح حماس الى وقف التصعيد الذي فاجأها مفهوم أكثر. فالمنظمة في صراع سياسي داخلي، وقيادتها التي تركت سوريا تبحث لنفسها عن بيت جديد، وما يزال الحوار مع فتح لم يثمر اتفاقا على حكومة وحدة، ويجب ان يجابه جانبها العقائدي ايضا استعداد الاخوان المسلمين وهم منظمة السقف العقائدي لحماس اجراء حوار مع الولايات المتحدة والتمسك باتفاقات كامب ديفيد. ان حماس برغم أنها لا تسيطر سيطرة كاملة على نشاط المنظمات كلها في غزة قد نجحت في التوصل الى تفاهمات مهمة مع أكثرها ومنها الجهاد الاسلامي الذي انضم الى مسار المصالحة مع فتح. وتُدبر حماس سياسة خارجية مكثفة مع مصر التي تضمن مرور المواطنين عن طريق معبر رفح وتساعد على مرور بضائع عن طريق الأنفاق وتمد بالسولار المطلوب لانتاج الكهرباء في غزة. وحماس حتى لو بقيت قيادتها في دمشق لا تستطيع الانفصال عن مصر وهي مكبلة بسياستها نحو اسرائيل.
نجح هذا التعلق بمصر في الماضي في إحداث هدنات طويلة تم البرهان عليها في الاشهر الاخيرة ايضا ولا سيما بعد التوقيع على اتفاق المصالحة مع فتح الذي أنتج تصريحات خالد مشعل التي قالت ان حماس ستقيد نفسها بنضال غير عنيف ضد اسرائيل. لكن يبدو ان التغيير في حماس فضلا عن انه لا يقنع اسرائيل، يشوش على سياسة “لا يوجد شريك” عندها، وقد يُفسد جهودها لمنع انشاء حكومة فلسطينية موحدة تستتبع تجديد طلب دولة فلسطينية مستقلة في الامم المتحدة. فمن الحيوي لذلك جر حماس الى عمل عسكري على اسرائيل ولا يوجد أسهل في تقدير اسرائيل على الأقل من بدء هجوم “جانبي” على مطلوب ليس من حماس، وانتظار تحقيق استراتيجية الرد والأمل بأن تنضم حماس هي ايضا. ولم يحدث هذا حتى الآن، فما تزال حماس تفضل المسار الدبلوماسي وهي تجري في اليومين الاخيرين اتصالات مكثفة مع المجلس العسكري الأعلى في مصر. وستضطر اسرائيل كما يبدو الى انتظار فرصة اخرى، لكنها نجحت في الاثناء ولو لوقت قصير في صرف انتباه الدبلوماسية العربية عن الشأن السوري الى الشأن الاسرائيلي الفلسطيني، ومن المؤكد ان الاسد راض.