ترجمات عبرية

هآرتس: مفهوم محور الشر

هآرتس 18/6/2025، جاكي خوريمفهوم محور الشر

خلال سنوات طورت اسرائيل، بواسطة الاعلام والامن، مفهوم “محور الشر”. تحدثوا عنه وكأنه وحش اقليمي موحد: ايران، سوريا، حزب الله، حماس، الحوثيون في اليمن، مليشيات شيعية في العراق، الذي جميعهم اعتبروا كتلة واحدة تحت مظلة “محور المقاومة”. بدون صلة بالتعريف والمصطلحات فان ذكر المحور تم عرضه دائما بتوتر، يبدأ بالردع الامني وينتهي بتحقيق مكاسب سياسية، كل طرف حسب مصالحه.

الآن، عند اندلاع الحرب الاولى غير المباشرة بين اسرائيل وايران، تفكك المحور امام أنظارنا في الوقت الحقيقي. اسرائيل قامت بمهاجمة طهران بشكل مباشر وعلني، ليس حسب اقوال مصادر اجنبية أو حسب تقارير. ايران، بتعليمات الزعيم الروحي علي خامنئي، ردت باطلاق الصواريخ والتصريحات والوعد بالانتقام. ولكن عندما نظرت حولها اكتشفت انها وحيدة.

الحوثيون في اليمن اكتفوا باطلاق رمزي. حزب الله بعد الضربات التي تعرض لها كانت له اعتبارات داخلية وحذر من فتح جبهة في لبنان. سوريا في ظل الشرع توجد تحت رعاية اردوغان وابن سلمان. العراق ممزق، وعن قطاع غزة لا يجب التحدث كثيرا. لا أحد من الشركاء في المحور سارع الى المشاركة في تحمل العبء الايراني.

هل تفاجأت ايران؟ يشك في ذلك. ربما أنها فهمت منذ زمن قواعد اللعب، وأن أي مفاوضات تحتاج الى ورقة قوية على الطاولة. روسيا، وبالتاكيد الصين، ليسوا حلفاء بالمعنى الامريكي – الاسرائيلي. فسلوكهم هناك بطيء ومحسوب اكثر، وهو يشمل ايضا مصالح يمكن ان تتصادم. يمكن الافتراض ان النظام عرف انه في لحظة الحقيقة هي لن تقف الى جانبه، وايضا الحلفاء الاقليميين. حزب الله في لبنان وحماس والجهاد الاسلامي في غزة شكلا في نظرها سوط يمكن بين حين وآخر ان تضرب به، ولكن عمليا، لا يشكل عامل ردع استراتيجي على المدى البعيد امام دولة لديها تفوق عسكري مثل اسرائيل والداعم الرئيسي لها الولايات المتحدة.

ربما هذا هو السبب الذي جعل ايران تعمل بشكل حثيث على تطوير المشروع النووي، ليس بالضرورة لـ “القضاء على اسرائيل”، مثلما تزعم دعاية اسرائيل مرارا وتكرارا، بل لضمان وجود النظام. بنظرة الى الوراء لن يكون من الخطأ القول إنه لم يكن هناك محور أو تحالف. كل الموضوع ظهر اكثر كوهم جيوسياسي استخدمته جميع الاطراف. النظام في ايران استخدمه لترسيخ مكانته وتمسكه بالسلطة، مع اختراع تعريفات مثل “الشيطان الاكبر” و”الشيطان الاصغر”. الولايات المتحدة واسرائيل ودول الخليج تمسكت به للتحذير من العملاق الشيعي. لقد قاموا بطرح رؤية تقول بانه يجب محاربة هذا المحور قبل أي شيء آخر، وبعد ذلك فقط التحدث عن كل ما تبقى. الدمقرطة في العالم العربي وحقوق الانسان والمواطن، الاصلاحات ومحاربة الفساد، وايضا التسوية السياسية مع الفلسطينيين، كل ذلك عانى من الاقصاء لأنه في المقام الاول يجب محاربة شر ايران. هذه الحرب جردت المفاهيم ومزقت القناع. هذا ليس حلف الناتو امام حلف وارسو، وليس الحرب الباردة. يبدو أن المحور كان بالاساس التقاء مصالح.

اوروبا بعد الحربين العالميتين ادركت ذلك وهي تحارب بكل طريقة، كي لا تعود الى هناك. الشرق الاوسط الان يوجد في مفترق تاريخي، ليس اقل من ذلك. وعند انتهاء المواجهة مع ايران فان الفلسطينيين سيبقون مرة اخرى المشكلة الاساسية في المنطقة. فقط الايام ستخبرنا اذا كان العالم سيعمل على حلها، ومحاولة ليس فقط ادارة النزاع، بل التوصل الى تسوية لحلها، أو أنه سيخترع مرة اخرى محور شر جديد يرافقنا لاجيال من اجل ضمان بقاء الزعماء والانظمة، ولتذهب الشعوب الى الجحيم.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى