هآرتس: مفتاح إنهاء الحرب في يد الدبلوماسية العربية
هآرتس 2024-01-27، بقلم: تسفي برئيل: مفتاح إنهاء الحرب في يد الدبلوماسية العربية
لقد مر الكثير من السنوات منذ أن وقفت الدبلوماسية العربية على رأس معركة سياسية واتخذت مهمات إقليمية مهمة مثلما حدث في الأسابيع الأخيرة وخاصة في الأيام الأخيرة. الوسطاء العرب ينشغلون الآن في قضية تشمل عدة أقاليم، التي تتجاوز بشكل كبير المشكلة الفلسطينية، وذلك مقارنة مع أزمات أخرى – منها الحروب في السودان وفي ليبيا وفي اليمن، أو المواجهات بين إسرائيل وحماس – التي في كل واحدة منها طلب من الوسطاء معالجة قضية واحدة في كل مرة. هذه ازمة تهدد كل المنطقة، وتهدد الاقتصاد العالمي ومكانة الولايات المتحدة. وقد أصبحت هذه الأزمة تهز شبكة العلاقات التي اعتبرت ثابتة بين إسرائيل ومصر والأردن وتركيا. هذه الأزمة تفتح الفرصة للتعاون السياسي بين السعودية وإيران، وهي تعتم على الحرب الكبرى بين روسيا وأوكرانيا.
رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يمكنه القول باحتجاج: “قطر لا تختلف جوهرياً عن الأمم المتحدة والصليب الأحمر. وبمعنى ما هي حتى اكثر إشكالية. لا توجد لدي أوهام بخصوصهم”. لكن قطر هي الدولة التي تمتلك أداة الضغط الأساسية على حماس، ويوجد لديها على الأقل جزء من الحل للقضية الأكثر إيلاماً التي تشغل الجمهور الإسرائيلي وهي قضية انهاء الحرب. هذا الحل يوجد أيضا في يد الدول العربية الأخرى التي تشارك في العمليات السياسية، اكثر من الولايات المتحدة، وبالتأكيد اكثر من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.
مصر، التي لم يقرر الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد هل يرد على المكالمة الهاتفية لنتنياهو، هي الساحة السياسية الأكثر نشاطاً التي تجري فيها محادثات الوساطة. يوجد للقاهرة دور في قضية “اليوم التالي”، التي سيتقرر فيها من الذي سيدير غزة وكيف. في الوقت نفسه السعودية وإيران يمكنهما تحديد كيفية إنهاء المواجهة المستمرة بين إسرائيل وحزب الله ومن سيكون الرئيس اللبناني القادم. في بغداد بدأت محادثات مع الولايات المتحدة حول سحب كل القوات الأميركية من الأراضي العراقية. هذا الطلب اصبح في واجهة الساحة السياسية في أعقاب الحرب في غزة. غزة نفسها التي منحت ايران مكانة دولة رئيسة في موضوع تأمين الملاحة في البحر الأحمر لأنها الدولة الراعية للحوثيين.
حسب صحيفة “العربي الجديد” الصادرة في لندن وفي دول عربية والتي اثبتت موثوقية مصادرها، فان المحادثات في مصر التي يشارك فيها بيرت ماكغورك، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط والممثل القطري، تجري في مسارين. فقطر هي “المسؤولة” عن صفقة المخطوفين وشروط تحقيقها، في حين أن مصر تنشغل في إدارة غزة في اليوم التالي للحرب. على الطاولة كان على الأقل حتى أمس اقتراح لوقف إطلاق النار لشهر، الذي يمكن تمديده لشهر آخر، مقابل إطلاق سراح تدريجي لمخطوفين إسرائيليين حسب الأعمار والوضع الصحي. الصحيفة تفسر أن اقتراحاً إسرائيلياً لنفي زعماء “حماس” من غزة ومن بينهم يحيى السنوار تمت إزاحته في هذه الأثناء عن الأجندة. حماس تشترط الآن أي تقدم في المفاوضات بتقديم ضمانات مهمة بأن لا تخرق إسرائيل وقف اطلاق النار. ومن غير الواضح في التقرير أي ضمانات سترضي حماس، واذا أعطيت هذه الضمانات فماذا سيكون الجدول الزمني للإفراج.
الواضح من الإجابات التي تعطيها حماس هو أنها تطمح في التوصل الى وقف شامل لإطلاق النار، مطلق وثابت، وهذا الأمر تعارضه في الوقت الحالي إسرائيل والولايات المتحدة. مسألة أخرى تتعلق بانتشار الجيش الإسرائيلي في القطاع عند وقف إطلاق النار. هل ستنسحب القوات من مراكز المدن وتنتشر على طول الحدود بين غزة وإسرائيل؟ هل ستنسحب بالكامل من القطاع وتعود الى العمل في داخله بعد وقف اطلاق النار؟ هل ستبقى ضمن الانتشار الحالي؟ وبأي حجم؟ هذه الأسئلة تحتاج ليس فقط برامج عملية يتم تنسيقها مع “حماس”، بل تحتاج أيضا سياسة واضحة في ما يتعلق بطبيعة السيطرة المدنية في غزة أثناء وقف إطلاق النار الطويل، وبعد ذلك أيضا في فترة التسوية بعيدة المدى.
حسب مصادر إسرائيلية مطلعة على هذه النقاشات ومصادر دبلوماسية اجنبية فإن الولايات المتحدة حصلت على موافقة السعودية واتحاد الإمارات على المساعدة في اعمار القطاع لكن بشرطين: هدوء امني، أي اتفاق على وقف ثابت لإطلاق النار ونقل السيطرة الى جهة فلسطينية مدنية متفق عليها، التي هي الآن غير قائمة. إسرائيل تعارض بشدة نقل السيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية. والولايات المتحدة تضغط على محمود عباس لإجراء إصلاحات في السلطة، لكنها لا توضح أي إصلاحات ستكون مرضية لها. في قيادة م.ت.ف يرون في الطلب الأميركي فرصة للقيام بعملية تعزيز شاملة لصفوف المنظمة. وهي عملية ستقلص كثيراً دور محمود عباس ومكانته وفي الوقت نفسه ستضم حماس في م.ت.ف الى جانب الجهاد الإسلامي وتنظيمات أخرى. هكذا تستطيع م.ت.ف القيام بشكل كامل وشرعي بدورها – الممثل الحصري للشعب الفلسطيني.
مصادر في فتح قالت للصحيفة إن النقاشات في هذا الموضوع تجري في الفترة الأخيرة مع ممثلي حماس الخارج. مع ذلك هم يعترفون بأنه لم يتم بعد تحقيق أي تقدم، وحسب رأيهم فان م.ت.ف من شأنها أن تقرر إجراء إصلاحات في بنيتها وطرح سلطة فلسطينية “مختلفة” وإبقاء الباب مفتوحاً أمام حماس. هذا مع المعرفة أن حماس لا تستطيع أن تكون جزءا من الجهة التنفيذية التي ستدير القطاع. “نحن سنضطر الى إيجاد بنية لم تكن موجودة حتى الآن”، قال احد الأعضاء في فتح. “م.ت.ف هي منظمة تعترف بإسرائيل وقد وقعت معها على اتفاقات، التي استناداً اليها تم تشكيل السلطة الفلسطينية”. وحسب قوله “من جهة نحن معنيون بأن نضم الينا حماس والتنظيمات الأخرى، لكن يبدو أننا سنضطر الى تشكيل جسم إداري آخر، فيه حماس اذا انضمت لـ م.ت.ف لا يمكن أن تكون شريكة. المعضلة مزدوجة، هل نعطي حماس حق “الفيتو” على العرض الأميركي لـ م.ت.ف فيما يتعلق بالسيطرة على كل أجزاء فلسطين، وفي المقابل، هل نتنازل عن فرصة التحول الى منظمة تمثل كل الشعب الفلسطيني؟ هذا على فرض أنه بسبب الشراكة مع حماس ربما لن نستطيع القيام بدور في إدارة القطاع وسنجد صعوبة في إدارة الضفة”.
هذه الأسئلة الحاسمة تبدو في هذه الاثناء نظرية إزاء الموقف الحاسم لإسرائيل، لكن يمكن أن تكون عملية عندما توضح الولايات المتحدة أي بنية تنظيمية فلسطينية ستكون مقبولة عليها، على فرض أنها ستستطيع فرض موقفها على إسرائيل. هذه الخطوة يمكن أن تكون اكثر سهولة اذا قدمت السعودية في تطبيعها مع إسرائيل واستخدمته كوسيلة للإقناع. هنا ينتظر مصر “دور حياتها” وهو أنه سيكون عليها، بمساعدة السعودية وبدعم أميركا، أن تربع الدائرة الفلسطينية بصورة ترضي إسرائيل. مصر استثمرت في السنوات الأخيرة الجهود الكثيرة من اجل تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية. وحتى أنها نجحت في 2017 في تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية التي شاركت فيها حماس وفتح. لكن خلال سنة تم حل هذه الحكومة ومنذ ذلك الحين كان الكثير من المحادثات التي لم تثمر أي شيء.
مرونة في الشمال
في الامتداد الشمالي للحرب في غزة، في لبنان، يتم في هذه الأيام بذلت جهود دبلوماسية كثيفة بقيادة “مجموعة الخمس دول”، السعودية ومصر وقطر وفرنسا والولايات المتحدة. هذه الدول تعمل على إنهاء الأزمة السياسية والتوصل الى تهدئة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية. هنا يظهر بشكل خاص دور السعودية وإيران اللتين تتعاونان بشكل غير مسبوق. أمس استضاف السفير السعودي في لبنان، وليد البخاري، في خيمته الفاخرة في حي اليرزة في بيروت سفراء “مجموعة الخمسة”. وقبل ذلك ببضعة أيام التقى مع السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني.
حسب تقرير في صحيفة “الإخبار” المقربة من حزب الله فقد تم طرح في النقاشات بين الطرفين أسماء مرشحين محتملين لمنصب الرئيس ورئاسة الحكومة. يبدو أن السعودية، التي حتى الآن وضعت شروطا قاسية كي تساعد لبنان على الخروج من الأزمة الاقتصادية – منها إبعاد حزب الله عن التشكيلة الحكومة وتجريده من سلاحه – مستعدة الآن لإظهار المرونة مقابل تتويج رئيس “لن يكون ضدها” ورئيس حكومة تستطيع العمل معه. التقارير في لبنان تعرض شرطاً آخر للسعودية يطالب بـ “هدوء أمني” مقابل المساعدات السعودية. هذا الهدوء يعني وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان وسحب قوات حزب الله من الحدود مع إسرائيل.
السؤال هو: هل التعاون العلني بين ايران والسعودية يمكن أن يملي على حزب الله قطع علاقته التي أقامها بين الحرب في غزة وبين مواجهته مع إسرائيل. حسن نصر الله في الخطاب الأخير قال إنه لن يكون أي وقف لاطلاق النار من ناحيته طالما استمرت الحرب في غزة. لكن في المرة السابقة التي تم فيها التوصل الى وقف قصير لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس في إطار صفقة المخطوفين، أيضا حزب الله أوقف إطلاق النار. السؤال الآن هو: هل الوقف الطويل للنار بين إسرائيل وحماس سيوقف النار أيضاً في الشمال، وهل في الفترة الزمنية التي سيتم فيها الحفاظ على وقف النار المزدوج، في غزة وفي لبنان، سيستطيع الوسطاء في لبنان التوصل الى اتفاق دائم. الاتفاق الذي سيشمل ليس فقط وقفاً لإطلاق النار، بل سحب كل قوات حزب الله ونشر الجيش اللبناني بدلا منه.
هذه العملية يمكن أن تقدم لحزب الله “السلّم الذي سينزل عليه عن شجرة غزة، كما كان عنوان مقال نشر في هذا الأسبوع في صحيفة “الجنوبية” اللبنانية. المكاسب الأساسية التي سيحققها حزب الله من ذلك هي انتهاء المطالبة بتجريده من سلاحه، الى جانب اعتراف السعودية بمكانته كشريك في المنظومة السياسية في لبنان. مكانة حزب الله لن تمس، في حين أنه سيكون للسعودية إنجاز سياسي مهم بعد سلسلة إخفاقات سياسية أضرت بصورة ولي العهد محمد بن سلمان. بالنسبة لإسرائيل فإنها ستضطر الى التقرير: هل وقف إطلاق النار الدائم الذي سيتم التوصل اليه بوساطة السعودية وإيران، الى جانب الدعم الأميركي، يشمل انسحاب قوات حزب الله، هو ضمانة كافية كي يستطيع السكان في منطقة الحدود مع لبنان العودة الى بيوتهم؟
لقد مر الكثير من السنوات منذ أن وقفت الدبلوماسية العربية على رأس معركة سياسية واتخذت مهمات إقليمية مهمة مثلما حدث في الأسابيع الأخيرة وخاصة في الأيام الأخيرة. الوسطاء العرب ينشغلون الآن في قضية تشمل عدة أقاليم، التي تتجاوز بشكل كبير المشكلة الفلسطينية، وذلك مقارنة مع أزمات أخرى – منها الحروب في السودان وفي ليبيا وفي اليمن، أو المواجهات بين إسرائيل وحماس – التي في كل واحدة منها طلب من الوسطاء معالجة قضية واحدة في كل مرة. هذه ازمة تهدد كل المنطقة، وتهدد الاقتصاد العالمي ومكانة الولايات المتحدة. وقد أصبحت هذه الأزمة تهز شبكة العلاقات التي اعتبرت ثابتة بين إسرائيل ومصر والأردن وتركيا. هذه الأزمة تفتح الفرصة للتعاون السياسي بين السعودية وإيران، وهي تعتم على الحرب الكبرى بين روسيا وأوكرانيا.
رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يمكنه القول باحتجاج: “قطر لا تختلف جوهرياً عن الأمم المتحدة والصليب الأحمر. وبمعنى ما هي حتى اكثر إشكالية. لا توجد لدي أوهام بخصوصهم”. لكن قطر هي الدولة التي تمتلك أداة الضغط الأساسية على حماس، ويوجد لديها على الأقل جزء من الحل للقضية الأكثر إيلاماً التي تشغل الجمهور الإسرائيلي وهي قضية انهاء الحرب. هذا الحل يوجد أيضا في يد الدول العربية الأخرى التي تشارك في العمليات السياسية، اكثر من الولايات المتحدة، وبالتأكيد اكثر من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.
مصر، التي لم يقرر الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد هل يرد على المكالمة الهاتفية لنتنياهو، هي الساحة السياسية الأكثر نشاطاً التي تجري فيها محادثات الوساطة. يوجد للقاهرة دور في قضية “اليوم التالي”، التي سيتقرر فيها من الذي سيدير غزة وكيف. في الوقت نفسه السعودية وإيران يمكنهما تحديد كيفية إنهاء المواجهة المستمرة بين إسرائيل وحزب الله ومن سيكون الرئيس اللبناني القادم. في بغداد بدأت محادثات مع الولايات المتحدة حول سحب كل القوات الأميركية من الأراضي العراقية. هذا الطلب اصبح في واجهة الساحة السياسية في أعقاب الحرب في غزة. غزة نفسها التي منحت ايران مكانة دولة رئيسة في موضوع تأمين الملاحة في البحر الأحمر لأنها الدولة الراعية للحوثيين.
حسب صحيفة “العربي الجديد” الصادرة في لندن وفي دول عربية والتي اثبتت موثوقية مصادرها، فان المحادثات في مصر التي يشارك فيها بيرت ماكغورك، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط والممثل القطري، تجري في مسارين. فقطر هي “المسؤولة” عن صفقة المخطوفين وشروط تحقيقها، في حين أن مصر تنشغل في إدارة غزة في اليوم التالي للحرب. على الطاولة كان على الأقل حتى أمس اقتراح لوقف إطلاق النار لشهر، الذي يمكن تمديده لشهر آخر، مقابل إطلاق سراح تدريجي لمخطوفين إسرائيليين حسب الأعمار والوضع الصحي. الصحيفة تفسر أن اقتراحاً إسرائيلياً لنفي زعماء “حماس” من غزة ومن بينهم يحيى السنوار تمت إزاحته في هذه الأثناء عن الأجندة. حماس تشترط الآن أي تقدم في المفاوضات بتقديم ضمانات مهمة بأن لا تخرق إسرائيل وقف اطلاق النار. ومن غير الواضح في التقرير أي ضمانات سترضي حماس، واذا أعطيت هذه الضمانات فماذا سيكون الجدول الزمني للإفراج.
الواضح من الإجابات التي تعطيها حماس هو أنها تطمح في التوصل الى وقف شامل لإطلاق النار، مطلق وثابت، وهذا الأمر تعارضه في الوقت الحالي إسرائيل والولايات المتحدة. مسألة أخرى تتعلق بانتشار الجيش الإسرائيلي في القطاع عند وقف إطلاق النار. هل ستنسحب القوات من مراكز المدن وتنتشر على طول الحدود بين غزة وإسرائيل؟ هل ستنسحب بالكامل من القطاع وتعود الى العمل في داخله بعد وقف اطلاق النار؟ هل ستبقى ضمن الانتشار الحالي؟ وبأي حجم؟ هذه الأسئلة تحتاج ليس فقط برامج عملية يتم تنسيقها مع “حماس”، بل تحتاج أيضا سياسة واضحة في ما يتعلق بطبيعة السيطرة المدنية في غزة أثناء وقف إطلاق النار الطويل، وبعد ذلك أيضا في فترة التسوية بعيدة المدى.
حسب مصادر إسرائيلية مطلعة على هذه النقاشات ومصادر دبلوماسية اجنبية فإن الولايات المتحدة حصلت على موافقة السعودية واتحاد الإمارات على المساعدة في اعمار القطاع لكن بشرطين: هدوء امني، أي اتفاق على وقف ثابت لإطلاق النار ونقل السيطرة الى جهة فلسطينية مدنية متفق عليها، التي هي الآن غير قائمة. إسرائيل تعارض بشدة نقل السيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية. والولايات المتحدة تضغط على محمود عباس لإجراء إصلاحات في السلطة، لكنها لا توضح أي إصلاحات ستكون مرضية لها. في قيادة م.ت.ف يرون في الطلب الأميركي فرصة للقيام بعملية تعزيز شاملة لصفوف المنظمة. وهي عملية ستقلص كثيراً دور محمود عباس ومكانته وفي الوقت نفسه ستضم حماس في م.ت.ف الى جانب الجهاد الإسلامي وتنظيمات أخرى. هكذا تستطيع م.ت.ف القيام بشكل كامل وشرعي بدورها – الممثل الحصري للشعب الفلسطيني.
مصادر في فتح قالت للصحيفة إن النقاشات في هذا الموضوع تجري في الفترة الأخيرة مع ممثلي حماس الخارج. مع ذلك هم يعترفون بأنه لم يتم بعد تحقيق أي تقدم، وحسب رأيهم فان م.ت.ف من شأنها أن تقرر إجراء إصلاحات في بنيتها وطرح سلطة فلسطينية “مختلفة” وإبقاء الباب مفتوحاً أمام حماس. هذا مع المعرفة أن حماس لا تستطيع أن تكون جزءا من الجهة التنفيذية التي ستدير القطاع. “نحن سنضطر الى إيجاد بنية لم تكن موجودة حتى الآن”، قال احد الأعضاء في فتح. “م.ت.ف هي منظمة تعترف بإسرائيل وقد وقعت معها على اتفاقات، التي استناداً اليها تم تشكيل السلطة الفلسطينية”. وحسب قوله “من جهة نحن معنيون بأن نضم الينا حماس والتنظيمات الأخرى، لكن يبدو أننا سنضطر الى تشكيل جسم إداري آخر، فيه حماس اذا انضمت لـ م.ت.ف لا يمكن أن تكون شريكة. المعضلة مزدوجة، هل نعطي حماس حق “الفيتو” على العرض الأميركي لـ م.ت.ف فيما يتعلق بالسيطرة على كل أجزاء فلسطين، وفي المقابل، هل نتنازل عن فرصة التحول الى منظمة تمثل كل الشعب الفلسطيني؟ هذا على فرض أنه بسبب الشراكة مع حماس ربما لن نستطيع القيام بدور في إدارة القطاع وسنجد صعوبة في إدارة الضفة”.
هذه الأسئلة الحاسمة تبدو في هذه الاثناء نظرية إزاء الموقف الحاسم لإسرائيل، لكن يمكن أن تكون عملية عندما توضح الولايات المتحدة أي بنية تنظيمية فلسطينية ستكون مقبولة عليها، على فرض أنها ستستطيع فرض موقفها على إسرائيل. هذه الخطوة يمكن أن تكون اكثر سهولة اذا قدمت السعودية في تطبيعها مع إسرائيل واستخدمته كوسيلة للإقناع. هنا ينتظر مصر “دور حياتها” وهو أنه سيكون عليها، بمساعدة السعودية وبدعم أميركا، أن تربع الدائرة الفلسطينية بصورة ترضي إسرائيل. مصر استثمرت في السنوات الأخيرة الجهود الكثيرة من اجل تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية. وحتى أنها نجحت في 2017 في تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية التي شاركت فيها حماس وفتح. لكن خلال سنة تم حل هذه الحكومة ومنذ ذلك الحين كان الكثير من المحادثات التي لم تثمر أي شيء.
مرونة في الشمال
في الامتداد الشمالي للحرب في غزة، في لبنان، يتم في هذه الأيام بذلت جهود دبلوماسية كثيفة بقيادة “مجموعة الخمس دول”، السعودية ومصر وقطر وفرنسا والولايات المتحدة. هذه الدول تعمل على إنهاء الأزمة السياسية والتوصل الى تهدئة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية. هنا يظهر بشكل خاص دور السعودية وإيران اللتين تتعاونان بشكل غير مسبوق. أمس استضاف السفير السعودي في لبنان، وليد البخاري، في خيمته الفاخرة في حي اليرزة في بيروت سفراء “مجموعة الخمسة”. وقبل ذلك ببضعة أيام التقى مع السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني.
حسب تقرير في صحيفة “الإخبار” المقربة من حزب الله فقد تم طرح في النقاشات بين الطرفين أسماء مرشحين محتملين لمنصب الرئيس ورئاسة الحكومة. يبدو أن السعودية، التي حتى الآن وضعت شروطا قاسية كي تساعد لبنان على الخروج من الأزمة الاقتصادية – منها إبعاد حزب الله عن التشكيلة الحكومة وتجريده من سلاحه – مستعدة الآن لإظهار المرونة مقابل تتويج رئيس “لن يكون ضدها” ورئيس حكومة تستطيع العمل معه. التقارير في لبنان تعرض شرطاً آخر للسعودية يطالب بـ “هدوء أمني” مقابل المساعدات السعودية. هذا الهدوء يعني وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان وسحب قوات حزب الله من الحدود مع إسرائيل.
السؤال هو: هل التعاون العلني بين ايران والسعودية يمكن أن يملي على حزب الله قطع علاقته التي أقامها بين الحرب في غزة وبين مواجهته مع إسرائيل. حسن نصر الله في الخطاب الأخير قال إنه لن يكون أي وقف لاطلاق النار من ناحيته طالما استمرت الحرب في غزة. لكن في المرة السابقة التي تم فيها التوصل الى وقف قصير لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس في إطار صفقة المخطوفين، أيضا حزب الله أوقف إطلاق النار. السؤال الآن هو: هل الوقف الطويل للنار بين إسرائيل وحماس سيوقف النار أيضاً في الشمال، وهل في الفترة الزمنية التي سيتم فيها الحفاظ على وقف النار المزدوج، في غزة وفي لبنان، سيستطيع الوسطاء في لبنان التوصل الى اتفاق دائم. الاتفاق الذي سيشمل ليس فقط وقفاً لإطلاق النار، بل سحب كل قوات حزب الله ونشر الجيش اللبناني بدلا منه.
هذه العملية يمكن أن تقدم لحزب الله “السلّم الذي سينزل عليه عن شجرة غزة، كما كان عنوان مقال نشر في هذا الأسبوع في صحيفة “الجنوبية” اللبنانية. المكاسب الأساسية التي سيحققها حزب الله من ذلك هي انتهاء المطالبة بتجريده من سلاحه، الى جانب اعتراف السعودية بمكانته كشريك في المنظومة السياسية في لبنان. مكانة حزب الله لن تمس، في حين أنه سيكون للسعودية إنجاز سياسي مهم بعد سلسلة إخفاقات سياسية أضرت بصورة ولي العهد محمد بن سلمان. بالنسبة لإسرائيل فإنها ستضطر الى التقرير: هل وقف إطلاق النار الدائم الذي سيتم التوصل اليه بوساطة السعودية وإيران، الى جانب الدعم الأميركي، يشمل انسحاب قوات حزب الله، هو ضمانة كافية كي يستطيع السكان في منطقة الحدود مع لبنان العودة الى بيوتهم؟