هآرتس: مفاوضات صفقة التبادل عالقة، والضفة الغربية تشتعل وبن غفير على قائمة التهديدات
هآرتس 30/8/2024، عاموس هرئيل: مفاوضات صفقة التبادل عالقة، والضفة الغربية تشتعل وبن غفير على قائمة التهديدات
هذا كان اسبوع آخر للاخبار العاصفة، الذي فيه التقارير عن الحرب سيطرت في معظم ايامه على العناوين الرئيسية. ففي فجر يوم الاحد تم التشويش على هجوم الثأر لحزب الله، وبعد بضع ساعات تم رفع حالة الطواريء في مركز البلاد. في يوم الثلاثاء تم انقاذ مخطوف، فرحان القاضي من التجمع البدوي في رهط، الذي كان محتجز لدى حماس في نفق في جنوب قطاع غزة. في اليوم التالي تم انقاذ جثة لجندي مخطوف في منطقة اخرى في القطاع. في احداث مختلفة خلال الاسبوع قتل اربعة جنود من الجيش الاسرائيلي، ثلاثة في القطاع وجندي في الشمال. ولكن الاحداث الصعبة والعاصفة هذه لم تغير أي شيء في الصورة الاستراتيجية بعد أن تمت ازالة خطر التصعيد الاقليمي، الواضح والفوري، الذي كنا نتعرض له نتيجة الهجوم الذي خطط له حزب الله. القتال في لبنان وفي القطاع تواصل، المفاوضات حول صفقة التبادل عالقة رغم لقاءات طواقم العمل من قبل اسرائيل وحماس ودول الوساطة، ضائقة سكان الجليل وهضبة الجولان اشتدت فقط والضفة الغربية تقترب من نقطة الغليان.
مثلما في كل اسبوع يجب علينا التحذير من التنبؤات المتفائلة التي يصمم بعض المراسلين لسبب ما على شرائها من دول الوساطة، واحيانا يتم شراءها بشكل مباشر من المستوى السياسي في اسرائيل. الاتصالات التي تجري حول الصفقة تراوح في المكان لأن عقدها الآن لا يتساوق مع مصالح الاطراف، سواء رئيس حماس يحيى السنوار أو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ومن يكتبون مرة تلو الاخرى عن تقدم المفاوضات يقعون في أسر التفاصيل المايكروتكتيكية ويتجاهلون صورة الوضع الاستراتيجي.
الخطوط العامة تقول بأن حماس قامت بتنفيذ الهجوم الارهابي في 7 اكتوبر لتحقيق هدفين رئيسيين وهما اعادة القضية الفلسطينية على رأس جدول الاعمال الدولي (بواسطة النضال المسلح ضد اسرائيل) والتشويش على التحالف الامريكي – السني في المنطقة الذي كانت الولايات المتحدة تنوي ضم اسرائيل اليه من خلال اتفاق التطبيع المخطط له مع السعودية. حماس ارادت احتلال فرقة غزة والاحتفاظ بالمنطقة الى أن يتم طردها، وبعد ذلك الانسحاب مع عشرات المخطوفين. العملية نجحت اكثر مما هو متوقع كما يبدو بسبب اخفاق الاستخبارات والاستعدادات الدفاعية الضعيفة للجيش الاسرائيلي؛ المهاجمون عادوا الى القطاع ومعهم اكثر من 250 مخطوف.
في صفقة التبادل الاولى، التي انطلقت في بداية تشرين الثاني، ارادت حماس التخلص من “الذخر” الذي اصبح عبئا عليها، 100 امرأة وفتى وطفل، الذين اثار اختطافهم انتقاد دولي كبير لها، اضافة الى توثيق اعمال القتل في البلدات وفي حفلة “نوفا”. حماس وافقت على اطلاق سراحهم مقابل شيء ليست له أي قيمة بالنسبة لها (300 من السجناء الفلسطينيين الذين يعتبرون في معظمهم سجناء عاديين)، لأنها كانت على قناعة بأنها نجحت في دفع اسرائيل الى الفوضى: المفاوضات ستستمر وسيتم التوصل الى صفقة اخرى حسب شروط افضل، وفي هذه الاثناء الحرب ستتوقف والجيش لن يستمر في احتلال جنوب القطاع (في نفس المرحلة تم احتلال شمال القطاع فقط). عمليا، المفاوضات تفجرت عندما حاولت حماس في اليوم الاخير للصفقة الاولى الانحراف عن الشروط. اسرائيل استأنفت القتال في بداية كانون الاول والجيش الاسرائيلي هاجم بريا خانيونس، وبعد ذلك في شهر أيار قام بمهاجمة رفح بريا.
عندما تم استئناف المفاوضات عرضت حماس ثلاثة طلبات رئيسية بترتيب: انهاء الحرب وانسحاب الجيش الاسرائيلي بالكامل وتحرير آلاف السجناء الفلسطينيين. حماس اظهرت بالتدريج هامش مرونة معين في صياغة الاتفاق وفي هامش المسائل الرئيسية. ووافقت على أن تجري الصفقة على مراحل وكذلك انسحاب الجيش الاسرائيلي. ولكن المفاوضات لم يتم استكمالها خلال نصف سنة. بعد ذلك، بعد موافقة نتنياهو، كما يبدو لفترة قصيرة، على الاستجابة لاقتراح الوساطة الامريكي (بعد ذلك تراجع) كانت حماس هي التي تشددت في مواقفها.
بتوصية من دول الوساطة، طواقم المفاوضات تناقش الآن ايضا تفاصيل اطلاق سراح السجناء – نسبة عدد المطلق سراحهم (عدد السجناء مقابل كل مخطوف)، هوية من سيتم اطلاق سراحهم وقدرة اسرائيل على فرض الفيتو على بعض الاسماء. عمليا، هذه خدعة تجري بناء على طلب من الامريكيين المعنيين بالحفاظ على انطباع متفائل حول التقدم بدون أي صلة بما يحدث في الواقع. يبدو أن حماس لا تنوي اظهار مرونة اكبر لأنها تدير معركة بقاء، وبالنسبة لها فانه محظور عليها منح اسرائيل القدرة على فصلها عن جهاز الاوكسجين الخارجي. في حين أنه لا يوجد لنتنياهو أي نية للتنازل كجزء من الجهود المبذولة للحفاظ على بقاء حكمه.
لذلك، في كل مرة يبدو فيها أنه يوجد تقدم، رئيس الحكومة يهتم بأن يبث لحماس بأنه لا يوجد وبحق ما يمكن التحدث حوله. اسرائيل ستستأنف القتال بعد استكمال الجزء الانساني في الصفقة، الذي فيه سيتم اطلاق سراح النساء وكبار السن والمرضى، والجيش الاسرائيلي لن ينسحب من ممر نتساريم في وسط القطاع ومن محور فيلادلفيا على الحدود بين القطاع ومصر. يارون ابراهام قال أول أمس في “اخبار 12” بأن نتنياهو فحص عقد جلسة خاصة للحكومة في ناقلة جنود (!) في محور فيلادلفيا، وهو المكان الذي خصص له التفكير والعمل المحدود جدا في الـ 15 سنة الاخيرة. رئيس الشباك، رونين بار، فرض الفيتو على هذه الفكرة لاعتبارات امنية، وربما هذا كان الهدف مسبقا.
الشركاء من اليمين في الائتلاف اكثر تصلبا من رئيس الحكومة. وزيرا الصهيونية الدينية وقوة يهودية يوضحون في كل مناسبة بأنهم سيعارضون اطلاق سراح سجناء فلسطينيين بشكل جماعي، بينهم الكثير من القتلة (حماس تطلب الآن اطلاق سراح حوالي 200 سجين مقابل كل مخطوف عمره اقل من 50 سنة). عندما تتحدث منتديات آباء المخطوفين ومنتديات الآباء الثكالى من اليمين مثل “البطولة والامل”، عن تحرير “الجميع مقابل الجميع” في صفقة تنفذ لمرة واحدة، هم يعرفون أن هذا الامر ليست له أي فرصة للتحقق لأنه يعني اطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين.
كل ذلك يحدث على خلفية التصعيد الواضح في الضفة الغربية. فبعد محاولة تنفيذ العملية الانتحارية الفاشلة في تل ابيب في منتصف الشهر، دعا في هذا الاسبوع خالد مشعل، أحد قادة حماس الكبار، نشطاء المنظمة في الضفة الى استئناف زخم العمليات الانتحارية، وهو النموذج الذي امتنعت حماس عنه تماما خلال الـ 15 سنة الاخيرة. ومثلما في موضوع الحرم فانه لا يوجد هنا خضوع قسري من قبل رئيس الحكومة لحلفائه المتطرفين. نتنياهو يفشل بدقة كبيرة أي محاولة للتقدم. في هذا يوجد له شريك في الطرف الآخر، السنوار الذي يعمل لاعتباراته الخاصة. في هذه الاثناء نتنياهو يبدو كمن يهتم بالحرب الابدية، وهو يأمل فوز ترامب في الانتخابات الامريكية في تشرين الثاني القادم، ويأمل وجود ذريعة تمكنه من تأجيل تقديم شهادته في المحكمة في كانون الثاني، وعيونه تشخص الى الانتخابات للكنيست التي يفضل اجراءها في موعدها الاصلي، أي تشرين الثاني 2026. حتى ذلك الحين سيستخدم كل مناورة تأجيل تبقيه في الحكم، وسيفشل الخطط للتحقيق في اخفاقات الحرب بواسطة لجنة تحقيق رسمية. ايضا الصراع السياسي المتجدد على هوية رئيس المحكمة العليا، المخول بتحديد تشكيلة هذه اللجنة يتعلق بهذا الامر.
في الطريق الى الانتخابات بعد سنتين تقريبا نتنياهو معني بالحفاظ على نار الحرب مشتعلة في غزة. في الوقت الحالي يبدو أنه يفضل الامتناع عن تصعيد كبير مع ايران وحزب الله في الشمال. في كل ما يتعلق بالمخطوفين ما زال ساري المفعول ما حاول قوله في حينه حول التحقيقات الجنائية ضده: لن يكون هناك أي شيء لأنه لا يوجد أي شيء. اذا كانت هناك اداة ضغط على نتننياهو فهي توجد لدى الادارة الامريكية التي تحذر حتى الآن في الاتصالات مع اسرائيل. الرئيس الامريكي جو بايدن لا يريد احباط لنائبته كمالا هاريس السباق نحو الرئاسة، ويبدو أنه يخشى من تصادم مباشر بين واشنطن والقدس، الذي يمكن أن يسرع الحرب الاقليمية بين اسرائيل وبين المحور الشيعي، التي ستؤثر بالسلب على اسعار النفط. ولكن في تشرين الثاني ستبدأ لعبة جديدة، سواء فازت هاريس أو ترامب فانه سيبقى لبايدن شهرين ونصف كي يفعل فيها، بقدر معين، ما يريده.
هذه ستكون الفترة التي فيها يمكن للادارة الديمقراطية أن تقرر هل ستصعد خطواتها، من عقوبات ضد الوزيرين ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وحتى التهديد بعدم فرض الفيتو على قرارات مناوئة لاسرائيل في مجلس الامن. العقوبات التي تم التحدث عنها في هذا الاسبوع ضد المستوطنين المتطرفين فقط تلامس هامش الاحتمالية الحقيقية للادارة الامريكية.
مجموعة التمرد 2
حقيقة أن الحرب مستمرة والمفاوضات عالقة، لا تعني أن الوضع الاقليمي مستقر. حتى الآن هناك مكان ننحدر اليه. من يحرص على القاء طوال الوقت المزيد من القش في النار هو وزير الامن الوطني. التحريض هو مهنته: يصعب التقرير أين يتسبب بن غفير بضرر اكبر. في سيطرته الوحشية على الشرطة التي تم استكمالها عند تعيين المفتش العام الجديد بالضبط بالحجم المناسب أو بالجهد المستمر لاشعال الحرب، بصورة يمكن أن تؤثر على الفور على القدس والضفة الغربية وكل العالم الاسلامي.
ليس عبثا أن ارسل مؤخرا رونين بار رسالة شديدة حذر فيها من خطوات الوزير. بن غفير يملي ما يحدث في الحرم بواسطة سيطرته على قيادة الشرطة في لواء القدس، التي تسعى لتلائم طموحاته. في كل اللقاءات الاخيرة بين بار وجهات اخرى في جهاز الامن وبين رؤساء ورجال امن في دول عربية صديقة، طلب الاخيرون من المستضيفين فتح نقاش للحصول على تفسيرات من اسرائيل حول خطوات بن غفير في الحرم.
في جهاز الامن ينظرون بقلق الى الاعيب الوزير الاخيرة، الذي يعتبر نفسه عضو سابق في كاخ، ويركزون على الشبه بينها وبين بيان “زمرة التمرد”، مجموعة اليمين المتطرف برئاسة مئير اتنغر، حفيد مئير كهانا، التي اعضاء فيها تم ارسالهم الى الاعتقال الاداري في 2015. نشاطات اعضاء المجموعة تم الكشف عنها على خلفية التحقيق في قتل ابناء عائلة دوابشة في قرية دوما. في هذا الاسبوع كتب يهوشع براينر في “هآرتس” بأن اتباع بن غفير في قيادة وزارته وفي قيادة مصلحة السجون زاروا في السجن القاتل من دوما، عميرام بن اولئيل (أمس تمت معرفة أن الشباك وافق على تخفيف ظروف حبسه: سيتم نقله من القسم المحمي الى القسم العادي.
قبل عقد ناقش اعضاء التمرد خطة لاسقاط النظام في اسرائيل. في الوثيقة التي قاموا بصياغتها كتب: “يوجد في دولة اسرائيل نقاط ضعف كثيرة. المواضيع التي نسير فيها على طرف الاصابع كي لا نثير الفوضى. ما نقوم بفعله هو ببساطة اشعال هذه البراميل المتفجرة دون الخوف من النتائج”. احد توجهات العمل الرئيسية يتناول الحرم – الاحتكاك المتعمد مع المصلين المسلمين، تشويش الصلاة في الحرم، اقتحام وتحصن اليهود قرب المساجد ومواجهات مع الشرطة. على الاقل النقطة الاخيرة اصبحت لا حاجة اليها. فالشرطة الآن توجد تحت سيطرة احد اتباع كهانا بشكل كامل (سابقا).
في زياراته المستمرة في الحرم وفي تصريحاته الاستفزازية فان بن غفير يقوم بتصعيد التوتر هناك. يجدر التذكر بأن اطلاق الصواريخ نحو القدس في عملية “حارس الاسوار” في 2021 وفي الهجوم الارهابي في تشرين الاول الماضي، حماس عملت ايضا على خلفية خوف الفلسطينيين من خطوات لا يمكن التراجع عنها، التي ستسمح بها حكومات نتنياهو في الحرم بضغط من اليمين المتطرف. نتنياهو يتساذج عندما يقوم بتوبيخ بشكل خفيف وزير الامن الوطني ويطلب منه ضبط النفس. عمليا، يبدو أن الخطوات منسقة تماما. ومثلما امام وزير العدل ياريف لفين في مسألة الانقلاب النظامي، فان نتنياهو يسمح لبن غفير في السير الى الامام في الوقت الذي يحافظ فيه على مسافة آمنة منه من اجل ابقاء هامش انكار لنفسه. وزراء اليمين المتطرف يعملون ظاهريا بشكل مستقل كي لا يورط رئيس الحكومة نفسه. هكذا كان الامر ايضا عندما قام بن غفير باقتحام الحرم في 9 آب (العبري) وبعد ذلك تبين أن العملية تم تنسيقها مسبقا مع سكرتير الحكومة يوسي فوكس.
ليس فقط بن غفير هو الذي يتصرف وكأن 7 اكتوبر لم يحدث أبدا، بل لفين ايضا عاد بكامل قوته للدفع قدما بقوانين الانقلاب. الاحزاب الحريدية تفعل كل ما في استطاعتها للتشويش حتى على تجنيد قليل للشباب في اوساط ناخبيها في الوقت الذي لا تحاول فيه الحكومة تقديم أي حل، رغم قرارات حكم المحكمة العليا. في حين أن الوزيرة ميري ريغف تستمر في تنظيم احتفال الذكرى السنوية الاولى لكارثة 7 اكتوبر، الذي له هدفين واضحين، السماح لنتنياهو بالسيطرة على الرواية الوطنية حول المذبحة (هكذا القاء المسؤولية عن الاخفاقات على الجميع باستثناء نفسه)، والتشديد مجددا على الشرخ القديم بين المعسكرات في اسرائيل – اوفكيم ضد نير عوز.
في بعض الحالات مكتب نتنياهو لم يصدر أي بيان مشاركة في الحزن. وتوقعاتنا كمواطنين متدنية اصلا، لكن تولد الانطباع بالتدريج أنهم في الحكومة يحاولون تأسيس هنا ديكتاتورية على مراحل، فيها نظام الحكم يمكنه أن يفعل كل ما يخطر بباله (على عائق الانتخابات الحرة والمتساوية سيتغلبون فيما بعد).