ترجمات عبرية

هآرتس: معضـلة الولايـات المتحــدة العسـيرة مـا بـعـد الصفـقــة

هآرتس 2023-11-24، بقلم: ألون بنكاس: معضـلة الولايـات المتحــدة العسـيرة مـا بـعـد الصفـقــة

حتى الآن من السابق لأوانه التقدير إذا كان 7 تشرين الأول يعتبر بالنسبة للولايات المتحدة حدثاً استراتيجياً مؤسساً، حركة تكتونية إقليمية وانعطافة تحتاج إلى حسم سياسي وتغيير في سلم الأولويات. ولكن ليس من السابق لأوانه الاستنتاج بأن الولايات المتحدة لا تعتبر الحرب في غزة جولة محلية أخرى، حتى لو كانت عنيفة ومأساوية أكثر من سابقاتها.
حتى 6 تشرين الأول كانت الولايات المتحدة في مسار انفصال متعمد ومخطط له عن الشرق الأوسط.
هذه عملية تدريجية منذ ثلاثين سنة، وهي ترتكز على أربعة أركان استراتيجية تطورت: انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان صده هو المصلحة العليا للولايات المتحدة منذ العام 1945، استقلال من ناحية الطاقة، أي غياب الاعتماد على النفط الذي مصدره الشرق الأوسط، التعب، نزيف زائد وخيبة أمل سياسية من التدخل العسكري الطويل في المنطقة مثلما في أفغانستان والعراق، ونسخ استراتيجي لبؤرة ومصلحة الدولة العظمى الأميركية بكل تداعياتها السياسية والعسكرية إلى منطقة المحيط الهندي – الهادئ، أي التحدي الذي تراه الولايات المتحدة بزيادة القوة واستعراض العضلات الاقتصادية والجيو سياسية للصين.
إذا أضيف إلى ذلك خيبة الأمل والملل من الانشغال بالقضية الإسرائيلية – الفلسطينية والقبول الفعلي بإيران كدولة عتبة نووية، فإن الشرق الأوسط كف عن كونه بؤرة مصالح حيوية بالنسبة للولايات المتحدة.
الهدف الوحيد الذي بقي هو الحفاظ على الاستقرار. في 7 تشرين الأول تم تقويض هذا الاستقرار من الأساس. ومن وجهة نظر واضعي السياسة الخارجية الأميركية فإن المعاني الكامنة أوسع بكثير من حرب في غزة.
في 7 تشرين الأول أصبحت غزة نقطة على الخارطة المرتبطة بإيران والتنظيمات الإرهابية والفوضى التي تعمل من قبلها وبتوكيل منها، والمرتبطة بروسيا أيضاً.
الأميركيون شخصوا محوراً متجانساً مناهضاً لأميركا ويهدد مصالحها في أوكرانيا، وينشر السلاح النووي والإرهاب الذي يقوض الاستقرار.
الخطوط الرئيسة الدقيقة لم يتم رسمها بعد، لكن بالنسبة للولايات المتحدة فإن هجوم حماس أشار إلى محورين متناقضين: «محور المقاومة/ الإرهاب» الذي يشمل إيران وسورية وحزب الله وحماس والحوثيين في اليمن وروسيا» ومقابله «محور الاستقرار» الذي يشمل الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية واتحاد الإمارات والبحرين والأردن ومصر والسلطة الفلسطينية وعدد من دول الناتو (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا واليونان بالأساس).
في الوقت الذي فيه المحور الأول هو محور متجانس فإن الهدف السياسي الأساسي للولايات المتحدة هو بلورة المحور المقابل.
على هذه الخلفية يجب فحص المعضلات الأميركية حول صفقة المخطوفين ووقف إطلاق النار الذي يرافقها. كما يبدو فإن صفقة المخطوفين وإلى جانبها وقف إطلاق النار، حتى لو كان محدوداً زمنياً، هي إنجاز بالنسبة للولايات المتحدة.
إذا صمد وقف إطلاق النار فقط لأربعة أيام، كما تم الاتفاق عليه، فإنه من الناحية السياسية الولايات المتحدة لم تنجز أي شيء.
إذا تطورت بعده نماذج لوقف إطلاق نار مرتبط بالمفاوضات فإن المعنى الجيوسياسي هو التعادل – أي غياب انتصار سياسي وعسكري إسرائيلي واضح (في هذه الأثناء الصفقة تم تأجيلها ليوم على الأقل، لكن الطرفين يوضحان أن الخطة تتقدم بالاتجاه الصحيح).
الولايات المتحدة تتحدث عن عدم جدوى العودة إلى «الوضع الراهن السابق»، أي إلى واقع 6 تشرين الأول. ولكن بالتأكيد هي تدرك أن سلسلة وقف إطلاق النار تعني بالضبط العودة إلى الوضع السياسي القائم حتى لو أن إسرائيل قامت بالمس بشكل كبير بقدرات حماس العسكرية.
الوضع أكثر تعقيداً، وهذا الإنجار هو إنجاز تكتيكي فقط. بعد أربعة أو خمسة أيام ستقف الولايات المتحدة أمام نفس المعضلات والإحباط من الشهر ونصف الشهر الأخيرين.
الرئيس الأميركي، جو بايدن، وأعضاء الإدارة الأميركية يدفعون ويضغطون منذ خمسة أسابيع من أجل عقد مثل هذه الصفقة.
ومن الواضح للولايات المتحدة الفجوة الموجودة بين إسرائيل وحماس في كل ما يتعلق بتعريف مفهوم «الانتصار».
في الوقت الذي فيه الانتصار من ناحية إسرائيل يعني تدمير حماس أو القضاء عليها فإنه من ناحية حماس الانتصار يعني القدرة على الوقوف على الأرجل والتلويح بالعلم وإجراء مفاوضات طويلة، حقيقية أو وحشية وكاذبة، حول المخطوفين الذين لن يتم إطلاق سراحهم في هذه المرة.
وقف إطلاق النار في إطار صفقة لإعادة المخطوفين بين إسرائيل وحماس يسلط الضوء على تناقض كبير في السياسة الأميركية، ويضع أمامها عدة معضلات سياسية واستراتيجية.
أولاً، الولايات المتحدة هي التي دفعت، أكثر من إسرائيل بكثير، إلى عقد صفقة بخصوص المخطوفين مع حماس، رغم أنه بشكل علني الولايات المتحدة عارضت «وقفاً شاملاً لإطلاق النار» بذريعة أن أي وقف لإطلاق النار سيبقي لحماس قدرة عسكرية وسلطوية غير مقبولة، وطلبت فقط «هدناً إنسانية».
الولايات المتحدة هي التي دفعت وهي التي ستجد صعوبة في تبرير استئناف القتال إذا كانت أمامها إمكانية لصفقة أخرى.
ثانياً، قضية التصعيد. منذ بداية الحرب حددت الولايات المتحدة هدفها الاستراتيجي الأول وهو منع التصعيد أفقياً، أي توسيع الحرب إلى مواجهة مباشرة وكاملة بين إسرائيل وحزب الله وإيران من خلفه.
بالنسبة لها وقف إطلاق النار لا يعتبر تحقيقاً لهذا الهدف لأن خطر التصعيد لم ينتهِ.
أيضاً استئناف الحرب بعد أربعة أو خمسة أيام، حيث الهدف واضح والولايات المتحدة تؤيد ذلك، يمكن أن يزيد الإمكانية الكامنة في التصعيد؛ لأنها ستعتبر شريكة كاملة.
هذا الدعم سيزيد الضغوط السياسية على الرئيس الأميركي، سواء من قبل حلفائه في العالم العربي وأوروبا وآسيا أو من قبل حلفائه في الداخل.
في هذا الوضع فإن سؤال «ما هو الهدف؟» سيطرح بشكل انتقادي وبعدم ثقة للولايات المتحدة أيضاً وليس فقط لإسرائيل.
استئناف الحرب بصورة مصطنعة بعد 96 ساعة سيكون من ناحية حزب الله وإيران الدليل الواضح على أن الولايات المتحدة هي شريكة كاملة في التصفية العسكرية والسياسية الشاملة لحماس، ما سيدفع إلى التصعيد وسيندمج في سياسة الهجمات المضادة للولايات المتحدة ضد المليشيات والتنظيمات التابعة لإيران في سورية وفي العراق في الأيام الأخيرة.
ثانياً، إذا عارضت الولايات المتحدة استئناف الحرب فكيف سيتساوق ذلك مع رؤيتها بأنه لا يمكن استمرار حكم حماس في غزة؟.
ثالثا، إذا حاولت الولايات المتحدة بلورة محور استقرار فكيف ستتمكن من مواصلة دعم إسرائيل أمام مصر والأردن والسعودية؟.
إضافة إلى ذلك كيف ستتصرف الولايات المتحدة في قضية «اليوم التالي» وكيف ستلائم موقفها الذي يقول إنه يجب على إسرائيل عدم احتلال قطاع غزة مع رفض إسرائيل لفحص أي دور سلطوي للسلطة الفلسطينية في القطاع.
المعضلة الأساسية أمام أميركا تتعلق في الحقيقة بمجرد الحرب في القطاع، التي يجب عليها الاختيار بين استمرار القتال – المطلوب من أجل إبعاد حماس عن أي قدرة سلطوية – وبين زيادة احتمالية التصعيد الذي يمكن أن يورط الولايات المتحدة بشكل مباشر.
لكن المعضلة الاستراتيجية تتعلق بـ «اليوم التالي» وبلورة «محور الاستقرار» هذا.
في هذه المرحلة فإن وقف القتال أو استئنافه ومعانيه بشأن استمرار التواجد العسكري في غزة، لا تساهم في الوضوح واحتمالات مناورة الولايات المتحدة ضئيلة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى