هآرتس: “معادلة الردود” لا تزال سارية المفعول والقرار بالغائها متعلق بإسرائيل
هآرتس 20/9/2024، تسفي برئيل: “معادلة الردود” لا تزال سارية المفعول والقرار بالغائها متعلق بإسرائيل
“أنا لم أشاهد أمور قاسية كهذه طوال حياتي”، هذا ما قاله طبيب في مستشفى في بيروت لوكالة الانباء الفرنسية بعد هجوم تفجيرات اجهزة اتصال البيجر لرجال حزب الله في هذا الاسبوع. “تم احضار اشخاص مبتوري الارجل، 75 في المئة تقريبا اصيبوا في عيونهم، من بينهم 15 في المئة فقدوا كلتا العينين، اصابع بترت، اعضاء داخلية اصيبت ولا يوجد لدينا ما يكفي من المعدات ومواد التخدير لمعالجة الجميع”.
قبل شهر تقريبا قال وزير الصحة في لبنان، فراس الابيض، بأن مخزون الادوية في المستشفيات يكفي لاربعة اشهر تقريبا. “لبنان مستعد للحرب”، اراد الوزير تهدئة الجمهور. ولكن في نفس الشهر احتاج لبنان الى ارسالية طواريء وزنها 32 طن من المعدات والادوية من منظمة الصحة العالمية التي كانت مخصصة للمستشفيات، لكن تم نقلها في معظمها الى العيادات في جنوب لبنان. نتائج ايام الهجمات الالكترونية في لبنان المنسوبة لاسرائيل والتي اصيب فيها تقريبا 5 آلاف شخص وقتل 30 شخص، تدل على أن لبنان بعيد عن أن يكون مستعد لحرب كاملة. ليس فقط المعدات والادوية هي التي تنقص الرفوف في المستشفيات، حوالي 30 في المئة من الطواقم الطبية تركت العمل في السنوات الاخيرة بسبب الصعوبة في كسب الرزق من هذه المهنة.
الاصابات التي الحقها هجوم اجهزة البيجر واجهزة الاتصال استهدفت في الحقيقة رجال حزب الله، لكن الضرر البيئي اصاب آلاف المواطنين (الذين ليست لهم علاقة)، سواء كانوا من المواطنين الذي وقفوا قرب الاجهزة التي تفجرت، أو أنهم كانوا مرضى تم تسريحهم قبل فترة من المستشفيات أو اضطروا الى تأجيل العمليات الجراحية لهم من اجل اخلاء مكانهم للمصابين الجدد. “هذه صدمة وطنية”، كتبت الصحافية اللبنانية دنيس عطا الله. “مذبحة أمس تثير في اوساط بعض اللبنانيين سؤال ما هي جدوى هذه الحرب، وهل الدولة يمكنها تحمل العبء الكبير لها. بالنسبة لمواطنين كثيرين الحرب في غزة لا تمس بهم، رغم التعاطف الذي يظهرونه تجاه القضية الفلسطينية. بالنسبة لهم هذا تعبير عن السلوك المتعالي لحزب الله وعن قدرته على فرض على اللبنانيين ما يشاء، دون الاخذ في الحسبان مصلحة الدولة ومواطنيها”.
هذا لا يعتبر تصريح استثنائي، بل هو يضاف الى تصريحات اكثر شدة سمعت في الاشهر الاخيرة تجاه حزب الله، الذي ردا على ذلك قام بتسمية منتقديه “خونة في الداخل” و”صهاينة لبنانيون”. ولكن هذا الانتقاد لم يوجد حركة شعبية أو احتجاج كبير ضد حزب الله، وفي الايام الاخيرة يبدو حتى أن الهجمات الجماعية على اجهزة الاتصال على انواعها أثارت ردود تضامن وتعاطف مع المصابين، وكانت هناك تصريحات طالبت بـ “الوحدة الوطنية” امام الهجوم الذي اعتبر ضربة شديدة لكل لبنان وليس فقط لحزب الله، واقوال تقول بأنه اذا اندلعت حرب فانها تلزمنا بتجنيد كل مواطني لبنان للدفاع عن الوطن. حسن نصر الله يدرك بشكل جيد صعوبات الدولة في مواجهة هجمات كثيرة الاصابات. في خطابه أمس شكر الطواقم الطبية والمستشفيات على الاسهام الكبير، وشكر ايران وسوريا على أنها فتحت المستشفيات فيها للمصابين، وشكر العراق على الارسالية السريعة للمعدات والادوية. ولكنه اراد التوضيح ايضا بأن “الضربة الشديدة وغير المسبوقة” التي تعرض لها لبنان، حسب تعبيره، لن تغير سياسة الحزب، رغم أن الهجوم “اجتاز جميع الخطوط الحمراء”.
محللون لبنانيون سارعوا اول امس لوصف “هجوم البيجرات” المنسوب لاسرائيل كهجوم حطم “معادلة الردود”، حسب المحلل منير الربيع في موقع المعارضة “المدن” الذي قال بأن “حزب الله موجود الآن بين الفخ والكارثة”، الشرك هو الدخول الى حرب ستضعضع الاستراتيجية التي توجه خصائص مشاركة الحزب في الحرب في غزة، التي اساسها “دعم” غزة بدون الانجرار الى حرب شاملة. و”الكارثة” هي النتائج التي يمكن أن يلحقها الحزب لنفسه ولكل لبنان. حسب هذا التحليل فانه من الآن فصاعدا لم يعد الامر يتعلق باطلاق النار مقابل اطلاق النار، وعمق الاهداف مقابل عمق الاهداف، والمس المتبادل بالمدنيين أو الامتناع عنه، وايضا بجهود القيام بالتصفيات المركزة.
حسن نصر الله رفض أمس هذا التحليل، ليس فقط أنه اعترف بأنه لا يوجد لدى حزب الله قدرة تكنولوجية على القيام برد يناسبة طبيعة هجوم اسرائيل، بل هو امتنع ايضا عن اعطاء أي تفاصيل حول “متى وأين وكيف” سيكون الرد على الهجوم. واكتفى بوعد ضبابي بأن هذا الرد “سيأتي”. ولكن من اقواله يمكن الفهم بأنه لا ينوي شن حرب شاملة، ضمن امور اخرى، لأن هذه الحرب لا تتعلق فقط بحزب الله، وهي ستضطر ايران الى أن توفر للمنظمة “غطاء دفاع” يشمل الدعم العسكري المباشر وليس فقط البلاغي أو اللوجستي. هذا الوضع عملت ايران على تجنبه، ومن اجله قامت ببناء وتطوير “حلقة النار”، كي يكون مبعوثوها هم الذين يوفرون النار ويتلقون النار بدلا منها في كل ساحة من الساحات المحلية. صواريخها ومسيراتها تحتفظ بها فقط للوضع الذي ستتم مهاجمتها فيه بشكل مباشر.
من هنا فان استمرار تمسك حزب الله وايران بـ “معادلة الردود” ينقل الى اسرائيل القرار هل ومتى سيتم اشعال الحرب؛ ازاء سلوك حزب الله فان اسرائيل هي التي يجب عليها ايضا مواجهة الشرعية الدولية والداخلية من اجل تبرير هذه الحرب طالما أن حزب الله لا يقدم أي ذريعة جوهرية لشنها. مع ذلك، غياب الرد من قبل حزب الله ينعكس ليس فقط على مكانة المنظمة المعطوبة، بل ايضا على امتدادات ايران الاخرى، وبالاساس على ايران نفسها. لأنه اذا كان حزب الله حتى الآن هو المنسق والمخطط لوكلاء ايران والذي يتولى مكانة “القائد الاعلى” الذي لا تقل مكانته عن قائد “قوة القدس” اسماعيل قاءاني في كل ما يتعلق بـ “جبهة الدعم” لحماس، فان المواجهة الواسعة مع اسرائيل لا تعني فقط انهيار الاستراتيجية التي قامت بتأسيس هذه الجبهة.
مقابل تحالف حربي استهدف فقط دعم حماس من اجل اجبار اسرائيل على الموافقة على وقف الحرب في غزة، فان الحرب الشاملة يمكن أن تتسبب في تمزق “عقد المجوهرات” وفصل غزة وتركيز المعركة في لبنان وخارجه. هذه ستكون حرب نهايتها لم تعد مرهونة بوقف الحرب في غزة، بل بالظروف التي ستتطور في الساحة اللبنانية وفي كل المنطقة. ولكن هذه ليست معضلة حزب الله أو ايران، لأنه في المقابل اسرائيل يمكن أن تجد نفسها في وضع ستحتاج فيه الى تفوقها العسكري لمواجهة الضغط الامريكي ومواجهة خطوات دولية اخرى ستمارس ضدها، من بينها حظر السلاح أو عقوبات ستفرض عليها من قبل مجلس الامن.
حزب الله، مثل اسرائيل، دخل الى الحرب في غزة بدون استراتيجية لـ “اليوم التالي”. ولكن خلافا لاسرائيل التي وضعت لنفسها اهداف، تدمير حماس وابعاد التهديد من القطاع واعادة المخطوفين وفي هذا الاسبوع اضافت هدف “اعادة بأمان” سكان الشمال الى بيوتهم، فان حسن نصر الله يطمح الى تحقيق هدف واحد فقط وهو وقف الحرب في قطاع غزة، حتى ذلك بالشروط التي يتم الاتفاق عليها بين اسرائيل وحماس، بدون تدخل حزب الله أو ايران. مع هذا التعريف لهدف الحرب فان حزب الله غير مطلوب منه أن يقوم بـ “تعديل استراتيجي”.
حسن نصر الله يمكنه الافتراض بأن “اليوم التالي” سيكون مثل “اليوم السابق”، الذي فيه تم الحفاظ على ميزان الردع والتهديد المتبادل بينه وبين اسرائيل. هذا المبدأ اوضحه حسن نصر الله بشكل جيد في خطابه عندما تعهد بعدم ترك “جبهة المساندة” رغم الرسائل “الرسمية وغير الرسمية” التي وصلت اليه، والتي بحسبها اذا اوقف النار ضد اسرائيل، واذا فصل لبنان عن غزة، فسيتم منع شن حرب شاملة ضده. حسن نصر الله كان واضح وحازم عندما قال: “ردنا هو باسم الشهداء والمصابين، جبهة لبنان لن تتوقف الى أن يتوقف العدوان على غزة، ولتكن ما تكون التضحية والنتائج والأفق”.
باستثناء هذا التعهد فان حسن نصر الله لم يتعهد بأي شيء. أي دبلوماسية أو أي خطة سياسية، مثل تطبيق القرار 1701 والترسيم النهائي المتفق عليه للحدود البرية بين اسرائيل ولبنان أو ابعاد قوات حزب الله الى ما وراء الليطاني – كل ذلك ستتم مناقشته، هذا اذا تمت، بعد الحرب في غزة، ولا يمكن أن تظهر في شروط وقف اطلاق النار في لبنان. اسرائيل هي المطلوب منها وضع استراتيجية لليوم التالي، ليس فقط في غزة بل ايضا في لبنان، استراتيجية تقوم بصياغة مفهوم “اعادة بأمان” سكان الجليل الى بيوتهم. لأنه مقابل طموحاتها في غزة وامام حماس هي لم تعتبر “تدمير البنى التحتية للارهاب” في لبنان وتدمير حزب الله أو حتى نزع سلاحه كأهداف للحرب. في لبنان تتحدث عن ابعاد التهديد التكتيكي، لكنها لا تتحدث عن تدمير الصواريخ بعيدة المدى أو المسيرات، وحتى عن ابعاد حزب الله عن الساحة السياسية، أي اخراجه من الحكومة ومن البرلمان ونزع سيطرته المدنية في الدولة.
هذا يعني بأن اسرائيل تلائم حجم طموحاتها مع الوضع في لبنان، وبناء على ذلك فهي تحدد جوهر التهديد الذي ستضطر الى مواصلة التعايش معه، وهو تهديد ربما يقنع سكان الجليل بالعودة الى بيوتهم والشعور بالأمان، هذا على فرض أن اسرائيل لا تنوي احداث واقع جديد يجبرها على احياء خطة “اورانيم الكبيرة” أو حتى خطة “اورانيم الصغيرة”، واعادة منطقة الحزام الامني.
حسن نصر الله تقريبا قام بفرك يديه باستمتاع عندما تحدث عن التقرير الذي بحسبه قائد قيادة المنطقة الشمالية، أوري غوردن، قال إن قوات الجيش الاسرائيلي مستعدة لاحتلال قاطع امني في لبنان. “الآن نحن نبحث بالفتيل والسراج عن الدبابات الاسرائيلية، لكن عندما سيأتون الينا فأهلا وسهلا، نحن نعتبر هذا اليوم فرصة تاريخية نأمل بها”، قال حسن نصر الله. ومن اجل ازالة الشك حرص على التأكيد بأنه حتى الحزام الامني لن يمنع اطلاق النار نحو اسرائيل. ولكن لا توجد حاجة الى الاعتماد على تحذيرات حسن نصر الله، يكفي الاطلاع على ارشيفات الـ 18 سنة لحرب لبنان الاولى.