هآرتس: معادلة الردود شُدّت حتى آخر حد
هآرتس 31/7/2024، تسفي برئيل: معادلة الردود شُدّت حتى آخر حد
حجم هجوم اسرائيل في قلب حي الضاحية، والبيان الذي بحسبه هذا الهجوم استهدف المس بمخطط الهجوم في مجدل شمس، يمد في الواقع الحدود المعتادة في “معادلة الردود”، لكنه يظهر التمسك بنفس المعادلة، التي تقول بأن الهجوم القاتل في مجدل شمس الذي قتل فيه 12 طفل وفتى لا يعتبر انعطافة استراتيجية تبرر الحرب الشاملة. المشكلة مع معادلة الرد هي أنها تلزم الطرفين بالرد، حتى لو أنه لم يكن للرد أي فائدة استراتيجية، وحتى لو كان يمكن أن يضعضع ذريعة وجود هذه المعادلة – التحول الى حرب كل الاطراف لا تريدها. بسبب ذلك فان النقاشات لم تعد تركز على مجرد ضرورة رد اسرائيل، بل فقط على الحجم المناسب والمطلوب.
نتيجة لذلك فانه في الايام الاخيرة انشغل الطرفين في التكهنات والتهديدات، وبصورة غير مباشرة وغير رسمية قاما بنشر بنوك الاهداف. حيث تحدث محللون في حزب الله عن قدرة الحزب على ضرب حيفا وهضبة الجولان والقاعدة العسكرية في رمات دافيد. في حين أنهم في اسرائيل يتحدثون عن النية والحاجة الى المس بالبنى التحتية المدنية، ويذكرون بيروت وبالاساس حي الضاحية والمطار الدولي في لبنان.
في نفس الوقت استخدم ضغط دبلوماسي غير مسبوق، سواء على اسرائيل أو حزب الله، الذي حاول فيه الوسطاء تحييد مجال رد كل طرف. مثلا، وزير الخارجية في لبنان، عبد الله بو حبيب، قال بأنه اجرى محادثات مع الامين العام للجامعة العربية احمد أبو الغيط ومع وزراء خارجية المغرب ومصر والاتحاد الاوروبي، وأنه حصل على “تعهدات من جهات دولية بأن رد اسرائيل سيكون محدود ولن يمس الضاحية والمطار في بيروت”. بو حبيب لا يقدم أي تفاصيل حول المصادر الدولية. والآن من الواضح أن بو حبيب خاب أمله أمس، على الاقل في كل ما يتعلق بالضاحية. ولكن مجرد التصريح العلني لبو حبيب بشأن هذه التعهدات استهدف الاشارة الى المعايير المتوقعة لرد اسرائيل قبل أن يخرج الى حيز التنفيذ.
في موازاة ذلك، كجزء من معادلة الردود، فان ايران توجد “حزام امان” واضح حول حزب الله، يستهدف خلق وزن مضاد للدعم الامريكي. أمس حذر كامل الرازي، المستشار السياسي لخامنئي، من “تداعيات خطيرة”، التي يمكن أن تنبع من هجوم اسرائيل، في حين أن الرئيس الايراني الذي أدى اليمين أمس تعهد أمام نائب حسن نصر الله، نعيم قاسم، والامين العام للجهاد الاسلامي، زياد النخالة، الذي وصل الى طهران للمشاركة في حفل التنصيب للرئيس، تعهد بأن ايران ستستمر في دعم المقاومة واذرعها. الاكثر اهمية من ذلك هو الابلاغ عن اللقاء الاستثنائي بين بو حبيب والمسؤول عن العلاقات الخارجية العربية في حزب الله، عمار موسوي.
بو حبيب اراد نقل لحزب الله طلب تقييد حجم الرد على هجوم اسرائيل المتوقع. موسوي، حسب التقارير، اوضح بأن “موقف حزب الله غير قابل للمساومة، وأنه سيرد حسب طبيعة هجوم اسرائيل”. أي أن حزب الله ما زال يلتزم بمعادلة الردود المعتادة، وهو في نفس الوقت لا ينوي قطع العلاقة بين غزة ولبنان، وشن حرب لبنانية مستقلة. هذا التقدير يمكن أن يجيب على سؤال كيف سيؤطر حزب الله هجوم أمس. هل سيعتبره مجرد تصعيد آخر يقتضي رد محدد من جانبه، أو بالتحديد سيعتبره ذريعة لتوسيع كبير للمعركة حتى تصل الى حرب شاملة.
من غير الواضح هل القائد الكبير فؤاد شكر (الحاج محسن)، عضو مجلس الجهاد في حزب الله والمسؤول عن ادارة الصواريخ الدقيقة، قد قتل حقا في الهجوم. ولكن حتى لو كان شكر قد قتل، وهكذا سينتهي رد اسرائيل، فان حزب الله يمكن أن يضيف اسمه الى اسماء قادة آخرين كبار قامت اسرائيل بتصفيتهم في هذه السنة، من بينهم وسام الطويل، قائد قوة “الرضوان”، وطالب سامي عبد الله، قائد القطاع الاوسط في جنوب لبنان والذي اعتبر اكبر قائد قامت اسرائيل بتصفيته. تصفيتهم في الحقيقة استدعت اطلاق كثيف للصواريخ، لكنه كان محدود بالزمان والنطاق.
الرد المتوقع لحزب الله غير منفصل عن التطورات في الساحة الداخلية اللبنانية، التي فيها وليس في غزة تكمن المصالح الاستراتيجية والسياسية لحزب الله وايران. في هذا الاسبوع حقق نجاح معين عندما قام الزعيم الدرزي، وليد جنبلاط، وهو الشخص الذي يجب عليه أن اظهار التضامن وادانة اطلاق الصاروخ الذي قتل الاطفال الدروز، قام بتبني رواية حزب الله التي تنفي تورطه في اطلاق الصاروخ القاتل، وحذر من “الانجرار وراء المشروع التدميري للعدو الذي يسعى الى اشعال الحرب الاهلية وتمزيق المنطقة. نحن قمنا بافشال المشروع الاسرائيلي في السابق. نحن نقف بالمرصاد الى جانب المقاومة والمقاومين”. على هذه الاقوال حصل جنبلاط على رسالة مباركة خاصة من حسن نصر الله، التي مدح فيها الزعيم الدرزي بسبب صموده ضد محاولة اثارة حرب اهلية. وشكر على “عروبة هذا الزعيم ووطنيته ومسؤوليته”.
لكن جنبلاط الذي غير عدة مرات جلده السياسي خلال حياته السياسية الطويلة والمزدهرة ينوي جني ثمن سياسي مزدوج من تصريحات دعمه لحسن نصر الله. نجل جنبلاط، تيمور، الذي تم تعيينه بدلا من والده لقيادة الحزب الاشتراكي التقدمي، وهو الجسم السياسي الرئيسي للدروز، ينشغل في الفترة الاخيرة في جهود التوصل الى مصالحة سياسية ستؤدي الى تعيين رئيس متفق عليه. جنبلاط الأب يعمل على الحصول على مكانة مؤثرة في هذه العملية بواسطة علاقته مع حزب الله.
في نفس الوقت تصريحات الدعم لجنبلاط هي مثل السهم المسمم الذي اطلق على خصمه اللدود، الزعيم الدرزي وئام وهاب، الذي يعتبر عنصر اساسي درزي بالنسبة لحسن نصر الله. بالذات وهاب طلب قبل يومين التحقيق بشكل جذري من اجل معرفة المسؤول عن اطلاق الصاروخ الذي قتل الاطفال الدروز في مجدل شمس، وهو لم يتبنى رواية حزب الله. حسن نصر الله يعرف جيدا قيود جنبلاط، ويعرف أن تصريحات دعمه يوجد لها موعد انتهاء صلاحية. الدروز ليسوا القاعدة الطبيعية لحزب الله، لكن هذا الحزب يجري النضال على الرأي العام في لبنان ازاء الانتقاد الشديد الذي جاء بالاساس من القيادة المسيحية والقيادة المسلمة السنية. حسن نصر الله سيطلب أخذ في الحسبان مواقف جنبلاط، ويجب عليه فحص حجم رده على الهجوم، بالاحرى عندما ستكون المواجهة المتوقعة قد جاءت على خلفية اصابة شديدة بأبناء الطائفة الدرزية في هضبة الجولان. مصفوفة القوى السياسية هذه يعرفها بشكل جيد ايضا عاموس هوخشتاين، المبعوث الامريكي الخاص في لبنان، الذي سارع الى الاتصال مع جنبلاط لنقل تحذير له حول احتمالية اندلاع حرب شاملة، وطلب منه العمل على تقييد حجم رد حزب الله عليه. جنبلاط الذي تحدث عن اللقاء في مقابلة مع قناة “الجزيرة” قال بغطرسة كبيرة: “أنا اعرف هوخشتاين كوسيط وليس كمن ينقل التهديدات”.
الغطاء المثقب الذي لا ينجح في اخفاء الشرخ في الطائفة الدرزية تم كشفه ايضا في هضبة الجولان نفسها، عندما، امام دعوات الانتقام من حزب الله التي سمعت بعد قتل الاطفال، نشر “المجلس الديني الدرزي في هضبة الجولان السورية المحتلة” بيان واضح جاء فيه أنه “يرفض سفك أي نقطة دماء واحدة باسم الانتقام لموت الاطفال”. هذا ليس فقط دعوة انسانية، بل هذا يوضح الخوف من أن يتم استخدام عملية لاسرائيل في لبنان، التي يتوقع أن يقتل فيها ابرياء، كأداة سياسية ضد ابناء الطائفة في لبنان. هذه عوامل قوة ونفوذ، متورطة بشكل كبير في عملية اتخاذ القرارات في حزب الله، وسيكون لها الآن دور مهم في الحفاظ على استقرار معادلة الردود.