هآرتس: مطلب نزع سلاح حماس هو ذريعة لحرب أبدية

هآرتس – تسفي برئيل – 5/8/2025 مطلب نزع سلاح حماس هو ذريعة لحرب أبدية
طلب نزع سلاح حماس وتجريد القطاع من السلاح ليس طلب مشروع فقط، بل هو طلب حيوي. ولكن هذا الطلب لا يمكن ان يبقى كشرط منفصل عن خطة شاملة للسيطرة في القطاع وانهاء الحرب. ربما ان اسرائيل ترى امام ناظريها نموذج حرب لبنان الاولى. ففي حينه في اطار اتفاق الاجلاء الذي وقعت عليه م.ت.ف والتخلي عن معظم سلاحها الثقيل، قيادتها انتقلت الى تونس ومقاتلوها تفرقوا في الدول العربية. حتى الآن نحن نتذكر آلاف الشاحنات الاسرائيلية التي شقت الطريق من لبنان الى اسرائيل وهي محملة بالسلاح والذخيرة والمواد المتفجرة التي خلفتها م.ت.ف وراءها.
لكن هذا نموذج مضلل يمكن ان يورط اسرائيل في حرب خالدة. اسرائيل عرفت في حينه العملية بـ “النصر المطلق” رغم انه حتى بعد خروج قوات م.ت.ف بقي في لبنان، الذي كان في حينه في ذروة الحرب الاهلية، الكثير من السلاح الفلسطيني، جزء منه استخدم ضد التنظيمات اللبنانية، وجزء منه ما زال يخدم التنظيمات الفلسطينية في المخيمات وجزء آخر تم استخدامه ضد اسرائيل.
بعد انتهاء الحرب الاهلية في 1989 تم تشكيل حكومة بدات في وضع اسس الدستور التي استهدفت اعطاء الحكومة الصلاحية الحصرية لحيازة السلاح. وهي الاسس التي استندت اليها، ضمن امور اخرى، قرار مجلس الامن 1559 في 2004 وقرار 1701 في 2006، اللذان يشكلان اساس طلب نزع سلاح حزب الله. هذه القرارات وحدها لم تكن كافية من اجل ان تبدأ الحكومة اللبنانية في جمع سلاح حزب الله، وكانت حاجة الى حرب اخرى وضغط امريكي كبير من اجل جعل لبنان يبدأ في الوفاء بتعهده الذي لم يتم استكماله بعد.
لكن خلافا لغزة، في لبنان توجد حكومة لها جيش، وحتى اسرائيل بمجرد توقيع اتفاق وقف اطلاق النار تعتبر الحكومة اللبنانية سلطة مع عنوان مسؤول عن تنفيذ القرار. لذلك، نموذج لبنان لا يمكن ان يسري على الوضع في غزة، حيث اسرائيل تحتفل بالاعلان المشترك غير المسبوق للدول العربية، الذي تطلب فيه من حماس نزع سلاحها، وتتجاهل البنود الاخرى في الاعلان. نفس الخطة تنص على انه يجب على حماس تسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية، وليس لاسرائيل، وأن “الحكم، تطبيق القانون والامن في كل المناطق الفلسطينية هي من مسؤولية السلطة الفلسطينية وحدها، بدعم دولي مناسب”.
الطلب من حماس بنزع سلاحها رفضته بشكل مطلق، أو “فقط في اطار اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة”، وهو الشرط الذي يظهر في هذه الاثناء شرط غير منطقي. عن “نزع قدراتها الحكومية” حماس ردت عدة مرات في الاشهر الاخيرة بالقول انها مستعدة للموافقة على “الاقتراح المصري”. وهو الاقتراح الذي يشير الى ان القطاع ستتم ادارته لنصف سنة من قبل لجنة “خبراء”، ستعمل برعاية السلطة الفلسطينية وبمساعدة قوات دولية، عربية وحتى امريكية. ولكن هذا الاقتراح رفضته اسرائيل بشكل ثابت بسبب اشتراط مشاركة السلطة الفلسطينية. في نفس الوقت اسرائيل لا تعرض أي بديل لحكم حماس عدا عن الاحتلال الاسرائيلي المباشر، الذي لا مخرج منه.
النزع الطوعي لسلاح التنظيمات والمليشيات المارقة التي تدير كفاح مسلح ضد انظمة، يوجد الآن في مركز النضال السيادي في اربع دول في المنطقة على الاقل. لبنان تواجه تطبيق القرار 1701 الذي يشمل نزع سلاح حزب الله، وكل القوات المسلحة غير الحكومية، ليس فقط في جنوب الليطاني بل في كل ارجاء الدولة؛ النظام السوري الجديد يعمل على دمج المليشيات المسلحة، بما في ذلك القوات الكردية والدرزية، في جيش الدولة؛ العراق نجح بشكل محدود في نزع سلاح بعض المليشيات الشيعية، لكنه ما زال بعيد عن تسجيل انتصار كامل في هذه الساحة. في حين ان تركيا، التي منذ الثمانينيات، تدير حرب ضروس ضد التنظيم السري الكردي (بي.كي.كي)، سجلت انجاز تاريخي عندما دعا زعيمه عبد الله اوجلان قادة التنظيم الى تفكيكه ونزع سلاحه.
في الشهر الماضي مجموعة اولى تشمل 30 مقاتل كردي قامت بحرق السلاح في احتفال رمزي لاظهار استعداد التنظيم لتبني دعوة القائد. ولكن في هذه الساحة يتوقع المزيد من الصراع الى حين استكمال العملية، هذا اذا تم استكمالها اصلا. الفرق الاساسي بين اتفاقات نزع سلاح هذه التنظيمات وبين الوضع في غزة هو انه في كل دولة من هذه الدول توجد حكومة معترف بها، حتى لو كان اداءها بعيد عن ان يكون كامل أو حتى لو لم يتم انتخابها بشكل ديمقراطي، الا انها تستند الى الاعتراف الدولي ولديها جسم عسكري الذي هو الجيش الوطني. بسبب الصلاحية المعطاة لهذه الحكومات فانه يتم القاء المسؤولية المباشرة عليها، سواء على صعيد الجمهور والسياسة الداخلية أو بفضل الاعتراف بها، للعمل على نزع سلاح التنظيمات.
لكن السلطة هي وضع مرن، والصعوبة في التعامل مع نزع سلاح التنظيمات غير الحكومية يتطلب ملاءمة نماذج العمل مع الظروف السياسية في كل دولة. هكذا فانه عندما تطلب الادارة الامريكية من الرئيس السوري احمد الشرع التحرك ضد المليشيات غير الحكومية – بعضها تنظيمات ارهابية بكل معنى الكلمة – فانها تتيح له في نفس الوقت “تبييض صورتها من خلال دمجها في الجيش الوطني”.
لبنان غير مطلوب منه تفكيك حزب الله كمنظمة أو كحركة سياسية، أو ابعاد ممثليه من الحكومة والبرلمان. فحزب الله، مثل حماس، يرفض حتى مناقشة نزع سلاحه وفي نفس الوقت يقترح صيغة تقول بانه سيكون مستعد لمناقشة نزع سلاحه فقط “في اطار استراتيجية دفاعية – وطنية”. هذه الصيغة تعني، على الاقل نظريا، بان حزب الله سيكون على استعداد، في الظروف المناسبة، ان يكون جزء من منظومة الدفاع الوطنية الرسمية التي تخضع لسلطة الدولة. هذا تغير مبدئي في موقفه التقليدي الذي يقول بان الجيش اللبناني لا يمكنه الدفاع عن الدولة ولذلك فان حزب الله مجبر على ان يأخذ دوره.
تركيا، التي تحارب ضد القوات الكردية في سوريا منذ اصبحت قوة منظمة في اعقاب الحرب الاهلية في سوريا، لا تعارض بأن تكون هذه القوات جزء من الجيش السوري “الجديد”. وبالنسبة لاعضاء حزب العمل الكردي فهي طلبت وحصلت على تعهد بتفكيك الحزب، وهي ايضا مستعدة للتفاوض مع اعضاء التنظيم حول مكانتهم ومكانة الاكراد في تركيا بشكل عام، في اطار عملية المصالحة التي هي اساس الموافقة على نزع السلاح.
نموذج العراق مختلف في جوهره لان معظم المليشيات الشيعية، سواء المؤيدة لايران أو المخلصة لزعماء سياسيين ورجال ديني محليين، موحدة في جسم يسمى “الحشد الشعبي”، الذي تشكل في 2014 بتوجيه من المفتي الشيعي الاكبر في العراق آية الله علي السيستاني، من اجل مساعدة الدولة في محاربة داعش. هذا الجسم يخضع في الحقيقة لوزارة الدفاع العراقية، ويحصل على معظم التمويل من ميزانية الدولة، ولكنه ليس “جيش عراقي”، حيث اعضاء “الحشد” يحتفظون بسلاحهم وهم غير خاضعين للجيش العراقي.
في غزة اوجدت اسرائيل حالة شاذة غير مسبوقة في أي دولة من هذه الدولة. فقد قامت برعاية حماس كمنظمة تنافس السلطة الفلسطينية، وتفشل قدرتها على فرض سيادتها وسلطتها في كل ارجاء فلسطين كما تم تحديدها في اتفاق اوسلو. اسرائيل لم تشجع فقط تمويل حماس، بالاساس على يد قطر، بل هي اعتبرتها ايضا “سلطة حكومية” وعنوان مسؤول، عسكريا ومدنيا. مثلا، هي طلبت من حماس العمل ضد “التنظيمات المارقة” مثل الجهاد الاسلامي أو الجبهة الشعبية، واعترفت بـ “التصاريح” التي منحتها حماس للمواطنين من اجل الخروج والدخول الى القطاع، وصادقت على خطط الاعمار في غزة مثلما حدث بعد عملية الجرف الصامد، في الوقت الذي كان واضح فيه ان حماس هي التي ستحصل منها على المكاسب الاساسية.
برعاية اسرائيل ودعمها حماس اقامت في غزة حكم ذاتي، عسكريا ومدنيا، بشكل يسمح بمقارنة سياسة اسرائيل تجاه حماس مع سياسة ايران تجاه حزب الله. الامتداد العسكري استهدف تقويض سلطة الدولة في حالة لبنان، والسلطة الفلسطينية في حالة غزة. الآن عندما ترفض اسرائيل أي حكم فلسطيني بديل في غزة، فهي تطمح الى تدمير الامتداد الذي انشأته. في ظل غيابه هي نفسها ستضطر الى ان تحل مكان حماس وتصبح محتلة مباشرة وحصرية للقطاع. وعليها ستلقى ايضا المسؤولية عن الادارة المدنية لمليوني وربع فلسطيني.