هآرتس: مسرحية استعراضية تُعرض صفقة المخطوفين للخطر

هآرتس 1/8/2024، تسفي برئيل: مسرحية استعراضية تُعرض صفقة المخطوفين للخطر
يمكن الافتراض بأن اغتيال اسماعيل هنية، مثل اغتيال قادة كبار آخرين في حماس، كان موجود على الاجندة عدة مرات في الاشهر العشرة للحرب. اذا كانت اسرائيل حقا هي المسؤولة فان المسألة الرئيسية التي وجهت متخذي القرارات هي كيف يمكن لهذا الاغتيال أن يؤثر على المفاوضات حول صفقة التبادل وعلى احتمالية نجاحها. حسب مصدر اسرائيلي هناك اسئلة رئيسية يمكن أن تكون مهمة لاتخاذ القرار. اذا تمت تصفية هنية فمن سيكون عنصر الوساطة بين قطر ومصر وبين يحيى السنوار؛ أين ومتى من الجدير تنفيذ عملية التصفية.
“من ناحية عملية هنية كان كما يبدو هدف سهل. فهو يتجول في العالم، زار تركيا ومكث فيها، عاش في قطر، وسافر الى ايران ومصر”، قال نفس المصدر وعبر عن تقديره الكبير للقدرة على الحصول على معلومات دقيقة وفي الوقت المناسب عن الغرفة التي تواجد فيها هنية في طهران. حول مسألة التوقيت “هناك مقاربة تقول بأنه يمكن ويجب الانتظار الى حين انتهاء المفاوضات ويتم استكمال صفقة التبادل، وحتى أنه يمكن الانتظار الى حين انتهاء الحرب. حسب اعتقادي كان هناك اتفاق مبدئي على أنه يجب تصفية كل قادة حماس كجزء من استراتيجية القضاء عليها. ولكن هذا كان يمكن أن يكون خطة بعيدة المدى”، قال نفس المصدر. حول مكان الاغتيال اشار هذا المصدر الى أن هذه “قضية سياسية مهمة جدا. واذا كانت اسرائيل حقا هي المسؤولة فلا يمكن تنفيذ عملية تصفية في دولة لديها علاقات مع اسرائيل؛ تركيا، رغم القطيعة الدبلوماسية بين الدولتين، وبالتأكيد ليس مصر أو قطر، التي هي ليست فقط دولة رئيسية في ادارة المفاوضات مع حماس، بل هي ايضا حليفة مقربة من الولايات المتحدة”.
اعتبارات اخرى كانت تتعلق بسيناريوهات الرد المتوقعة، سواء على عملية اغتيال هنية أو بسبب المس بسيادة كل دولة من الدول تم فحص تنفيذ العملية فيها. يبدو أن الدرس الذي استخلص من تجربة اغتيال خالد مشعل في الاردن في 1997 تم استيعابه بشكل جيد. ومصر تم استبعادها بسبب منظومة العلاقات الحساسة والتوتر الكبير بين الدولتين اصلا، الى درجة الخشية من أن عملية كهذه يمكن أن تحدث قطيعة كاملة في العلاقات معها.
قطر تحظى بالحصانة، كما قلنا، ليس فقط بسبب تحالفها الاستراتيجي مع امريكا. فبعد المصالحة بينها وبين دول الخليج وعودتها الى حضن “مجلس التعاون الخليجي” فان أي مس صارخ بسيادتها يمكن أن يمس بشبكة العلاقات بين اسرائيل ودولة الامارات والبحرين والسعودية. الايام التي كان يمكن لاسرائيل فيها تنفيذ مثل هذه العمليات في دبي دون الخوف من تدهور سياسي، كما فعلت في عملية اغتيال محمود المبحوح في 2010، انقضت. تركيا تم طرحها بين فينة واخرى كخيار، لكن كدولة عضوة في الناتو فانه كان يصعب توقع التداعيات الدولية لمثل هذه العملية.
الخيار ربما كان ايران، رغم خطر أن يؤدي مثل هذا الهجوم الى رد فعل عسكري عنيف، مثل الهجوم بالصواريخ والمسيرات الذي تعرضت له اسرائيل في شهر نيسان بعد اغتيال الجنرال محمد رضا زاهدي، قائد “قوة القدس” في سوريا ولبنان، في مبنى قرب السفارة الايرانية في دمشق. يمكن التقدير بأنه مقابل الرد المتوقع كان يجب على اسرائيل حتلنة واشراك الولايات المتحدة في خططها، ليس فقط تصفية فؤاد شكر في بيروت بل ايضا تصفية هنية، من اجل ضمان تجنيد “حزام أمان” ضد أي هجوم لايران، رغم أنه حتى الآن من غير الواضح كيف تنوي ايران أن ترد. أمس هددت بأن الرد سيكون قاسيا جدا.
ألم يعد ضروريا؟
هنية وصل الى ايران في يوم الثلاثاء للمشاركة في احتفال تنصيب الرئيس الايراني الجديد المنتخب، مسعود بزكشيان، وأداء اليمين. بزكشيان التقى مع هنية ومع نائب رئيس حزب الله، نعيم القاسم، ومع الامين العام للجهاد الاسلامي زياد النخالة. في هذا اللقاء الذي تمت تغطيته اعلاميا تعهد لضيوفه بأن ايران ستستمر في دعم وتأييد المقاومة. بعد بضع ساعات عرفت ايران عن عملية الاغتيال، والاحتفالات بتتويج بزكشيان سيحل محلها الحداد الوطني لثلاثة ايام.
هل عملية الاغتيال تدل على أنه بالنسبة لاسرائيل توقف عن أن يكون عامل حيوي أو مفيد لاستمرار المفاوضات حول وقف اطلاق النار واطلاق سراح المخطوفين؟. والاكثر اهمية هو ماذا كان وزن مصير المفاوضات في اتخاذ هذا القرار؟. حسب مصادر تحدثت معها “هآرتس” فانه في الاشهر الاولى للمفاوضات، لا سيما في شهر آذار، تبين أن اسهام ووزن هنية آخذ في الانخفاض.
“الافتراض الاولي كان أنه يمكن الضغط على السنوار من اجل التوصل الى الصفقة بواسطة تهديد قيادة حماس الخارج، التي في معظمها تتواجد في قطر”، قال أحد المصادر. في تشرين الثاني، قبل استكمال المرحلة الاولى من صفقة التبادل، طلب وزير الخارجية الامريكي من قطر تهديد قيادة حماس بأنه سيتم طردها من قطر، وأنه سيتم تجميد أو مصادرة اموال المنظمة، اذا لم يتم الدفع قدما بالصفقة. قطر لم تعط أي جواب صريح. في شهر آذار نشرت الـ “سي.ان.ان” عن طلب مشابه نقله بلينكن لرئيس حكومة قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، تهديد قيادة حماس بالطرد. هذا الطلب ردت عليه قطر بشكل غير رسمي بأنها ستكون مستعدة لفحص ذلك اذا طلبت الولايات المتحدة ذلك.
لكن تبين أن تهديد الطرد من قطر لم يؤثر وبحق على السنوار الذي يقوم باحتجاز المخطوفين. اضافة الى ذلك في نفس الشهر حدث خلاف كبير بينه وبين هنية حول مسألة مدة وقف اطلاق النار المطلوبة لاستكمال مراحل الصفقة التي لم يتم استكمالها حتى الآن. هنية طلب من السنوار الموافقة على وقف لاطلاق النار لمدة شهر ونصف، ولكن السنوار صمم على وقف الحرب بشكل مطلق، بما في ذلك انسحاب اسرائيل بشكل كامل من القطاع كشرط مسبق لاستئناف المفاوضات، وهو الشرط الذي تراجع عنه في شهر أيار. قطر، اسرائيل والولايات المتحدة، توصلت بعد فترة الى الاستنتاج بأن هنية غير قادر على توفير البضاعة المطلوبة لأن السنوار يعتبره “صبي لنقل الارساليات”، وظيفته نقل الرسائل. أو كما قال مصدر اسرائيلي، “من هذه الصخرة لن يخرج الماء”.
مشكوك فيه أنه كان من البداية مكان لتعليق الآمال بأن هنية (أو قيادة حماس الخارج بشكل عام)، يمكن أن يستخدم الضغط على السنوار. العلاقات بينهما وصلت الى ازمة عميقة في العام 2021 عندما اجريت الانتخابات للوظائف القيادية العليا في حماس. السنوار، الذي أمل أن يتم انتخابه بدون صعوبة لدورة ثانية كرئيس للمكتب السياسي في غزة، وجد نفسه امام تحالف بين هنية وصالح العاروري في محاولة لعزله.
هذا كان على خلفية عدة شكاوى تم الحصول عليها حول طريقة ادارة السنوار للقطاع وتعامله مع اسرائيل. المرشح لهذا المنصب من قبلهما كان نزار عوض الله، الذي فاز في الجولة الاولى ولكنه لم ينجح في اجتياز سقف 50 في المئة من الاصوات. فقط في الجولة الثانية والثالثة نجح السنوار في الفوز على عوض الله. على الفور بعد ذلك بدأ في حملة تصفية الحساب مع هنية وقام بابعاد رجاله. حسب مصادر في حماس تحدثت مع وسائل الاعلام العربية فان السنوار لم يشرك هنية أو قيادة حماس الخارج في خطته للحرب ضد اسرائيل، بما في ذلك خطة الهجوم في 7 تشرين الاول.
السنوار لن يتأسف على موت هنية
حتى لو توصلت اسرائيل الى الاستنتاج بأن اسهام هنية في تقدم المفاوضات غير جوهري، وحتى لو توصلت الى الاستنتاج بأن ضغط قطر عليه لا يمكن أن يثمر، وحتى لو استندت في القرار الذي نسب اليها، عملية الاغتيال، الى الافتراض الذي بحسبه السنوار لن يتأسف على موت هنية، مثلما لم يتأثر كثيرا من تصفية العاروري، فان اسرائيل لا يمكنها أن تعرف كيف ستؤثر هذه التصفية على استمرار المفاوضات.
احد الافتراضات هو أن السنوار سيستمر في المفاوضات حول وقف اطلاق النار والتوصل الى صفقة التبادل، لأنه فقط بهذه الطريقة سيتم ضمان انجازات استراتيجية له على شكل انسحاب اسرائيل من القطاع واطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين. حسب هذا الافتراض، مثلما أن السنوار لم يجمد بالكامل المفاوضات بعد عملية اغتيال محمد ضيف (الامر الذي لم يتم تأكيده حتى الآن)، فانه لن يوقف المفاوضات ايضا بعد ذهاب هنية. يجب الأمل في أن تكون هذه هي النتيجة.
افتراض متفائل آخر، يبدو أنه غير واقعي، هو أن اسرائيل ارادت خلق توازن بين الاستعداد للانسحاب من القطاع من اجل التوصل الى تحرير المخطوفين، العملية التي سيتم اعتبارها هزيمة سياسية لرئيس الحكومة نتنياهو، وبين الانجاز الذي يتمثل في تصفية هنية. اضافة الى هذا الافتراض يثور سؤال هل اسرائيل نفسها قررت أنه لم يعد هناك أي فائدة من استمرار المفاوضات، لذلك يمكن الانتقال الى المرحلة القادمة في المعركة ضد حماس وتسجيل انجاز استعراضي، حتى لو كان ذلك على حساب حياة المخطوفين.