هآرتس: مستوطنون ارتدوا بزات عسكرية، البؤر الاستيطانية تكاثرت، وموسم القطاف هذه السنة كان عنيفا

هآرتس 5/12/2025، متان غولان: مستوطنون ارتدوا بزات عسكرية، البؤر الاستيطانية تكاثرت، وموسم القطاف هذه السنة كان عنيفا
هذا المشهد اصبح اشائع: حقل زيتون فيه أشجار مثمره، على مدخله أو في وسطه يقف مبنى مؤقت، أحيانا كوخ من الصفيح واحيانا مظلة مرتجلة، وحولها يدور تراكتور يقوده يهودي. “هناك الكثير من الفوضويين الذين يثيرون الفوضى”، قال السائق في هاتفه المحمول ذات مرة في الشهر الماضي. السائق هو شخص كبير السن، يضع قبعة على راسه وله لحية، ويضع مسدس على خصره. هو يمد يده للسلاح ولا يحاول إخفاء التهديد. بالعكس، قال الفلسطينيون الذين كانوا هناك، هم أصحاب الأرض التي يزرعون فيها الزيتون، الان هو يفعل فيها ما يشاء. اهلا وسهلا بالقادمين الى مناطق ب نسخة 2025.
على الورق المصفر لاتفاق أوسلو، هذا الوضع من المفروض ان يكون خيالي. مناطق ب، الخاضعة للسيطرة المدنية الفلسطينية والسيطرة العسكرية الإسرائيلية معرفة كمنطقة لا يفترض أن يتواجد فيها المستوطنون، ولكن عمليا هم الذين يحجبون المنطقة عن أصحاب الأراضي المحليين. يصف احد أصحاب الأراضي في ترمس عيا الوضع الجديد قائلا: “المستوطنون يتنقلون بحرية بحماية الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية. في احد أيام الجمعة، عندما اردت الوصول الى حقل الزيتون، منعني الجيش، وشاهدت من بعيد أشجار زيتوني التي قطعها المستوطنون”.
لكن تغيير الوضع في المناطق ب ليس الا احد الاعراض الكثيرة التي ميزت موسم قطف الزيتون الأخير، الأكثر عنفا الذي وثقه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “اوتشا” منذ العام 2006. وخلال هذا الموسم وثقت هذه المنظمة 364 حالة عنف من كل الأنواع، بما في ذلك هجمات للفلسطينيين، واحراق الممتلكات والحقول، والسرقة وقتل الحيوانات وقطع الأشجار. وقد أضيفت الى هذه الحالات اعمال مضايقة مجردة لم يتم حسابها في هذه البيانات مثل رعي الأغنام داخل بيوت الفلسطينيين – من الصالون الى غرفة النوم ذهابا وإيابا. وفي احداث منفصلة قتل فتى ابن 13 سنة من قرية بيتا بسبب استنشاق الغاز المسيل للدموع الذي اطلقت قوات الجيش الإسرائيلي في الحقول، وقتل شاب من قرية دير جرير برصاص جنود وصلوا الى مكان الحادث في اعقاب احتكاك بين المستوطنين وسكان القرية.
هذه الظواهر ليست جديدة، والرسم البياني لعدد هجمات المستوطنين في السنوات الأخيرة يظهر زيادة مطردة، الا انها في هذه السنة زادت بشكل ملحوظ وتضاعفت في كل ارجاء الضفة الغربية. الى جانبها هناك أيضا عدة بنود لم تكن معروفة في السنوات السابقة، وهي بنود تساهم في زيادة بؤس حياة السكان. على سبيل المثال، التسلل الى مناطق ب واقامة بؤر استيطانية (متقدمة) فيها يتيح للمستوطنين سيطرة بصرية كاملة على المنطقة. جانب آخر هو وحدات الدفاع القطرية، مستوطنون يرتدون الزي العسكري، الذين على الاغلب ياخذون لانفسهم صلاحيات ليست من صلاحيتهم، يعتقلون، يحتجزون، يغلقون مناطق ويهددون بالسلاح. هكذا تبدو منطقة استيطانية مغلقة.
الدخول الى مناطق ب
يمكن القول ان بلدة ترمس عيا تعتبر حالة نموذجية، حيث احتلت ذروة الهجمات في هذا الموسم، حيث شهدت 13 حادثة على الأقل. سكان البلدة يذكرون مرارا وتكرارا في رواياتهم المستوطن الملتحي على التراكتور، وهو واحد من مئات المركبات التي وزعتها وزارة الاستيطان برئاسة الوزيرة اوريت ستروك، من اجل حماية البؤر الاستيطانية. عمليا، وفقا للقرى الفلسطينية فان هذه المركبات تستخدم بدرجة اكبر لغرض الهجوم. وهذا ما حدث أيضا في الحادثة في الشهر الماضي. لقد قال احد أصحاب الأراضي للصحيفة عن تصرفاته: “كنا نجمع الزيتون قرب بيتي عندما ظهر المستوطن على التراكتور (الذي يسمى “مهدد وطارد قاطفي الزيتون”)، وكان يرافقه اثنان من المستوطنين الملثمين. هذا المستوطن قام باطلاق النار. هذه الحقول قريبة من البلدة وليست في مكان بعيد. المستوطنون ياتون مباشرة ويصلون حتى الى البيوت”. ياتون ومعهم رسالة تقول “هو امرنا بالمغادرة. بعد ساعة وصل الى عائلة أخرى على بعد مئة متر وهددها بمسدس وطردها، بل وسرق بعض معداتها. لقد أقيمت البؤرة الاستيطانية التي خرج منها المستوطن الملتحي على ارض فلسطينية خاصة قريبة جدا من مناطق ب، التي لا يسمح لاحد بدخولها الا باذن عسكري”.
في مرة أخرى تمت مشاهدة سائق التراكتور في حقول سنجل القريبة. هناك ظهر أسلوب آخر تم استنساخه كثيرا خلال موسم قطف الزيتون: يظهر المستوطن، يحذر، وبعد ذلك يأتي الجنود، يتم اصدار امر منطقة عسكرية مغلقة في المكان، ويتم ابعاد قاطفي الزيتون. “يتصرف وكأنه صاحب الأرض”، قال احد اصحاب الاراضي. “هم حتى قاموا بقطف اشجارنا وسرقوا الزيتون. في السنة الماضي قمنا بقطف الزيتون هنا بدون أي مشكلة. هذا الموسم انتهى بدون السماح لنا بالوصول الى ارضنا”.
الحديث لا يدور عن شهادة واحدة او نقطة واحدة. خلال الأشهر التي سبقت موسم قطف الزيتون تمت إقامة مجموعة من البؤر الاستيطانية في منطقة التماس بين مناطق ب ومناطق ج، بعضها في عمق مناطق ب، وهذا نموذج سيطرة يتكرر باستمرار. معظم البؤر التي أقيمت بشكل خاص لمنع قطف الزيتون لا تعمل كوحدة مستقلة، بل تعمل كنقاط مراقبة وتنظيم، حيث يتجمع الشباب من البؤر الاستيطانية القريبة. وبالتالي، فان مئات البؤر الاستيطانية والمستوطنات الموجودة فوق التلال (470 نقطة كهذه وفقا لجمعية كيرم نبوت)، تشرف بصريا على منطقة واسعة، بما في ذلك مناطق ب، واصبح قاطفو الزيتون في المناطق المفتوحة اهداف ثابتة. ناشط في مجال حقوق الانسان قال للصحيفة: “لا يهم اين أنت، هناك بؤرة استيطانية فوق كل تلة”.
هناك امثلة كثيرة على الطريقة التي فيها تتحول بؤرة استيطانية متقدمة الى جبهة هجومية. على سبيل المثال خرجت سبع هجمات من بؤرة مفسير هشالوم، وعشر هجمات خرجت من البؤرة الاستيطانية التي أقيمت غرب المنطقة الصناعية كدوميم، بما في ذلك الاحراق المتعمد والعنف الشديد. في احدى الهجمات هاجم المستوطنون حكمت شتيوي (54 سنة)، واصابوه إصابة بالغة بعد اشعال النار في سيارته. في الأيام الأخيرة، بعد شهر من التخدير وربطه بجهاز التنفس الصناعي، استيقظ شتيوي، وهو يعاني من إصابة شديدة في الراس وعدة كسور. وجاء 21 هجوم على ترمس عيا وسنجل من المنطقة المحيطة ببؤرة المستوطن الملتحي. وقد تم تفكيك بعض البؤر الاستيطانية من قبل الإدارة المدنية، لكنه كان مؤقت، بعد فترة عاد المستوطنون واقاموا هذه البؤرة وشنوا المزيد من الهجمات. لا احد يوقف هذا النشاط، وفي افضل الحالات ربما فقط يؤخرونه.
عمليا، العشرات من بين الـ 364 عمل عنف التي وثقتها الأمم المتحدة، مصدرها هو الذين يقيمون في هذه البؤر الاستيطانية. على الأقل 9 من هذه الهجمات جاءت من “كول مفسير” – من بينها هجمة احرق فيها المستوطنون خمسة مبان وشاركوا في عنف وحشي وحتى اطلقوا النار الحية. لقد حدث هذا في 25 تشرين الأول في قرية مخماس، عندما كانت مجموعة من النشطاء الإسرائيليين يقيمون في التجمع البدوي القريب من القرية، كجزء من “التواجد الوقائي”. عندما بدأت النار تشتعل وطاردهم المستوطنون حاول النشطاء الاختباء. تتذكر ن. كيف اختبأت في احد المنازل: “جلست وراء الباب قريبة جدا حتى لا يروني من النافذة. للحظة اعتقدت ان هذا الامر نجح لانهم نظروا من النافذة وصرخوا بانه لا يوجد احد هناك. ولكن بعد ذلك بدأوا يهاجمون البيوت واحراقها”.
في مرحلة معينة تتذكر ان احد المستوطنين حاول اقتحام المنزل الذي كانت تختبيء فيه. حاولت ان تمسك مقبض الباب حتى لا يفتحه، لكن بدون نجاح. “هو قام بكسر الباب، ضربني بعصا وامرني بالخروج. خرجت وانا ارفع يدي، قال لي: اذا رايتك هنا مرة أخرى فستموتين”. الامر لم ينته هنا. “المستوطنون الذين احرقوا المنازل، ثمانية شباب، اقتربوا وحوطوني بدائرة وبدأوا بضربي بالعصي والحجارة حتى سقطت على الأرض”، قالت. “ربما شاهدوا ان راسي ينزل وربما لم يرغبوا في التورط في مشاكل اذا قتلوني، فتوقفوا وغادروا”. ن. تم نقلها الى مستشفى هداسا عين كارم في القدس وهي تعاني من نزيف في الكبد واصابة في الراس والرقبة وكدمات في الضلوع والصدر والأطراف.
لكن حسب بيانات “اوتشا” فانه ليس في كل الحالات كانت إصابات جسدية. في 102 من اصل 364 اعتداء مسجل كانت إصابات. مثلا، في منتصف تشرين الأول هاجم عشرات الملثمين المشاركين في قطف الزيتون في ترمس عيا. اثناء الاعتداء نفسه سجل قيام احدهم وهو اريئيل دهاري، بضرب عفاف أبو عليا (53 سنة)، وهي جدة لتسعة احفاد، بهراوة. بعد عدة أسابيع تم اعتقاله ووجهت اليه لائحة اتهام في الاسبوع الماضي. لكن هذه الحادثة هي أيضا الاستثناء الذي يدل على القاعدة، حيث أنه في هذه الحادثة حقا شارك عشرات المهاجمين، وحسب معرفة “هآرتس” فان لا احد منهم تم اعتقاله أو تقديم لائحة اتهام ضده. عمليا، في الشرطة رفضوا الإجابة على سؤال اذا كان هناك مشتبهون آخرون. هذا ليس بالامر الشاذ. كقاعدة عامة شرطة لواء شاي (يهودا والسامرة) ترفض إعطاء بيانات عن عدد المعتقلين في مئات اعمال الجرائم الوطنية التي ارتكبت في موسم قطف الزيتون. كل ما يمكن تقديمه هو ان الامر يتعلق بعدد يتكون من رقمين.
في خدمة المستوطنين
من القضايا التي تطرح دائما في المحادثات مع الفلسطينيين هي التعاون بين المستوطنين والجيش. نظريا، تنص توجيهات الجيش الإسرائيلي في موسم قطف الزيتون بصراحة على الزام قوات الجيش باعتقال المستوطنين الذين يقتحمون الأراضي الفلسطينية على الفور وتسليمهم للشرطة. ولكن وثائق كثيرة تظهر ان ما يحدث على الاغلب هو عكس ذلك تماما، اذ يقف الجنود متفرجين في وجه الاقتحامات ورشق الحجارة وانتهاك المستوطنين.
من المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي جاء الرد: “الجيش يعمل في كل سنة من اجل السماح بموسم قطف سليم للزيتون، وآمن على القاطفين. في الحالات التي يوجد فيها ازعاج للقطف، أعطيت تعليمات للقوات بالقيام بالخطوات المطلوبة من اجل السماح باستمرار العمل بدون ازعاج”.
في الشرطة قالوا انه “في معظم الحوادث التي تحدث في منطقة يهودا والسامرة، الجيش هو القوة الأولى التي تستعد وترد في الميدان، حتى قبل وصول قوات الشرطة، وذلك طبقا لتوزيع المسؤوليات العملياتية في المنطقة”. وقالوا في الشرطة أيضا: “الادعاءات المطروحة لا تعكس حجم نشاطات انفاذ القانون الفعلية”.



