هآرتس: مثلما هو الامر مع حماس، ايضا مع اليمين المتطرف، نتنياهو وحكوماته هم الذين يديرون النزاع
هآرتس 29/8/2024، عوزي بنزيمان: مثلما هو الامر مع حماس، ايضا مع اليمين المتطرف، نتنياهو وحكوماته هم الذين يديرون النزاع
“عندما لا يقولون له أي شيء فكيف سيعرف؟”، هذا ما قالته بغضب سارة نتنياهو في نهاية الاسبوع الماضي للمخطوفة التي عادت من أسر حماس والتي التقت مع رئيس الحكومة وسألته بغضب عن عدم تحمله المسؤولية عن الخراب في 7 اكتوبر.
هكذا قامت زوجة رئيس الحكومة باعادة تدوير الدفع بالغيبة الذي صاغه بسرعة بعد اتضاح فظائع اعمال الشغب التي تسبب بها للدولة: الجيش الاسرائيلي قال له إن حماس مرتدعة، السياسة التي اتبعها تجاه قطاع غزة وقادته وجدت الدعم الكامل من جهاز الامن، أي ذراع حكومي في اسرائيل لم يعرض مقاربة بدل السياسة التي تحددت، التي في اساسها كانت تقف رؤية أنه يجب “ادارة” النزاع مع الفلسطينيين (حماس ضمن ذلك)، وليس محاولة حله من الجذور. هذا كان موقف جارف شمل حكومات نتنياهو في العقدين الاخيرين والقيادة الامنية كانت شريكة في ذلك. بأثر رجعي، المسؤولون نادمون على ذنبهم وبأنه تم أسرهم في التصور الخاطيء الذي أعمى عيونهم.
ايضا امام شبيبة التلال في يهودا والسامرة وجيوشه الفاشية في داخل اسرائيل، اختار نتنياهو وحكوماته “ادارة” المواجهة وليس استئصالها من الجذور، وهم يستمرون في ذلك الآن، حيث التداعيات المصيرية لهذه المقاربة على مستقبل الدولة آخذة في التجسد.
مثل حماس، ايضا الكهانية، هي في المقام الاول فكرة. هذه النظريات اصبحت حركات منظمة ويترأسها قادة متطرفون. حماس تطورت في داخل الجمهور الفلسطيني وتحولت من منظمة اقلية الى حركة شعبية. والكهانية اصبحت في داخل المجتمع الاسرائيلي من مجموعة صغيرة ومنبوذة الى حزب معترف به وله حضور آخذ في الازدياد.
حماس قامت بترجمة عقيدتها الدينية المتعصبة الى رؤيا وطنية متطرفة وعنيفة، تدعو الى استخدام السلاح والوسائل الوحشية لتحقيق اهدافها. والكهانية تطورت بشكل مشابه، من فكرة عمياء لشخص واحد جمع حوله مجموعة اتباع صغيرة، ومرورا بالتوجه الى نشاطات سياسية، شرعية كما يبدو، وانتهاء بتبني رؤيا وطنية دينية متطرفة ومتعصبة لا تمتنع عن استخدام الوسائل القاتلة لتحقيق اهدافها. اسرائيل اختارت مواجهة التحدي الذي وضعته امامها حماس باسلوب الاحتواء. منذ اصبح بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة في 1996 وحتى 7 اكتوبر 2023 فقد بادر بشكل متعمد وواعي، خلال الـ 16 سنة من حكمه، الى “ادارة” النزاع” مع هذا العدو الخطير وليس القضاء عليه.
عندما قام سياسيون وقادة جيش واحتجوا على هذه السياسة لنتنياهو (الوزير نفتالي بينيت والجنرال سامي ترجمان في تمو 2014 اثناء النقاش حول نتائج عملية الجرف الصامد)، امتنع رئيس الحكومة عن تغيير هذه السياسة بشكل حقيقي، بل العكس، هو قام بتطوير الوهم بأن حماس هي عدو مرتدع، يمكن استغلال مواقفه من اجل أن تحصل اسرائيل على موارد حقيقية ونتائج سياسية وامنية مهمة. في هذه الاثناء تحصنت حماس في غزة وقامت ببناء شبكة الانفاق الضخمة، التي من اجل تدميرها يقتل في كل يوم جنود من الجيش الاسرائيلي.
شبيبة التلال توسعت من بضع مئات من “الاعشاب الضارة” في الضفة الغربية واصبحت حركة استيطان مصممة ومسلحة، وكل يوم تحتل المزيد من الاراضي وتقوم ببناء البؤر الزراعية وتقوم ببناء اسوار “مناطق أمنية” و”مناطق رعي”. الحكومة برئاسة نتنياهو ترى ما يحدث ولكنها تتجاهل معناه والامكانية الكامنة المدمرة له.
هي تقوم بضبط النفس امام هذه الزعرنة الفظة لهذا الجمهور وتغض النظر عن عمليات تخريب الممتلكات التي يقوم بها في القرى الفلسطينية البريئة، ولا تقوم بدفع سلطات القانون من اجل العثور على من يخرقون القانون وتطبيق القانون عليهم. مثل علاقته مع حماس حتى تشرين الاول 2023، هكذا ايضا امام شبيبة التلال واتباعهم اختار نتنياهو تغطية مركز الحريق بورق السولفان بدلا من اطفائه.
مثل حماس، ايضا الكهانية تطورت الى جسم جماهيري كبير جذب اليه عشرات الآلاف من الناخبين ونجح في ارسال اذرعه الى مراكز السلطة. شبيبة التلال التي كانت ذات يوم اصبحت حزب “قوة يهودية” الذي تتوقع الاستطلاعات الاخيرة أن يحصل على 10 – 12 مقعدا، ويوجد له ممثلون في الحكومة الحالية وفي جهاز الدولة الخاضع لها. هذا التيار اليميني المتطرف اصبح قوة سياسية مهمة، ونجح في تدجين رئيس الحكومة كي يرقص على انغامه. في هذه الظروف لا توجد أي احتمالية لأن يستيقظ نتنياهو وينجح في التخلص من قبضة اليمين.
من اجل فهم معنى هذا الشرك يجب العودة الى صباح 7 اكتوبر. المفاجأة الصاخبة والصدمة والذعر والمعاناة والحزن في اعقابها، كانت المقدمة لما سيحدث هنا في الصباح الذي سيشتد فيه الصدع داخلي، والحركة الفاشية الاسرائيلية، مؤسسة الكهانية، تقرر بأنه قد حان الوقت لفرض عقيدتها على كل الجمهور.
الثمن الذي تجبيه الحرب الحالية من اسرائيل بسبب “ادارة” النزاع امام حماس سيكون صفر مقابل الثمن الذي سندفعه عند اندلاع الحرب الاهلية.