ترجمات عبرية

هآرتس: ما الذي يميّز عرين الأسود؟

هآرتس: ما الذي يميّز عرين الأسود؟ ، بقلم: رونيت مرزان 2022-10-25

عندما اندلعت ثورات “الربيع العربي” هتف الشباب العرب تجاه رجال الشرطة “شكراً لأنكم تطلقون النار علينا، شكرا لأنكم تحررون جيلا كاملا، لن يخاف مرة أُخرى”، “أيتها الحكومة، جاء دورك لتخافي منا”. هكذا، منذ تلك اللحظة حدث انقلاب في قواعد الطاعة: السلطة التي خوفت وطاردت وأخجلت وأهانت الجماهير مدعوة، الآن، للخوف منها والخجل وتحمل المسؤولية عن أفعالها.

في خطاب المقاومة الفلسطينية تظهر، الآن، الرغبة في إحداث انقلاب مشابه في معايير الطاعة. الشباب الفلسطينيون في مخيمات اللاجئين في نابلس وجنين وشعفاط يقومون بإرسال رسالة للسلطة الفلسطينية ولإسرائيل تفيد بأنهم لم يعودوا بعد الآن شبابا سلبيين وخاضعين، مطلوبين ومطاردين من قبل الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، بل أصبحوا شبابا فعالين ومنتصبي القامة، ويطلبون ويلاحقون جنود الجيش الإسرائيلي والمستوطنين.

الغضب من الآباء الثلاثة، البيولوجي والسياسي وزوج الأم الإسرائيلي، الذين ينشغلون حسب رأيهم في الحفاظ على بقاء السلطة الأبوية والحكم السياسي من خلال تجاهل احتياجاتهم المادية والعاطفية والاستمرار في قمعهم، كل ذلك أدى إلى تحطيم حاجز الخوف والتمرد والبحث لأنفسهم عن شخصية أب بديلة. هم يبحثون عن شخصية تساعدهم في محو المشهد الفلسطيني الذي يوجد في مركزه بطل مهزوم وارثه التاريخي مليء بالإخفاقات، النكبة (1948)، النكسة (1967)، موت الأب الأسطوري ياسر عرفات (2004)، تفكك العائلة الوطنية (2007)، فقدان الإخوة العرب في أعقاب “الربيع العربي”، واتفاقات التطبيع مع إسرائيل.

الشباب المسلحون في مجموعات “عرين الأسود”، و”عش النسور”، في مخيمات اللاجئين يريدون التخلص من اللامبالاة التي سيطرت على المدن والفصائل السياسية التقليدية وعلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي حسب قولهم تنازلت جميعها عن الكفاح المسلح مقابل أمور تافهة. هم يطلبون منهم الانضمام اليهم من اجل تعيين قيادة نزيهة تحل محل القيادة العجوز كي تدافع عنهم من الجيش والمستوطنين وأن تهتم بكسب رزقهم بكرامة وأيضا أن تقودهم في حملة بطولية للتحرر والحرية.

هم يريدون بناء نظام اخوي من السجناء السابقين وإخوة السلاح بحيث يحل مكان النظام الأبوي الحالي للسلطة الفلسطينية، إلى حين يأتي أب وطني من سلالة جديدة، يشبه حسب قولهم شيخ المطلوبين، فتحي خازم، وهو من خريجي الأجهزة الأمنية الفلسطينية ووالد الشهيدين رعد وعبد الرحمن، الذي قرر الانتقال من الطرف الذي يمنع الانتفاضة إلى الطرف الذي يحركها.

في الشبكات الاجتماعية الفلسطينية يحظى فتحي خازم بألقاب مثل “الأب” و”نبع البطولة المتدفق” و”زعيم على المستوى الوطني” و”رئيس أركان جنين” و”بطل من فترة الصحابة”. “الجهاد الإسلامي” و”كتائب شهداء الأقصى”، وبدرجة معينة “كتائب القسام”، كانوا الأوائل الذين قاموا بفتح غرفة عمليات مشتركة في الضفة الغربية على الفور بعد هرب السجناء الستة من سجن جلبوع. بعد ذلك قاموا بنشر رعايتهم على مجموعات الشباب الذين بدؤوا في الانتظام في مخيمات اللاجئين من اجل تنفيذ عمليات مقاومة ضد الجيش والمستوطنين، وقاموا بتزويدهم بالسلاح مع إعطائهم الاستقلالية العملياتية كي يصعبوا على أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية العثور على البنية التحتية الآخذة في التشكل.

هؤلاء الشباب يختلفون عن الشباب الذين شاركوا في انتفاضة الأفراد. فهم لا يعملون بدافع اليأس، بل بدافع الأمل. وهم لا يسلمون بواقع حياتهم ويسيرون نحو موتهم كسابقيهم، بل يتحدون هذا الواقع، ويؤمنون بقدرتهم على إحداث التغيير. معظمهم لم يشاهدوا الانتفاضة الثانية، لكن منذ اكثر من عشر سنوات وهم يشاهدون الأحداث التي تعزز ثقتهم بالنفس وإيمانهم بقدرتهم على إحداث التغيير، ضمن أمور أخرى، أزمة البوابات الإلكترونية في شرقي القدس ومسيرات العودة والطائرات الورقية الحارقة في القطاع ووحدات التشويش الليلي في بيتا ومعركة “سيف القدس” (عملية “حارس الأسوار”) وهروب السجناء الفلسطينيين الستة من سجن جلبوع والمواجهات اليومية بين اليهود والفلسطينيين في مناطق “يهودا” و”السامرة”.

“الشباب الأبطال” في انتفاضة الأقصى وإرث البطولة الذي خلفوه شكلت بالنسبة لهم نموذجا للتقليد. حتى أن بعض شباب “عرين الأسود” اعتمدوا على الألقاب العائلية، مثلا إبراهيم النابلسي، الذي اطلق على نفسه اسم “أبو فتحي” على اسم نايف أبو شرخ، وهو من مؤسسي “كتائب شهداء الأقصى”. حتى أن النابلسي طلب من أصدقائه إذا استشهد أن يعطوا لوالده الذي يخدم في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، الخاتم الذي وضعه في اصبعه والذي نقش عليه لقب “أبو فتحي”.

موت الشهداء يتحدى النظام الأبوي الفلسطيني. يجب على الأمهات أن يحبسن الغضب وأن يتفاخرن بشجاعة أولادهن وأن يشكرن الله على هذا الفضل الذي كان من نصيبهن، وأن يشاركن في مراسم تكريم الشهداء. في بعض الأحيان، يتم إعطاؤهن المهدئ حتى أنه يتم إبعادهن عن جثمان الابن المتوفى دون التمكن من عناقه قبل دفنه من أجل التأكد من أن الجنازة ستكون استعراضا للقوة والتفاخر والكرامة وليس بكاء هستيريا.

دعوة أعضاء “عرين الأسود” للأمهات: “أنتن القائدات ونحن الجنود، أنتن تأمرن ونحن ننفذ… متى تردن فإن الحرب ستبدأ”، تدل على القوة العظيمة التي تكمن في الأمهات الفلسطينيات لقيادة عمليات السلام والحرب.

بدلاً من إغلاق “التك توك” لهذه المجموعات المسلحة وبدلا من أن نسميها “عرسات” وبدلا من أن نعتبرها حفنة تشمل بضعة أشخاص، من الجدير أن نبذل الجهود من اجل إطفاء المواد المشتعلة التي تشعل نار التمرد. ربما سيفيد هذا اكثر من إدارة حرب خاسرة ضد طواحين الهواء (الشبكات الاجتماعية) التي تنشرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى