هآرتس: ما الذي ستغيره حكومة محمد مصطفى في المنظومة السياسية الفلسطينية؟
هآرتس 16-3-2024، جاكي خوري: ما الذي ستغيره حكومة محمد مصطفى في المنظومة السياسية الفلسطينية؟
قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإلقاء مهمة تشكيل الحكومة على محمد مصطفى، يشير إلى عدم الرغبة في تغيير حقيقي في المنظومة السياسية الفلسطينية. مصطفى الذي يعتبر شخصاً رمادياً وليست له كاريزما، ذكر كمرشح محتمل لهذا المنصب منذ أن استقال سلام فياض في 2013 وأيضاً عندما استقالة رامي الحمد الله في 2019. لكن معارضة تعيينه، بالأساس في صفوف فتح، أفشلت ذلك.
بقي مصطفى حول عباس وشغل مناصب مختلفة، مثل نائب رئيس الحكومة، ورئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني. وقد اعتبر شخصية مالية، ودفع بمشاريع في السلطة، وكذلك في صالح شركات فلسطينية ودولية في القطاع التي يرتبط جزء منها برجال أعمال فلسطينيين.
رام الله على قناعة بأن عباس وحاشيته المقربة يؤيدون هذا التعيين، لأن مصطفى رجل تكنوقراط يمكنه الدفع بالمشاريع قدماً، وليست له ارتباطات سياسية، ولن يهدد الشخصيات الرئيسية في السلطة وفتح. وجوده مرتبط بعباس شخصياً، لهذا لا يتوقع أن يواجه التعيين بمعارضة شعبية أو باحتجاج شعبي فعال في الشارع الفلسطيني في الضفة. إضافة إلى ذلك، فإن فتح تعتبر هذا التعيين مخرجاً: إذا فشل (كما هو متوقع) في منصبه، فسيتحمل هو وعباس المسؤولية. والفشل لن يلتصق بالحركة، كما حدث مع محمد اشتية الذي هو جزء من الحركة، وعضو اللجنة المركزية ويعتبر شخصاً من الجهاز. إذا نجح مصطفى، ستدعي الحركة بأنها هي من دفعت بالعملية قدماً.
التعيين والطريقة التي اتخذ فيها القرار بشأنه، يدلان على أن الساحة السياسية الفلسطينية في وضع جمود. حتى الحرب في غزة والتوتر في الضفة، اللذان يشكلان هزة أرضية وطنية بكل المعايير، لا يؤديان إلى تغيير فكري في أوساط اللاعبين في الساحة السياسية والفصائل، التي في جزء منها ممثلة في م.ت.ف، لكن ليس لها أي حضور على الأرض.
مصطفى، بتشجيع من محمود عباس وشخصين رئيسيين إلى جانبه هما رئيس المخابرات ماجد فرج وسكرتير اللجنة التنفيذية في م.ت.ف حسين الشيخ، قد يحاول تشكيل حكومة تتكون من مهنيين، بما في ذلك من غزة، أو شخصيات متماهية مع عائلات في القطاع. وثمة شك إذا كان اللاعبون الرئيسيون في القطاع: حماس و”الجهاد الإسلامي” ومحمد دحلان، سيوافقون على ذلك. لذا، لن تستطيع الحكومة برئاسته أن تعتبر حكومة اتفاق وطني، وسيكون دورها بالأساس إدارة شؤون الضفة في ظل قيود كثيرة، مع علاقة محتملة بعدد من المشاريع في إعادة إعمار القطاع.
ليس السؤال الذي يدور في الوعي الفلسطيني ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستنجح أم لا، بل بأي درجة ستبقى قادرة على البقاء؟ هذا السؤال يرتبط بعدد من المعايير، على رأسها الحصول على مساعدات عربية ودولية (بما في ذلك شبكة أمان اقتصادية). وهناك معيار آخر، وهو الدرجة التي ستمكن بها حكومة إسرائيل، في ظل نتنياهو، هذه الحكومة من العمل وتدفع قدماً بمشاريع، بما في ذلك مناطق “ج” أيضاً. هذا الأمر يرتبط أيضاً بتحرير أموال الضرائب للفلسطينيين وتسهيلات مدنية هامة، وبالطبع هل ستحصل الحكومة على شرعية لتكون شريكة في “خطة مارشال” دولية لإعادة إعمار القطاع.
الحديث يدور عن شروط قاسية جداً. وهناك شك إذا كان عباس ورجاله ومن بينهم مصطفى، سينجحون في تجنيد كل المكونات المطلوبة لنجاح الحكومة الجديدة. وثمة تحد آخر يواجههم، وهو الحصول على ثقة الجمهور الفلسطيني، بما في ذلك في القطاع. حتى الآن، هناك علامة استفهام كبيرة تحلق فوق هذا السؤال.
إذا تسلم مصطفى هذا التعيين فسيستطيع قيادة عملية مثيرة للانطباع، لا تحتاج إلى تجنيد موارد كثيرة، بل تعكس رغبة قوية في أوساط الجمهور الفلسطيني ولاعبين كثيرين في الساحة الدولية مثل تمهيد الطريق لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بدعم دولي. هذا الدعم سيحتاج من إسرائيل أيضاً الموافقة على هذه العملية أو على الأقل عدم معارضتها. هذه الخطوة تحت مظلة دولية قد تشير إلى النجاح وستمنح الفلسطينيين قيادة منتخبة وشرعية وقادرة على الدفع قدماً بخطوات، حتى على الصعيد السياسي. وإلا فالمتوقع أن تختفي هذه الحكومة ومعها مصطفى، بسرعة كبيرة وتمثل عصراً حجرياً في الساحة السياسية الفلسطينية.