ترجمات عبرية

هآرتس: ما الذي أعطاه حقا وعد بلفور للشعب اليهودي

هآرتس 1/11/2024، شاؤول اريئيلي: ما الذي أعطاه حقا وعد بلفور للشعب اليهودي

في هذا الأسبوع سيتم احياء الذكرى الـ 107 لوعد بلفور. الفلسطينيون يرون أن بداية النزاع مع إسرائيل كانت منذ تاريخ إعطاء هذا الوعد (2 تشرين الثاني 1917)، “الذي خلق الأساس القانوني لمطالبة الصهيونية بفلسطين”، كما قال ادوارد سعيد، عضو اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف (القضية الفلسطينية، 1979). 

الإسرائيليون أيضا يعتبرون الوعد الذي اعطي من قبل الحكومة البريطانية الأساس السياسي والقانوني لمطالبتهم بإقامة دولة يهودية في ارض إسرائيل. هذا الأساس تم التأكيد عليه في صك الانتداب الذي تضمن الوعد، وتم منحه لبريطانيا العظمى في مؤتمر سان ريمو في نيسان 1920 ووافقت عليه عصبة الأمم المتحدة في 24 تموز 1922. الكثير من الإسرائيليين يعتقدون بالخطأ أن الإعلان (الوعد) والتفويض قد اعطى للشعب اليهودي ارض إسرائيل وشرق الأردن بالكامل، أو على الأقل ارض إسرائيل الغربية بالكامل. ولكن هذا غير صحيح تاريخيا.

ادعاؤهم هو أن شرق الأردن تم اقتطاعه من فلسطين في 1922 خلافا لوعود صريحة أعطيت في وعد بلفور وفي صك الانتداب. هؤلاء الإسرائيليون يستمرون في الادعاء بأن الشعب اليهودي اضطر رغم انفه الى قبول تقسيم فلسطين، الذي منح العرب 77 في المئة من مساحتها (90 ألف كم مربع التي هي شرق الأردن). في حين أن اليهود اضطروا الى الاكتفاء بـ 23 في المئة فقط من مساحتها (26 ألف كم مربع، التي هي ارض إسرائيل). من كل ذلك تنبع حسب رأيهم نتيجة عملية لهذه الأيام: يجب عدم الموافقة بأي شكل على تقسيم آخر للمنطقة التي توجد غرب نهر الأردن.

ادعاءات بهذه الروحية تنتشر في الخطاب العام في إسرائيل. آريه الداد، عضو الكنيست السابق، كتب في 2016 بأنه “في 24 تموز 1922 صادق مجلس عصبة الأمم على صيغة الانتداب البريطاني، التي كانت ترتكز الى وعد بلفور، لكن بعد شهرين قرر مجلس عصبة الأمم، بناء على طلب من الحكومة البريطانية، أن أوامر الانتداب بشأن إقامة وطن قومي لليهود لا تسري على شرق الأردن. عبد الله بن حسين، ملك الحجاز، تم تعيينه كأمير على شرق الأردن. هكذا تم اقتطاع 77 في المئة من ارض إسرائيل، “الوطن القومي لليهود”، الذي وعد به في وعد بلفور تقلص الى 23 في المئة من ارض إسرائيل” (“داعت”).

الجميع يتفقون على أن صلب الوعد الدولي للشعب اليهودي في سياق حقه في تقرير المصير في وطنه التاريخي يوجد في “وعد بلفور”. ولكن هل حقا كان في هذه الوثيقة وعد باعطاء اليهود شرق الأردن أو ارض إسرائيل الغربية بالكامل؟. هنا يجب متابعة باختصار الاحداث التي أدت الى الوعد، وكذلك استعراض الاحداث التي ارتكزت عليه فيما بعد. 

في تشرين الثاني 1914، هاربرت صموئيل، وزير الداخلية اليهودي في الحكومة البريطانية، طرح على وزير الخارجية ادموند كريه اقتراح لاقامة منطقة يهودية مع حكم ذاتي في فلسطين. كلمة “في” توجد لها أهمية أساسية في هذا السياق. في 18 تموز 1917 تم تقديم طلب رسمي الى الحكومة البريطانية من قبل الهستدروت الصهيونية من اجل قبول السيادة في اطار الحماية البريطانية على البلاد. هكذا ولد وعد بلفور المشهور. 

في مركز هذا الوعد يوجد مفهوم “فلسطين”. هذا المفهوم كان معروف سواء باللغات الأوروبية أو باللغة العربية بـ “فلسطين”، وأشار بشكل عام الى منطقة ارض إسرائيل، لكن لم يكن هناك أي محافظة أو منطقة جغرافية محددة بهذا الاسم. بكلمات أخرى، عند إعطاء وعد بلفور، ارض فلسطين، التي كان من شأنها أن يقام فيها الوطن القومي اليهودي، لم تكن منطقة محددة مع حدود واضحة ومعروفة. الحدود تم تحديدها فقط بعد سنوات، عندما حصلت بريطانيا على الانتداب في هذه المنطقة من عصبة الأمم.

الحكومة البريطانية اختارت الامتناع عن إعطاء أي تعهد بخصوص كل ارض فلسطين. ولكنها امتنعت أيضا عن البت بشكل واضح في مسألة اكثر أساسية وهي ما الذي بالضبط يلزم به هذا الالتزام، وما الذي ينفيه. يمكن الجدال حول ذلك، ضمن أمور أخرى، عندما تتم المقارنة بين الصيغة التي ظهرت في المسودة الأخيرة التي طرحتها الهستدروت الصهيونية وتم رفضها من قبل حكومة بريطانيا – “حكومة جلالة الملك توافق على مبدأ أن ارض إسرائيل يجب أن تنهض من جديد كوطن قومي للشعب اليهودي”، وبين صيغة الوعد كما تمت المصادقة عليه في النهاية: “حكومة جلالة الملك تنظر بعين الرضا لاقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين”.

اذا كان الامر هكذا فانه في الصيغة النهائية وعد بلفور لم ينف –  أيضا لم يلزم – بإقامة كيانات سياسية أخرى داخل حدود فلسطين. من هنا نعرف أنه في الوعد تقرر بشكل إيجابي وحاسم بأن الكيان السياسي سيقام في فلسطين، لكن ليس على كل ارض فلسطين الانتدابية (فلسطين – ارض إسرائيل) بعد تحديد حدودها؛ ولم يتم استبعاد – مثلما لم يلزم – إمكانية نشوء كيان سياسي آخر في ارض فلسطين – ارض إسرائيل. 

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في 4 حزيران 1918 التقى حاييم وايزمن والأمير فيصل (ابن حسين ملك الحجاز) في شمال العقبة. وفي 3 كانون الثاني 1919 وقعا في لندن على الاتفاق المعروف لاحقا بـ “اتفاق فيصل – وايزمن”. البند الثاني في الاتفاق ينص على أنه “على الفور بعد النقاشات في مؤتمر السلام سيتم ترسيم الحدود النهائية بين الدولة العربية (سوريا الكبرى) وبين ارض إسرائيل من قبل لجنة متفق عليها من الطرفين”. مفهوم “دولة يهودية” لم يتم ذكره بشكل صريح. ولكن البند الثالث في الاتفاق ينص بالفعل على ذلك. لأنه يظهر فيه تعهد بتنفيذ وعد بلفور حرفيا. 

مع ذلك، يجب التأكيد على أن فيصل كتب بخط يده شرط آخر لتنفيذ الاتفاق – رغم أنه تم التوقيع عليه كمذكرة منفصلة من قبل وايزمن – “اذا تم تحقيق طلب العرب كما طلبته في المذكرة… التي تم تقديمها لوزير خارجية بريطانيا، أنا سأنفذ ما كتب في هذا الاتفاق. اذا حدثت أي تغييرات فلن أكون ملزما بتطبيق هذا العقد”. احد هذه الطلبات كان إقامة “سوريا الكبرى”، هذا الطلب لم يتم تحقيقه – الامر الذي وضع حقا محل التساؤل مسألة سريان كل الاتفاق.

على أي حال، من تسلسل الاحداث فاننا ندرك أنه في 1919، وقبل إعطاء صكوك الانتداب في المنطقة العربية وترسيم حدودها، وافقت الهستدروت الصهيونية للمرة الأولى على أن لا تتضمن طلباته كل شرق الأردن، حيث أنه في معظم أراضيه كان يجب أن تقام المملكة برئاسة فيصل (في المقابل، هذه كانت المرة الأولى التي فيها اعترف زعيم عربي كبير بوعد بلفور). بعد شهر على توقيع الاتفاق، في شباط 1919، طرحت الحركة الصهيونية في مؤتمر السلام في فرساي اقتراحها بترسيم حدود فلسطين، الذي سيضمن الأساس الاقتصادي لاقامة دولة حديثة: “المساحة الجغرافية لارض إسرائيل يجب أن تكون كبيرة بقدر الإمكان من اجل أن تستطيع احتواء مجموعة سكانية كبيرة ونشطة، التي تستطيع بسهولة تحمل عبء حكومة حديثة”. اجمالي المساحة المذكورة في الاقتراح، 45 ألف كم مربع، تقريبا ضعف مساحة فلسطين التي تحددت في نهاية العملية. 

الخطوط العريضة في الاقتراح تمت بلورتها طبقا لعدد من القيود السياسية التي “قيدت” الهستدروت الصهيونية. وأهمها في هذا الشأن التفاهمات التي تم التوصل اليها بين وايزمن وفيصل، والتي خففت من الطلبات الصهيونية على شرق الأردن، بحيث أنها توقفت عند خط سكة حديد الحجاز في غرب مدينة عمان. من هنا وحتى الاقتراح الأقصى الذي قدمته الهستدروت الصهيونية  بشأن حدود ارض إسرائيل، الموقف الافتتاحي الأكثر توسعا والذي قدم في بداية المفاوضات، لم يشمل معظم أراضي المملكة الأردنية الآن.

الطلب الصهيوني تطرق الى 18 ألف كم مربع فقط من بين الـ 90 ألف كم – ليس اكثر من خُمس مساحة شرق الأردن. آريه الداد والآخرون الذين يدعون أن بريطانيا وعصبة الأمم قد سرقوا من الشعب اليهودي مساحة 77 ألف كم مربع، يجب القول لهم “لأن الشعب اليهودي لم يطالب في أي يوم بهذه المنطقة، بل فقط بجزء صغير منها، فانه لم تتم سرقة منه في أي يوم شيء”. أيضا هذا الاقتراح  الأقصى الذي قدمه زعماء الصهيونية تم رفضه كما هو معروف. 

صك الانتداب على فلسطين الذي اعطي لبريطانيا من قبل دول الاتفاق العظمى في مؤتمر سان ريمو في نيسان 1920، تضمن كما قلنا وعد بلفور، والقى على بريطانيا كدولة انتداب المسؤولية عن تحقيقه في فلسطين، “في اطار الحدود التي سيتم تحديدها على يد دول التحالف الرئيسية (بريطانيا وفرنسا)”. أي أن الحدود لم يتم ترسيمها في المؤتمر نفسه، بل تم ترسيمها فيما بعد. مثلا، الحدود النهائية بين سوريا وفلسطين تم تحديدها فقط في 1923. القرار حول الحدود الإقليمية حصل على مصادقة عصبة الأمم، وهكذا حظي بالشرعية الدولية. قرارات مؤتمر سان ريمو وقعت في الواقع بعد تصريح بلفور، لكنها لا تناقض ما جاء فيه لأنها ركزت فقط على تحديد الفرق بين سوريا وبلاد ما بين النهرين وفلسطين من خلال التقسيم المبدئي بين فرنسا وبريطانيا. ولم يتم اطلاقا الالتزام بإقامة الوطن القومي لليهود على كل ارض فلسطين، والعكس صحيح. قرارات المؤتمر تكرر صيغة وعد بلفور بدون أي تغيير.

في آذار 1921 اعلن وزير المستعمرات الجديد ونستون تشرتشل في مؤتمر القاهرة بأنه في الأشهر الستة القادمة سيواصل عبد الله الحكم كأمير على شرق الأردن. بمكانة لا ترتبط باطار الإدارة البريطانية لفلسطين. كما جاء في هذا التصريح بأن الانتداب الذي حصلت عليه بريطانيا على فلسطين وعلى ما بين النهرين يسري أيضا على شرق الأردن، والذي سيدار على يد منظومة عربية مستقلة باشراف بريطانيا. ولكن حتى الآن لم يتم تحديد الحدود بين مناطق الانتداب الثلاثة هذه. بعد بضعة اشهر على اعلان بريطانيا، وحتى قبل أن تحصل على مصادقة عصبة الأمم (السيد الرسمي) في 22 حزيران 1922، نشر تشرتشل “الكتاب الأبيض” الذي فيه فصل النوايا السياسية لبريطانيا فيما يتعلق بمستقبل ارض إسرائيل تحت حكم الانتداب، وضمن ذلك خطة تخصيص شرق الأردن للامير عبد الله.

هل كان في ذلك تراجع لبريطانيا عن وعد بلفور؟. لا، لأنه كما قلنا، الالتزام البريطاني بالوعد كان بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وليس اكثر من ذلك. في الكتاب الأبيض عاد تشرتشل وأكد على أن “حكومة جلالة الملك تريد أن تلفت الانتباه الى حقيقة أن صيغة التصريح المذكورة أعلاه (بلفور) لا تنوي القول بأن كل فلسطين ستصبح وطن قومي لليهود، بل إن هذا الوطن سيقام في فلسطين”. في 7 تموز 1922 صادق البرلمان البريطاني على الكتاب الأبيض بأغلبية ساحقة. 

الأساس الذي لا خلاف عليه للعملية هو اعلان بلفور الذي تقرر فيه إقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين، أي على جزء منها، في أي حدود سيتم تحديدها. صك الانتداب الذي وافقت عليه عصبة الأمم سمح لبريطانيا باستبعاد شرق الأردن من نطاق وعد بلفور، وهو القرار الذي وافقت عليه الهستدروت الصهيونية رغم استيائها. 

لقد كان لعصبة الأمم الصلاحية لتنفيذ هذه العملية. ونذكر مرة أخرى بأن عصبة الأمم هي التي صادقت على استثناء فلسطين/ ارض إسرائيل، التي كانت فيها اغلبية عربية كبيرة، من مبدأ تقرير المصير وإقامة فيها وطن قومي للشعب اليهودي الذي يعيش خارج ارض إسرائيل. صلاحيتها وشرعيتها هي التي مكنتها من المصادقة على موقف البريطانيين، الذي أراد رفض الطلب الصهيوني بضم جزء صغير من شرق الأردن الى فلسطين/ ارض إسرائيل. 

المنطقة التي في نهاية المطاف تم تخصيصها للدولة اليهودية (55 في المئة من مساحة فلسطين/ ارض إسرائيل، التي تقع غرب نهر الأردن)، وأيضا صودق عليها من المجتمع الدولي كتطبيق لوعد بلفور، وقرار مؤتمر سان ريمو وصك الانتداب، هي التي تم تحديدها في قرار التقسيم من العام 1947 (القرار 181). لذلك، في وثيقة الاستقلال لدولة إسرائيل كتب أنها جاءت “على أساس قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة”.

في اعقاب حرب الاستقلال حدود التقسيم تم استبدالها في نهاية المطاف بخطوط الهدنة التي تحددت في 1949 (التي منحت دولة إسرائيل 78 في المئة من ارض فلسطين/ ارض إسرائيل)، وقرار 242 للأمم المتحدة الذي صدر بعد حرب الأيام الستة في 1967 اعترف بها ضمنا كحدود لدولة إسرائيل (“على إسرائيل الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير”).

بعد ذلك الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن جدار الفصل الذي صدر في حزيران 2004 اعطى لذلك صلاحية محكمة قانونية دولية. قرار الأمم المتحدة الصادر في 29 كانون الثاني 2012، المصادقة على “حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال في دولة فلسطين على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967″، لا يتعارض مع وعد بلفور، بل يتماشى مع الإعلان المتعلق بإقامة دولة يهودية في جزء من فلسطين.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى