هآرتس: لو تم التوقيع على الاتفاق ستبقى قضايا كثيرة عالقة بين اسرائيل ولبنان
هآرتس 21/11/2024، تسفي برئيل: لو تم التوقيع على الاتفاق ستبقى قضايا كثيرة عالقة بين اسرائيل ولبنان
مفهوم “يدعو الى التفاؤل” هو مفهوم مضلل بدرجة لا تقل عن مصطلحات مثل “مثمرة” و”ايجابية” و”تقدم كبير”. هذه المصطلحات تستخدم مؤخرا كغطاء لمحادثات المبعوث الامريكي عاموس هوخشتين التي اجراها في لبنان. مفهوم “يدعو الى التفاؤل” دلائل غير مشجعة، بعد أن ارتبط بالجهود الامريكية للتوصل الى اتفاق حول اطلاق سراح الرهائن. كما أنه رافق ايضا الـ 12 رحلة جوية التي قام بها هوخشتين في الاشهر الاخيرة في لبنان واسرائيل والتي انتهت بدون أي نتائج.
لكن بعد ملاحظة التحذير هذه فان الاتفاق الآخذ في التبلور بين اسرائيل ولبنان، والذي يجب أن يكون عنوانه المناسب “اتفاق بين حزب الله (وايران) واسرائيل”، يوفر ذريعة للتفاؤل. وحسب تقارير لبنانية تستند الى جهات رفيعة وقادة مشاركين في العملية فان معظم بنود الاتفاق تم استكمالها. وتم ايضا تهذيب صياغة بعض القضايا الاساسية بعد أن ارسل حزب الله رده الى المسؤول عن المفاوضات من قبله، رئيس البرلمان نبيه بري. أحدها هو موافقة لبنان على أن تكون بريطانيا عضوة في لجنة الرقابة الدولية على الاتفاق.
الولايات المتحدة وافقت على ضمان أن تنفذ اسرائيل الاتفاق، ومسألة “حق الدفاع عن النفس” لاسرائيل ستحلها صيغة ضبابية تنص على أن كل طرف يحق له الاحتفاظ بهذا الحق. من غير المعروف اذا كانت اسرائيل ستوافق على كل هذه التعديلات. وحسب مصدر اسرائيلي يشارك في الاتصالات فان “التفكير بأنه يمكن في هذا الاتفاق تقديم جواب واضح على كل حالة خرق هو أمر واقعي. التطلع هو التوصل الى “قاموس خرق” متفق عليه سيتم استخدامه كدليل للجنة الرقابة التي يجب عليها اعطاء الموافقة على كل عملية اسرائيلية في كل مرة يتم اعتبارها من قبل الطرفين خرق”.
حتى لو تم الاتفاق بين الطرفين على “قاموس الخرق” الذي بحسبه سيتم تحديد حق اسرائيل في الرد، إلا أنه سيبقى هناك عدد غير قليل من الامور العالقة. مثلا، ماذا سيكون الاجراء الذي يجب على اسرائيل أن تمر به من اجل الحصول على الاذن للرد؟ لبنان يطالب بأن أي ادعاء بالخرق ستتم مناقشته في لجنة الرقابة، وفقط اذا لم تنجح الحكومة اللبنانية أو الجيش اللبناني في وقف هذا الخرق فسيتم اتخاذ رد آخر (اسرائيلي). في كل الحالات، بالنسبة للبنان اسرائيل لن يسمح لها مسبقا بالهجوم بسبب خرق يلوح في الافق. حسب ادعاءات اسرائيل فان هذا الاجراء لا يقدم أي رد على “خروقات ساخنة”، منها اختراق سريع في جنوب لبنان لخلية تحمل صواريخ أو محاولة اطلاق صواريخ في مواقع في جنوب لبنان.
اسرائيل تطمح الى حرية عمل واسعة مثلما هي الحال في سوريا، أو على الاقل حرية من النوع الذي يميز نشاطاتها في المناطق أ للسلطة الفلسطينية، التي اصبحت منذ فترة طويلة مناطق ج في كل ما يتعلق بالنشاطات العسكرية. اسرائيل تقول إن حقها في الدفاع لا يقل عن حق دول اخرى التي تستخدم القوة العسكرية في اراضي دول سيادية بذريعة الدفاع عن أمنها. تركيا لم تحتل فقط مناطق في سوريا، بل هي تقوم بقصف مواقع القوات الكردية في سوريا والعراق؛ الولايات المتحدة ايضا لا تعمل فقط ضد داعش في العراق وفي سوريا، بل ايضا ضد المليشيات المؤيدة لايران والتي تقوم بمهاجمة اهداف امريكية.
الجيش اللبناني الذي سينتشر على طول الحدود وجنوب نهر الليطاني يمكن أن يحبط أي خرق، لا سيما الذي لا يحتاج الى تمركز عميق لحزب الله. ولكن هذا الجيش حتى الآن غير مؤهل بما فيه الكفاية لمواجهة تحدي تنفيذ الاتفاق. في اللقاء بين قائد الجيش الاسرائيلي جوزيف عون وهوخشتين عرض عون طلبات كثيرة تشمل السلاح والمعدات العسكرية الاخرى. وحسب قوله فان الجيش سيجد صعوبة في تنفيذ المهمة بدون هذه المعدات. وحسب البرنامج الذي صادقت عليه حكومة لبنان قبل ثلاثة اشهر فان الجيش يمكن أن يزداد بستة آلاف جندي، لكن حتى الآن اعطيت مصادقة على الميزانية فقط لتجنيد 1500 جندي فقط. استكمال التجنيد سيحتاج الى الكثير من الاموال التي لا توجد في خزينة الدولة، ويحتاج الى أن يأتي من الهبات، بالاساس من امريكا وفرنسا. الولايات المتحدة تطلب ايضا أن تنشيء حكومة لبنان قواعد عسكرية ثابتة في جنوب لبنان، وهذا الامر ايضا لم يتم تحديد ميزانية له.
في لبنان توجد حكومة مؤقتة صلاحياتها محدودة. والمصادقة على الاتفاق تحتاج الى مصادقة البرلمان. على فرض أن البرلمان سيصادق على الاتفاق فان أي قرار للحكومة – بما في ذلك تجنيد جنود وتدريبهم – يمكن أن يصطدم بلغم سياسي يؤخر تنفيذ الاتفاق، خاصة ازاء حقيقة أنه في الحكومة وفي البرلمان يوجد ممثلو حزب الله. لبنان يطالب أن تبدأ اسرائيل في سحب قواتها عند دخول وقف اطلاق النار الى حيز التنفيذ من اجل أن يستطيع مليون وربع مليون نازح من العودة الى بيوتهم، وبالاساس لمنع اسرائيل من اقامة “منطقة امنية” جديدة. ولكن هذا الطلب يقتضي دخول فوري للجيش اللبناني الى الجنوب، حتى قبل توسيع صفوفه. وحسب اقوال عون هذا يعني أن الجيش سيضطر الى اخلاء مواقع في اماكن اخرى، مثل في البقاع، ولن يتمكن من احباط تهريب السلاح من سوريا الى لبنان كما هو مطلوب منه في القرار 1701.
حتى لو تم تحييد هذه الالغام فانه من غير الواضح ما هو التفويض الضي سيعطى للجيش. حسب القرار 1701، الاساس للاتفاق المتبلور، فانه من جنوب نهر الليطاني يجب أن تتواجد فقط قوة عسكرية تتم المصادقة عليها من الحكومة اللبنانية. ولكن هل الجيش اللبناني يجب عليه تفكيك البنى التحتية العسكرية لحزب الله، من بينها قواعد ومخازن سلاح وذخيرة مخبأة في معظمها في بيوت خاصة، ايضا في مدن كبيرة مثل صور. نظريا، يمكن للجيش مصادرة المعدات العسكرية والتكنولوجية الموجودة جنوب نهر الليطاني، لكن الصواريخ بعيدة المدى والسلاح الموجود شمال نهر الليطاني لن يستطيع المس به. ورغم أن القرار 1599 من العام 2004، المشمول في القرار 1701، ينص على أنه يجب نزع سلاح كل المليشيات، فان حكومات لبنان امتنعت عن تنفيذ هذا البند، وحتى أنها اعطت حزب الله مكانة غير رسمية كـ “قوة دفاع” وطنية. لذلك فان الطموح الى تجريد حزب الله من قدراته العسكرية على شاكلة الحلم الذي تسوقه اسرائيل تجاه حماس، بعيد عن التحقق، وحتى أنه غير موضوع على الطاولة.