ترجمات عبرية

هآرتس: لن نبني مستقبلنا على الحروب، كتب بن غوريون

هآرتس25/9/2025، أوري بار يوسف: لن نبني مستقبلنا على الحروب، كتب بن غوريون
البروفيسور بن تسيون نتنياهو اعتقد ان ابنه بنيامين مناسب لأن يكون وزير خارجية اكثر مما هو مناسب ليكون رئيسا للحكومة. لو أنه شاهد وضع اسرائيل في الساحة الدولية اليوم لكان تشكك بدرجة مناسبته لمنصب وزير الخارجية. هو ايضا تفاخر بأن ابنه كان قاريء نهم للتاريخ اليوناني والروماني الكلاسيكي. ولو انه سمع عن حلم “اسبرطة العظمى” لكان مشكوك فيه أن يتفاخر بذلك ايضا. 
لا شك ان نتنياهو الابن كان سيستفيد من دراسة تاريخ دولة اسرائيل أكثر من الغرق في تاريخ اليونان وروما. لو انه فعل ذلك بشكل جدي لكان يمكنه أن يتعلم كيف تصرف دافيد بن غوريون في اوضاع كانت اصعب باضعاف من الوضع الذي وجدت اسرائيل نفسها فيه في هذه الايام، وكيف يبدو الحلم.
السنوات الاولى لدولة اسرائيل كانت الاكثر صعوبة في تاريخيها، لا سيما من ناحية أمنية. فالحدود مخترقة، التسلل غير المنقطع للفلسطينيين الذين حاولوا العودة الى بيوتهم، وعصابات “الفدائيين” الذين فرضوا الرعب في ارجاء البلاد، عمليات الانتقام على طول الحدود، الجيوش العربية الكبيرة التي كانت مستعدة وخلقت تهديد وجودي للدولة الفتية، وهو التهديد الذي وصل الى الذروة في خريف 1955 عندما وقعت مصر على صفقة شراء غير مسبوقة مع الكتلة الشرقية (دول اوروبا التي كانت تحت سيطرة السوفييت)، وهي الصفقة التي كان يمكنها أن تضاعف وتزيد قوة المدرعات وسلاح الجو والبحرية لمصر. حرب تدمير مصرية ضد اسرائيل اصبحت تهديد حقيقي وقريب. 
بن غوريون لم يتذاكى بالخطابات عن اسبرطة. وبدلا من ذلك بدأ في تجنيد الاموال الطائلة في البلاد وفي الخارج من اجل الحصول على الوسائل المطلوبة لتسليح الجيش الاسرائيلي من اجل الحرب القادمة. وقام بارسال وزير الخارجية في حينه موشيه شريت كي يطرق ابواب الدول العظمى، كلها، باستثناء فرنسا، رفضت بيع السلاح لاسرائيل. وعندما اغلق الجيش الاسرائيلي الفجوة بواسطة السلاح الفرنسي، وقبل استيعاب الجيش المصري لمعظم السلاح الجديد لديه، قاد بن غوريون اسرائيل، بالتعاون سرا مع فرنسا وبريطانيا، الى حرب وقائية ضد مصر التي فيها تم احتلال شبه جزيرة سيناء وتمت ازالة تهديد مصر.
لكن خلافا لنتنياهو فانه حتى عندما توجه بن غوريون الى الطريق العسكرية هو لم يفكر في أي يوم بانه يجب على اسرائيل ان تصبح اسبرطة. العكس هو الصحيح. ففي نيسان 1956، في ذروة عملية الثار التي سبقت عملية سيناء توجه اليه صديقه القديم شلومو تسيمح وعبر عن تخوفه من المسار الذي تسير فيه الدولة. بن غوريون رد عليه برسالة قصيرة، عبرت بشكل جيد عن رؤيته، ومن الجدير هنا اقتباسها بالكامل: “مستقبل الشعب اليهودي لن يبنى على حد السيف فقط. الجيران يفرضون علينا الحرب، ونحن سنحارب طالما أنه يوجد خطر يحدق بوجودنا. ولكن نحن لن نبني مستقبلنا على الحروب.
“مستقبل اسرائيل سيتم تاسيسه فقط على القدرة على العمل والانتاج، مشاريع الاستيطان، اقامة المصانع والزراعة، الفتوحات العلمية وتطور الفن والادب، والرؤية التي يجب نقلها للاجيال القادمة، رؤية العمل والعدالة والحقيقة والسلام وحرية الانسان”.
في 1956 لم يكن امام اسرائيل أي خيار حقيقي لتحقيق السلام مع الدول العربية. ولكن حرب الايام الستة بانجازاتها الجغرافية فتحت الطريق الى انهاء النزاع على اساس الصيغة الواضحة التي جاءت في قرار الامن 242 في تشرين الثاني 1967، الذي في اساسه كانت اعادة المناطق التي تم احتلالها في الحرب مقابل انهاء النزاع واعتراف الدول العربية باسرائيل.
نقطة انطلاق كل خطط السلام منذ ذلك الحين هي حق اسرائيل في العيش بسلام وأمن داخل الحدود التي عاشت فيها حتى بداية حزيران 1967. هذا كان الاساس لاتفاق السلام مع مصر، الذي في اطاره انسحبت اسرائيل حتى السم الاخير في شبه جزيرة سيناء وحصلت في المقابل على الهدوء والتعاون الامني، الذي استمر لاكثر من اربعين سنة. هكذا ايضا مبادرة السلام للجامعة العربية (المبادرة السعودية) من العام 2002، وايضا الاقتراح الاخير للاتفاق – الاقتراح الفرنسي – السعودي، الذي في الحقيقة حصل على ادانة من اليمين، ولكن بدون طرح بديل حقيقي، باستثناء “حلم اسبرطة” الذي طرحه نتنياهو. 
ان جذور مشكلة وجودنا الان تكمن في غياب حلم شامل لمواجهة المشكلة الرئيسية لدولة اسرائيل: الاحتلال المتواصل الذي يخلد النزاع، والذي في اطاره كوارث مثل حرب يوم الغفران وهجوم 7 اكتوبر اصبحت امور لا يمكن منعها. استمرار الحرب وتدمير غزة وعشرات آلاف المدنيين الذين قتلوا هناك، كل ذلك جعل اسرائيل الى دولة منبوذة وتعرض للخطر اتفاقات السلام. جميعها معا تخلق نقطة الانطلاق الاكثر اهمية في تاريخ المشروع الصهيوني منذ 1967.
لا حاجة الى اطالة الحديث عن اليمين، الذي يقترح تعميق الكارثة ردا على هذه الانعطافة التاريخية. المشكلة هي مع زعماء المعارضة. فجميعهم، باستثناء يئير غولان، يخشون من طرح رؤية بديلة للكارثة المستمرة، التي ثمنها دفعناه في السابق وندفعه الآن وسنواصل دفعه اكثر في المستقبل.
أن تكون “مستقيم”، كما يقترح غادي ايزنكوت، هذا امر مهم. ايضا بن غوريون فكر بهذه الطريقة. ولكنه ايضا كان على قناعة بان مستقبل الدولة سيتم تاسيسه على العدل والسلام وحرية الانسان. هذه المباديء لا يمكن تحقيقها طالما استمر الاحتلال. لقد حان الوقت لتوضيح زعماء المعارضة موقفهم من هذه القضية الوجودية باقوال واضحة، وليس بخطط ضبابية تناسب ما يريد الوسط في اسرائيل سماعه، ولكنها لا تشكل البديل الحقيقي لحلم “اسبرطة”. 
باختصار، لقد حان الوقت لأن يظهروا الزعامة، وطرح رؤية لمستقبل الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى