ترجمات عبرية

هآرتس: للشرق الأوسط توجد خريطة طريق خاصة به غير متعلقة بهوية الرئيس الأمريكي

هآرتس 5/11/2024، تسفي برئيلللشرق الأوسط توجد خريطة طريق خاصة به غير متعلقة بهوية الرئيس الأمريكي

“في فترة ولايتي كان هناك سلام في الشرق الاوسط، وفي القريب سيكون لدينا سلام مرة اخرى. أنا سأحل المشكلات التي اوجدتها كمالا هاريس وجو بايدن، وسأوقف المعاناة والدمار في لبنان. سنعود الى سلام حقيقي ودائم وسنفعل ذلك كما يجدر بحيث لا يكرر نفسه كل خمس أو عشر سنوات”، هذا ما بشر به دونالد ترامب في 30 تشرين الاول أكثر من 30 مليون متابع له. اقواله وجهت في الواقع الى الجالية اللبنانية الكبيرة في ميتشيغان (الذين وعدهم بأنه “سيحافظ على الشراكة المتساوية بين جميع الجاليات اللبنانية”). ولكن ترامب يعرض رؤيته وكأنها بشرى لكل الشرق الاوسط.

رغم أن ابنته تيفاني متزوجة من ابن رجل اعمال لبناني، إلا أن هناك شك كبير اذا كان ترامب يعرف ويفهم التعقيد الكبير لبنية التجمعات الدينية والطائفية في لبنان ومنظومة القوى السياسية فيه بصورة ستساعده في الدفع قدما بـ “صفقة جيدة” تهديء الدولة وربما كل المنطقة. حتى في لبنان نفسه تصعب ملاحظة الانفعال من احتمالية أن يكون ترامب هو الرئيس الامريكي القادم للولايات المتحدة.

كمالا هاريس ايضا لا تثير الكثير من الآمال في المنطقة. بشكل عام دول الشرق الاوسط (بما في ذلك الدول غير العربية مثل تركيا وايران) لا تنقسم بين مؤيدة لترامب ومتحمسة لهاريس، بل هي منقسمة بشكل تخطيطي الى كتلتين اساسيتين، التي ليست سنة وشيعة، أو مع أو ضد امريكا كما هو دارج الاعتقاد، في كتلة منهما توجد “دول قائدة” التي بدأت بتخطيط الاستراتيجية استعدادا لتبديل النظام في واشنطن. وفي الكتلة الاخرى دول تنتظر المخلص الذي سيخلصها من الحروب التي تغرق فيها منذ سنوات كثيرة. في العالم الاول في الشرق الاوسط توجد دول النفط الغنية مثل السعودية والامارات وقطر، الى جانب دول مثل تركيا ومصر. في المقابل، “العالم الثالث” في الشرق الاوسط يشمل دول مثل اليمن، لبنان، العراق، وفي الضواحي توجد افغانستان وتونس ايضا. في رزمة منفصلة توجد ايران وفلسطين، بؤر المواجهة والتهديد التي تؤثر ليس فقط على الشرق الاوسط بل على استراتيجية العالم التي تشمل ايضا دول عظمى مثل روسيا والصين.

هذه “الرزمة” تنتقل بالوراثة من ادارة امريكية الى اخرى، ولم يتم حتى الآن العثور، ويبدو أنه لن يتم، على الساحر الامريكي الذي سينجح في تحرير المنطقة من شرنقة النزاعات التي تمتد منذ سنوات التي تطورت فيها. في ميزان نجاحات واخفاقات الادارات الامريكية (بشكل ملموس – مقارنة بين ادارة بايدن وادارة ترامب) تصعب الاشارة حتى الى انتصار بالنقاط. ايضا الانجاز السياسي الكبير لترامب، “صفقة القرن”، التي اوجدت اتفاقات ابراهيم لم تجلب أي تغيير حقيقي في نسيج التهديدات الاقليمية. خلافا لاتفاق كامب ديفيد فان اتفاقات ابراهيم لم تنه أي حرب ولم تقض على أي مواجهة عنيفة. اضافة الى ذلك هي لم تبعد العبوة الناسفة الرئيسية الكامنة في النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين، الحرب في غزة تهدد اركان اتفاقات السلام بين اسرائيل ومصر والاردن، الخطة الايرانية تستمر في التقدم بكامل الزخم، ومواجهات محلية تواصل الغليان دون صلة بهوية من جلس ومن سيجلس في البيت الابيض.

الأمل في أن الرئيس الامريكي الجديد سيحدث ثورة استراتيجية تُحل “السلام العالمي”، أو على الاقل الاقليمي، يتجاهل التقديرات القاسية التي تم تعلمها في الدورات الاخيرة لرؤساء الولايات المتحدة، ناهيك عن كل تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة والشرق الاوسط.

هذه الامور يتم قولها ايضا، ضمن امور اخرى، في نفس هذا الحلم حول حلف الدفاع الاقليمي الذي يشمل التطبيع بين اسرائيل والسعودية، والذي يهدف فقط الى اقامة جدار دفاع ضد ايران. ترامب في ولايته السابقة لم يدنسها، وادارة بايدن قفزت بلطف خلال الاربع سنوات عن نفس “الخطوة” التي فصلت بين القدس والرياض ولم تنجح في اجتيازها. وقد تبين أنه بالذات نزاع محلي تم اهماله، نفس هذا الاسفين الفلسطيني، يستمر بالانغراز بين اجزاء نفس السياسة متعددة القوميات ويزعج اللعبة الرئيسية. 

الضغط الكبير لترامب الذي شمل سلة جزر وعصي للفلسطينيين لن يرضيهم، لا سيما بعد أن قام بنقل السفارة الامريكية الى القدس واعترف بضم هضبة الجولان. وهو بالتأكيد لم يتمكن من تقريب نتنياهو من الاعتراف بحق الفلسطينيين بدولة. بايدن (الذي في بداية ولايته تجاهل القضية الفلسطينية غير الاتجاه وحاول استغلال الحرب في غزة للدفع قدما بحل الدولتين) – تحطم على صخرة وجود نظام نتنياهو. سواء ترامب أو نتنياهو، بالضبط مثل اوباما وكلينتون وبوش، تعلما الدرس الصعب الذي يثبت بأنه لا توجد علاقة حقيقية بين حجم المساعدات التي تحصل عليها اسرائيل وبين قدرة الولايات المتحدة على الحصول في المقابل على انجاز سياسي حقيقي. هذا ليس درس متميز الذي يميز فقط علاقات الولايات المتحدة – اسرائيل. الاموال الطائلة التي صبها دافع الضرائب الامريكي في العراق وفي افغانستان لم تضمن تحالف بعيد المدى بين هذه الدول والولايات المتحدة. فالعراق، الشيعي في معظمه، اصبح دولة حماية ايرانية، وافغانستان، السنية، تسيطر عليها طالبان.

دول “العالم الاول” العربية، التي تمتلك قوة سياسية واقتصادية كبيرة اعترفت بأن البنية التكتونية التي فيها الولايات المتحدة هي حزام الامان الثابت لها، تعاني من شروخ تجبرها على اجراء فحص داخلي لرؤيتها الاستراتيجية. ترامب، الصديق المقرب والشريك الاقتصادي للسعودية، عزز مخاوف الرياض عندما ادار ظهره لها بعد أن هاجم الحوثيون منشآت النفط فيها في 2019. بايدن بدأ حملته الانتخابية بتعهد وهو تحويل السعودية الى دولة منبوذة في اعقاب قتل الصحافي جمال الخاشقجي، وحول ولي العهد محمد بن سلمان الى شخص غير مرغوب فيه في واشنطن.

ايضا دولة الامارات، العروس في اتفاقات ابراهيم، بقيت بدون تحقيق طموحاتها بعد عدم حصولها على طائرات اف 35 التي وعدت بها. هاتان الدولتان فتحتا لانفسهما آفاق جديدة عندما قامتا بتحسين العلاقات مع الصين وروسيا واستأنفتا العلاقات الدبلوماسية مع ايران. وهما استخفتا بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا (اصبح الاوليغاركيون الروس من أهل البيت في دول الخليج). هذه الدول الى جانب الاردن ومصر لا تعتبر شريكة في الحلف العسكري الذي اقامته الولايات المتحدة في البحر الاحمر لصد تهديد الحوثيين. وكلها أكدت على أنها لن تسمح باستخدام سمائها أو اراضيها كقاعدة انطلاق للهجمات ضد ايران. خلافا لدول “العالم الثالث” العربية فان دول الخليج التي قامت بتحديث استراتيجيتها، رسمت فقط خارطة مصالح جديدة، فيها الدول العظمى التي تم ابعادها في السابق الى خلف الجدار اصبحت صديقة للاغراض الاقتصادية أو التكتيكية. وهي اشارت الى الولايات المتحدة بأنه في حقل النفوذ الاقليمي توجد منافسة فيها الولايات المتحدة هي الشريكة المفضلة، لكنها لم تعد تمتلك الامتياز الحصري. 

أي رئيس سيدخل الى البيت الابيض يجب عليه الحذر في معالجة العبوات الناسفة السياسية والعسكرية التي تنتظره في الشرق الاوسط. في الوقت الحالي الحديث يدور عن مرشحين لم يقوما بعد بعرض خطة تقنية منظمة للطريقة التي ينويان تحسين وجه الشرق الاوسط من خلالها وحل النزاعات فيه. التقديرات التي تقول بأن كمالا هاريس “اكثر خطورة” على حكومة اسرائيل الحالية، وأن دونالد ترامب اكثر خطورة على العرب هي تقديرات فقط. هذه التقديرات تفترض أن هاريس جاءت مع ملف اعمال مرتب تمت صياغته على يد بايدن (الذي في مركزه يوجد حل الدولتين وانهاء الحرب في غزة واتفاق في لبنان وعملية معينة مع ايران). ترامب يمكنه عرض اعمال شعوذة هستيرية، سيعطي فيه يد حرة لاسرائيل من اجل تسوية قطاع غزة واقامة فيه نفيه ترامب، واحتلال منطقة امنية في لبنان وقصف المنشآت النووية الايرانية. 

لكن هذه النظرية تفترض، رغم الدلائل المتناقضة بأنه في هذه المرة التجربة المخبرية ستنجح؛ وأن واشنطن ستقوم بلي ذراع اللاعبين الرئيسيين وصهرهم في تحالف أخوي سعيد. ولكن هذه النظرية مرة اخرى لا تأخذ في الحسبان حركة البندول الاقليمي التي فيها أي نزاع محلي يمكن أن يشعل الحرب الشاملة، وحقيقة أنه يوجد لدول المنطقة وزن ومكانة تمكنها من التقرير على الاقل الكثير من قواعد اللعب دون صلة بهوية الرئيس الامريكي الجديد. 

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى