هآرتس: لا يوجد لدى إسرائيل حل حقيقي لمعضلة غزة

هآرتس 2023-05-13، بقلم: عاموس هرئيل: لا يوجد لدى إسرائيل حل حقيقي لمعضلة غزة
نفّذ الجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن 15 عملية عسكرية في قطاع غزة منذ الانفصال عنه في صيف 2005. ماذا حققت هذه العمليات، بدءاً من “المطر الأول” [أيلول 2005]، وصولاً إلى “حارس الأسوار” [أيار 2021]؟ لم تحقق الكثير، حتى لو أنه من المحتمل جداً أنه لم يكن أمام إسرائيل، في جزء من هذه الحالات، خيار آخر غير العملية العسكرية. منذ البداية، كان واضحاً أن احتمالات تحقيق العملية الحالية “درع وسهم” نتائج مختلفة ضئيلة.
في المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالانت، أثنيا على العملية وعلى إنجازاتها وأهميتها. مع كل النيات الطيبة، من الصعب تصديق هذا الكلام. لا يمكن أن نصدق غالانت، فهو يبدي إعجابه بأداء نتنياهو الذي حاول إقالته من منصبه قبل قرابة شهر ونصف، لأنه فقط قال الحقيقة بشأن المخاطر التي ينطوي عليها الانقلاب القضائي. ولا عندما ادّعى نتنياهو، من دون أساس، أن الضرر الذي لحق بـ “الجهاد الإسلامي” هو أكبر من أي عملية سابقة.
يبدو أن أغلبية الجمهور الإسرائيلي لا تصدق هذه العواطف المبالغ فيها، مثلما لم تصدق الإعجاب الكبير الذي أبدته وسائل الإعلام بعملية “بزوغ الفجر” في أيام الحكومة السابقة. لو كانت هذه العمليات ناجحة كما يقال عنها، لما كنا بحاجة إليها مرة على الأقل في كل عام، بينما الفجوة التي تفصل بينها تقصر باستمرار.
الحقيقة البسيطة هي التالية: ليس لدى إسرائيل أي حل حقيقي لمشكلة غزة، أو للمخاطر الأمنية التي يشكلها القطاع في ظل سلطة “حماس”. معظم العمليات الإسرائيلية، عسكرية كانت أم اقتصادية، تتناول إدارة النزاع، وأقصى ما تفعله تأخير الانفجار المقبل. في هذه الأثناء، تتوقع الحكومات المتعاقبة التي تشن عمليات دورية في القطاع، أن تؤدي الضربة العسكرية التي تلقتها التنظيمات الفلسطينية إلى ضبط توازُن الردع، أي تزيد في فرص سيطرة الهدوء على الحدود عدة أشهر.
العميد نمرود ألوني، الذي كان قائداً لفرقة غزة في أثناء العمليتين العسكريتين السابقتين “حارس الأسوار” (أيار2021) و”بزوع الفجر”، كتب في مقال نُشر في تشرين الثاني الماضي في المجلة العسكرية “بين الأقطاب”: “إن العملية الثانية عززت توجُّه “حماس”، كما تجلى في السنة الماضية، نحو كبح الجهاد الإسلامي والتنظيمات الأُخرى، وامتنعت هي من استخدام القوة بصورة تلقائية. هذا الكبح ناجم، قبل كل شيء، عن التخوف من الانجرار إلى حرب مع إسرائيل من دون أن تكون “حماس” تنوي ذلك… وأيضاً من الرغبة في تعزيز نفسها سياسياً في القطاع وتوجيه الجهود نحو تشجيع “الإرهاب” خارج أراضي القطاع، وإتاحة المجال للاستمرار في ترميم غزة، سواء ذراعها العسكرية أو الاقتصاد الغزّي الذي تستفيد منه الحركة مالياً وسياسياً أيضا”.
يكشف كلام ألوني، الذي يصف فيه العمليتين السابقتين بالناجحتين، طريقة التفكير السائدة لدى المستوى السياسي والمؤسسة الأمنية. ووفق هذه النظرة، يمكن التوصل إلى حل مع “حماس”، على الأقل خلال زمن محدد، على الرغم من عدائها الأيديولوجي الشديد لإسرائيل. الخطر الأساسي يأتي من “الجهاد الإسلامي”، الذي يحاول كل بضعة أشهر إشعال مواجهة في القطاع نفسه. بينما تفضل “حماس”، لاعتباراتها، اندلاع النيران في ساحات أُخرى ليست تحت سيطرتها، مثل القدس والضفة الغربية.
طوال العملية الحالية، حرص الجيش الإسرائيلي على التوضيح أن “حماس” لا تشارك فعلاً في إطلاق مئات الصواريخ على الأراضي الإسرائيلية، وأن الذي يطلقها هو “الجهاد الإسلامي” وفصائل فلسطينية صغيرة. أعطتهم “حماس” الموافقة المبدئية على ذلك، وتُصدر بيانات تأييد بوساطة غرفة العمليات المشتركة للفصائل في القطاع. وغاب عن بيانات الجيش الإسرائيلي البند التقليدي الذي يحمّل “حماس” مسؤولية ما يجري في القطاع بسبب سيطرتها عليه.
مع ذلك، يمتنع الجيش والمستوى السياسي في إسرائيل من مناقشة مسألة ما إذا كان التمييز الذي تقوم به إسرائيل بين “حماس” و”الجهاد الإسلامي” يخدمها؟ أليس في هذا محاولة للكذب على النفس؟ في نهاية الأمر، وعلى الرغم من “الطبطبة على الكتف” التي تقوم بها إسرائيل مع نفسها، يدركون في غزة أن الإسرائيليين يفضلون عدم التصادم مباشرة مع “حماس”. وتنجح الحركة في ضرب إسرائيل من خلال تنظيمات صغيرة من دون أن تدفع هي الثمن.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook