هآرتس: لا نصر مطلق بل حرب خالدة

هآرتس 21/6/2024، عاموس هرئيل: لا نصر مطلق بل حرب خالدة
لحظة الحقيقة، ستأتي في الحرب كما يبدو خلال بضعة اسابيع. الجيش الاسرائيلي سيستكمل عمليته الهجومية في رفح تحت قيود امريكية، وهو بعيد عن هزيمة حماس المطلقة، وسيرغب في الاعلان عن النهاية. الجنرالات سيأتون الى رئيس الحكومة نتنياهو وسيطلبون مساعدته في الحصول على وضوح استراتيجي. هم سيوصون بانهاء المعركة في قطاع غزة في اطارها الحالي. في الجيش سيعرضون تقليص حجم القوات، المحدود أصلا، التي تعمل في محور فيلادلفيا على الحدود المصرية وفي الممر الآخر في وسط القطاع والتركيز على مداهمات لاهداف اخرى لحماس، ومرة اخرى اعطاء الفرصة لعمليات اخرى.
هذه الخطوات يمكن أن تشمل محاولة لاعادة تحريك الاتصالات حول صفقة تبادل ووقف النار في القطاع. واذا نجح ذلك، الاحتمالات لا تبدو كبيرة في هذه الاثناء، فانه سيكون بالامكان استغلال الوقت من اجل فترة تنشيط للمقاتلين، وخلال ذلك ستجرى محاولة امريكية اخيرة لعقد اتفاق سياسي في لبنان يهدف الى ابعاد قوات حزب الله عن الحدود الاسرائيلية. في ظل غياب ذلك ستجرى استعدادات لامكانية اندلاع حرب شاملة في الشمال. وفي نفس الوقت ستبدأ عملية منظمة لبناء قوة وطنية، استثمار كثيف في تحسين قدرات الجيش واستعداد الجبهة الداخلية لحالة ستتحقق فيها التنبؤات القاسية وتجد اسرائيل نفسها في المستقبل امام مواجهة متعددة الساحات واكبر وبقيادة اسرائيل.
في نهاية الاسبوع الماضي تم احصاء 11 قتيل للجيش الاسرائيلي في القطاع، من بينهم 8 من جنود الهندسة الذين قتلوا في انفجار ناقلة الجنود المدرعة من نوع “النمر” في رفح. ولكن عدد الخسائر في يومين هو مؤشر مضلل حول حجم وقوة القتال. عمليا، يبدو أن حماس سحبت جزء كبير من قواتها من المدينة.
في الجيش الاسرائيلي قدروا في هذا الاسبوع أن قتلى حماس في معارك رفح بحوالي 550 قتيل. كثيرون آخرون تركوا وانتقلوا الى الشمال، وهم من شأنهم أن يشكلوا لحماس قوة احتياط ستعيد فرض السيطرة في القطاع بعد انسحاب اسرائيل. آجلا أم عاجلا حماس ستضطر الى مواجهة غضب جزء من السكان على ما فعلته اسرائيل بسببها في القطاع. ومن اجل ذلك هي بحاجة الى فرض السيطرة المسلحة بقوة الذراع.
المسلحون القلائل نسبيا الذين بقوا في رفح ينفذون هجمات محددة هدفها قتل جنود اسرائيليين. بالاساس هم يهتمون بتوثيق ذلك بافلام الفيديو التي يتم نشرها في وسائل الاعلام العربية وفي الشبكات الاجتماعية. ومقارنة مع المعارك في شمال القطاع في بداية الحرب فان قوة القتال في رفح محدودة.
في “صوت الجيش” نشر في هذا الاسبوع تقدير متفائل لقيادة المنطقة الجنوبية يقول إن 14 ألف مخرب من حماس، من بين قوة تبلغ 30 ألف شخص، قتلوا في المعارك. نصف الـ 24 قائد كتيبة لم يعودوا موجودين. منظومة القيادة والسيطرة تضررت بشكل كبير، وقد بقي لحماس بضعة مئات من الصواريخ بمدى متوسط التي يمكنها ضرب غوش دان ومنطقة اسدود. ويضاف الى ذلك تنبؤ متفائل اكثر يقول بأنه في شمال القطاع اذا استمر ضرب حماس فربما تنضج الظروف فيما بعد لخلق جسم سلطوي بديل.
بخصوص قضية المخطوفين لا توجد للجيش في هذه الاثناء أي بشائر مشجعة. النجاح المثير للانطباع في عملية التحرير الاخيرة، انقاذ اربعة مخطوفين على قيد الحياة في مخيم النصيرات قبل اسبوعين، هو بمثابة الامر الشاذ عن القاعدة، الذي يدل على القاعدة. في افضل الحالات ستتهيأ فرص لعمليات انقاذ معدودة اخرى، وهذه ستنطوي على مخاطرة كبيرة ولن تؤدي الى تحرير عدد كبير من المخطوفين. صحيفة “وول ستريت جورنال” نشرت أمس بأنه فقط 50 من بين الـ 120 مخطوف الذين بقوا في القطاع ما زالوا على قيد الحياة. وحسب الاحصاء الرسمي فان العدد أكبر من ذلك.
وسائل الاعلام في اسرائيل تقريبا لم تتطرق للمخطوفين في هذا الاسبوع. والمظاهرات من اجل انقاذهم لا تنجح في جر خلفها جمهور واسع. الولايات المتحدة القت المسؤولية عن تجميد المحادثات على حماس التي رفضت عرض امريكا – اسرائيل الاخير. في هذه الظروف لا توجد أي وسيلة ضغط حقيقية على الحكومة لحثها. الساخرون سيقولون إن مشكلة المخطوفين آخذة في التضاؤل والانكماش. في هذه الاثناء الائتلاف يمكنه التركيز على محاولة الدفع قدما بقانون الوظائف لرجال الدين وشرعنة قانون تهرب الحريديين من الخدمة العسكرية.
في الشمال سجل في هذا الاسبوع يومين ونصف من التخفيف النسبي في هجمات حزب الله. هذا لم يحدث بفضل تصميم الجيش الاسرائيلي، بل بسبب قرار لبنان انزال القدم عن دواسة البنزين في عيد الاضحى. عمليات القصف تصاعدت مرة اخرى عند انتهاء العيد. الجيش الاسرائيلي يستمر في حملة الاغتيالات للقادة الميدانيين والشخصيات الرفيعة والاقل اهمية في حزب الله. في الخلفية تسمع تهديدات كثيرة متغطرسة من سياسيين وضباط حول قدرة اسرائيل على المس بالمنظمة الشيعية ودولة لبنان الفاشلة حوله.
رئيس حزب الله، حسن نصر الله، القى أول امس خطاب هجومي آخر، ربما الاكثر هجومية الذي اسمعه منذ بداية الحرب. مبدئيا حسن نصر الله تمسك برؤية الحزب كقوة مساعدة في الحرب الحالية: حماس تقود المعركة في حين أن حزب الله يهاجم في الشمال ويجعل اسرائيل تحتفظ بقوات كبيرة هناك، لكن الجيش الاسرائيلي لا ينتقل الى مرحلة الهجوم البري. هو ايضا هدد بالمس بقبرص التي حسب رأيه تنوي السماح لسلاح الجو الاسرائيلي بالانطلاق للهجوم من اراضيها في حالة حدوث حرب شاملة. ولكن الاكثر اهمية هو ما يختفي بين السطور: حسن نصر الله كما يبدو يتشكك في أن توجه اسرائيل هو نحو الحرب الشاملة، وهو يقوم باعداد حزبه لهذه الاحتمالية. ؤ
خلال الاسبوع قام عاموس هوخشتاين، المبعوث الامريكي، برحلات مكوكية بين بيروت والقدس. وقد نشر بأنه نقل رسائل تهديد من اسرائيل الى لبنان. وحزب الله رد باشارات خاصة به. الحزب قام بنشر صور لمسيرة تابعة له من ميناء حيفا ظهرت فيها سفن سلاح البحرية التي ترسو في قاعدة السلاح وكأنها في استعراض، وكأنها لا تتعرض لخطر الهجوم من الشمال.
في صورة الوضع الاساسية لم يحدث مؤخرا أي تغير حقيقي في الجبهتين. الحكومة والجيش لا ينجحان في النجاة من الشرك الاستراتيجي العميق الذي دخلنا اليه منذ 7 تشرين الاول. لا يمكن رؤية في الافق أي موعد هدف، سواء اعادة المخطوفين أو انهيار حماس (الهدف المستحيل تحققه تقريبا) أو عودة سكان المنطقة الشمالية الى بيوتهم.
تحدث، يا هرتسي
نتنياهو الذي يعرف موقف الجيش لا يميل الى الاستجابة له. هو يستمر في الاعلان بأن الحرب الضروس ضد حماس ستستمر بقدر ما يحتاج الامر. رئيس الحكومة عاد لنثر الوعود عن النصر المطلق على مؤيديه (رغم التسويق الحثيث للرسالة في القناة 14، القبعات التي يرفرف عليها هذا الشعار لا تغرق وبحق الشوارع). عمليا، توجد هنا حرب خالدة اكثر من النصر المطلق. هدف نتنياهو الاسمى هو البقاء. اجتياز دورة الكنيست الصيفية والانتظار على أمل فوز دونالد ترامب في الانتخابات الامريكية للرئاسة في تشرين الثاني القادم. هذا افضل بالنسبة له من البديل، وقف دائم لاطلاق النار في القطاع (مع صفقة تبادل) واعتراف فعلي بالفشل في تحقيق اهداف الحرب، وتقريبا بصورة مؤكدة ايضا انسحاب احزاب اليمين المتطرف من الائتلاف وانهيار الحكومة. بسبب أن البقاء السياسي هو الهدف الاسمى فانه ستقل اهمية تداعيات اخرى متوقعة نتيجة ادارة حرب بدون نهاية: عبء متزايد على الجنود النظاميين والاحتياط، ازمة متفاقمة مع الادارة الامريكية والمس بالشرعية الدولية للعمليات الاسرائيلية.
بدون الاستخفاف بالروح القتالية واخلاص المقاتلين والقادة في الميدان فانهم في هيئة الاركان يدركون الحاجة الى اجراء تغيير في استراتيجية اسرائيل. عندما يتم نشر الامور على الملأ – العنوان الرئيسي في “هآرتس” في يوم الثلاثاء الماضي، وفي مقابلة مع المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي، دانييل هغاري في “اخبار 13” في اليوم التالي (تدمير حماس هو ببساطة ذر للرماد في العيون) – فانه يتم الرد عليها بهجوم بيبي مضاد. احد الابواق الرائدة حتى تم ارساله لاتهام رئيس الاركان، هرتسي هليفي، بأنه يطمح الى الابقاء على سلطة حماس.
منذ منتصف الاسبوع فان مكتب رئيس الحكومة والمتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي يتناوشون فيما بينهم بواسطة البيانات الرسمية باسلوب سلبي – عدائي. هذا الامر يخدم بيبي مرتين. المرة الاولى، كل عملية تنس طاولة كهذه تحرف النقاش عن الفشل المزدوج الذي حدث تحت مسؤوليته – المذبحة في 7 تشرين الاول والادارة الفاشلة للحرب. الثانية، هو يقدم دفع كامل بالغيبة لعدم تحقيق اسرائيل لاهداف الحرب التي وضعها هو نفسه. دائما هناك شخص آخر لاتهامه: الجيش، المتظاهرين، اليساريين الذين يحصلون كما يبدو على التمويل الاجنبي (كما قال في هذا الاسبوع في احتفال الذكرى لقتلى سفينة التلينا)، الرئيس الامريكي.
هليفي ما زال رسميا، عقلانيا، حذرا من الانجرار للعاطفة ويفقد الصبر بالتدريج. هو يعطي هامش مناورة للمتحدث باسمه، واحيانا ينجر هو نفسه لتبادل اقوال قاسية مع سياسيين. في هذا الاسبوع تم تسريب مواجهات له من جلسات الكابنت مع وزراء اليمين المتطرف، بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير.
نغمة رئيس الاركان كانت لادغة، وتضمنت ملاحظات حول غياب التجربة العسكرية (بن غفير تم استبعاده من الخدمة العسكرية بسبب نشاطاته كفتى في حركة كهانا. سموتريتش خدم في وقت متأخر ولفترة قصيرة). رئيس الاركان يذهب حتى النهاية، لكن مرؤوسيه هناك كانوا يريدون رؤيته اكثر جرأة. الاوقات الصعبة تقتضي اقوال فظة: قم بعرض آلية انتهاء في رفح، طالب بالتقدم نحو صفقة التبادل، قم بتنسيق التوقعات مع الجمهور بخصوص ما ينتظرنا في الجبهة الداخلية اذا اندلعت حرب شاملة في الشمال. تحدث، يا هرتسي، تحدث.
في يوم واحد، هذا الاسبوع، وفي رحلات بين الجنوب ومقر وزارة الدفاع والشمال التقى رئيس الاركان مع آباء المجندات المخطوفات ومع سكان كيبوتس نير عوز الصغير، الذي قتل حوالي ربع سكانه أو تم اختطافهم الى القطاع في 7 تشرين الاول، قبل وصول قوات الجيش الاسرائيلي اليه في الثانية ظهرا، ولم يطلق حتى أي رصاصة. المحادثات كانت مشحونة وصعبة، أحد سكان الكيبوتس القدامى تحدث عن الساعات الطويلة التي اختبأ فيها في الغرفة الآمنة، حيث كان المخربون هائجون ويذبحون في الخارج، الامر الذي ذكره بقصص والدته عن الكارثة. زوجة احد المخطوفين اجرت مقارنة مع حرب يوم الغفران وقالت: “زوجي الذي كان جندي في الاحتياط استغرقه وقت أقل للوصول من النقب الغربي الى المعارك في شبه جزيرة سيناء في ظهيرة يوم السبت من الوقت الذي استغرق قوات الجيش الاسرائيلي للوصول الى الكيبوتس، رغم المواقع والمعسكرات التي توجد في محيطه”.
هليفي وعد بالبدء في استكمال التحقيقات العسكرية حول الحرب وعرض الاستنتاجات على الجمهور في بداية شهر تموز (تحقيق المذبحة في كيبوتس بئير سيتم استكماله في الاسبوع الثاني في الشهر). لقد حلقت فوق هذه اللقاءات مشكلة المخطوفين. 35 من سكان الكيبوتس ما زالوا محتجزين في القطاع، 22 من بينهم يبدو أنهم ما زالوا على قيد الحياة. وبدون اعادتهم فان الجرح في العلاقات بين سكان بلدات الغلاف، وكل الجمهور، وبين الجيش والدولة لم يبدأ حتى في الالتئام.