هآرتس: لا توجد حروب جميلة، المدنيون يتوقع أن يدفعوا ثمنا باهظا
هآرتس 18/9/2024، يوسي ميلمان: لا توجد حروب جميلة، المدنيون يتوقع أن يدفعوا ثمنا باهظا
“يا لها من حرب رائعة”. هذا كان اسم مسرحية غنائية بريطانية عن الحرب العالمية الاولى. وقد تم تحويلها في 1969 الى فيلم مناهض للحرب. أنا تذكرت في هذا الاسبوع هذه المسرحية اللاذعة، التي تستخف بتفاهة الحرب والجنرالات الاغبياء الذين يرسلون الجنود الى موتهم بسرور. وقد تذكرت ذلك عندما سمعت مؤخرا مراسلون ومحللون عسكريون وسياسيون في الاستوديوهات وهم متحمسون للحرب في لبنان. وقد شرحوا بجدية متجهمة لماذا من المهم الآن لاسرائيل شن حرب ضد حزب الله. لماذا لا يوجد أي خيار عدا عن الانبراء وغزو لبنان مرة اخرى. هم ايضا لا يتحدثون عن حرب قصيرة بل عن حرب طويلة وصعبة. ولكن فقط القلائل من بينهم يتجرأون عن التحدث عن الثمن الباهظ الذي سيدفعه مواطنو اسرائيل.
في الـ 15 سنة الاخيرة شاركت في عدد غير قليل من المحادثات والاحاطات مع ضباط كبار في قيادة الجبهة الداخلية، الذين وصفوا سيناريوهات مرعبة عن حرب سيتم فيها اطلاق عشرات آلاف الصواريخ من جميع الانواع نحو الجبهة الداخلية، لا سيما المدن الكبرى. مئات الآلاف سيتم اخلاءهم من بيوتهم، آلاف المباني ستدمر، في السيناريوهات الجبهة الداخلية تستعد لاقامة مدن خيام في النقب، وتحويل المدارس والمباني الثقافية من اجل ايواء المخلين. الطلاب لن يذهبوا الى المدارس. شركات طيران اجنبية ستوقف رحلاتها الى اسرائيل. مطار بن غوريون سيتم استهدافه ويغلق، دول كثيرة ستطلب من مواطنيها الخروج من هنا، اقتصاد اسرائيل الذي هو في الاصل متعثر منذ سنتين تقريبا بسبب محاولة الانقلاب النظامي والحرب سينتقل الى حالة الهبوط الحر. وماذا بشأن الجيش الاسرائيلي؟ منشآته، من بين ذلك المطارات والمواقع الاستراتيجية، سيتم استهدافها ايضا. الجيش مرة اخرى سيضطر الى تجنيد مئات آلاف رجال الاحتياط المتعبين بسبب الحرب في غزة. في اوساط عدد غير قليل منهم تزداد الشكوك اذا كانوا سيوافقون مرة اخرى على ترك عائلاتهم والذهاب الى الحرب. واذا تمت اجازة قانون التهرب للحريديين فان دافعيتهم ستتآكل اكثر فأكثر.
تكلفة الحرب في غزة في السنة الاخيرة بلغت 250 مليار شيكل. الولايات المتحدة ملتزمة بتقديم مساعدات لاسرائيل في حالات الطواريء بمبلغ 14 مليار دولار اضافة الى المساعدات الامنية العادية بمبلغ 4.5 مليار دولار. ولكن حسب معلوماتي فانه فقط القليل من مساعدات الطواريء تم تحويلها حتى الآن لاسرائيل وهذا ليس بالصدفة. هذا دليل على عدم رضا الادارة الامريكية من روح المغامرة لدى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي من اجل بقائه الشخصي والسياسي مستعد لمواصلة الحرب الى الأبد، أو على الاقل حتى التأكد من فوزه في الانتخابات القادمة.
هناك قيود على قدرة منظومات الدفاع الجوية بمستوياتها الستة – القبة الحديدية، مقلاع داود، حيتس، طائرات سلاح الجو التي توجد في السماء، منظومات اعتراض جي.بي.اس، وايضا منظومة الليزر لاعتراض الصواريخ. هذه ستجد صعوبة في مواجهة سماء مليئة بالصواريخ والقذائف والمسيرات، وحماية الجبهة الداخلية ستكون جزئية على اقصى تقدير. الحرب ضد حزب الله في لبنان لا يمكن أن تكون فقط ضربة قاضية وانتهى الأمر. هي تحتاج الى تواجد عسكري كبير هناك، الامر الذي يعني حرب استنزاف وحرب عصابات من النوع الذي عرفه الجيش في جنوب لبنان حتى الانسحاب في العام 2000، والآن في قطاع غزة. حتى لو انطلقنا من فرضية أن الجيش الاسرائيلي والجبهة الداخلية سيظهرون موقف مصمم ويكونون قادرين على استيعاب حرب على جبهتين فهل هناك ضمانة بأنها ستتوقف هناك. الضفة الغربية تغلي، وبمساعدة الروح الداعمة لارهاب الاستيطان فانها على شفا الانتفاضة الثالثة. الجيش الاسرائيلي ينقل الى المدن في الضفة قتل القتال في غزة، وضمن ذلك الاستخدام المتزايد للمسيرات.
حرب متعددة الساحات تعني أن اسرائيل ستجد نفسها تحارب في غزة ولبنان والضفة الغربية وضد الصواريخ من اليمن وربما امام مليشيات شيعية في هضبة الجولان بتشجيع من ايران. معركة على حدود كثيرة تعتبر حرب وجودية، على صيغة حرب الاستقلال في 1948، التي سبق ورأيناها عشية حرب الايام الستة وفي بداية حرب يوم الغفران. هذه الافكار تخطر ببال زعماء اسرائيل الذين وجدوا انفسهم في حالة ذعر واحباط وظهورهم الى الحائط. حسب بعض المنشورات في حينه كان هناك من اقترحوا استخدام السلاح النووي، الذي كل العالم يقدر بأنه موجود لدى اسرائيل. من يعرف، ربما مرة اخرى ستطرح افكار كهذه اذا تطورت حرب اقليمية. هناك من سيقولون بأنني اعرض هنا حلم متشائم جدا، وأنه في نهاية المطاف الدولة التي تحب الحياة والمحاطة بالاعداء وتناضل على وجودها ستضطر الى أن تدفع ثمن معين. ولكن من يدعو للحرب يجب أن يكون مستعد ايضا لاسوأ السيناريوهات وأن يفحص كيفية انهائها وما هي احتمالية ذلك. ربما ستقولون بأنه لا يوجد أي خيار. وحسب رأيي ورأي بعض المحللين بالتأكيد يوجد خيار، الذي اسسه هي وقف اطلاق النار في غزة واعادة جميع المخطوفين حتى بثمن تحرير “مخربين ثقيلين” وادخال جهات فلسطينية وقوة عربية لادارة القطاع الى جانب مشاركة اسرائيل أمنيا ووقف النار مع لبنان واجراء مفاوضات حول تسوية بعيدة المدى مع حزب الله (مثل الاتفاق الذي صمد 17 سنة حتى تشرين الاول 2023)، ومشاركة الولايات المتحدة في تخفيف التوتر مع ايران ودعم تطبيع العلاقات مع السعودية، ومبادرة سياسية واقتصادية مع السلطة الفلسطينية. يجب على الاقل فحص هذا البديل. تذكروا: لا توجد حروب جميلة.