ترجمات عبرية

هآرتس: كانت إسرائيل فخورة بضبط النفس الذي تمارسه حماس، لكن العملية عززت موقفها

هآرتس 14-5-2023، بقلم جاكي خوري: كانت إسرائيل فخورة بضبط النفس الذي تمارسه حماس، لكن العملية عززت موقفها

العملية الحالية في قطاع غزة التي وافقت أمس (السبت) إسرائيل و”الجهاد الإسلامي” على إنهائها، تثبت ثانيةً أن المواطنين الفلسطينيين في القطاع، والإسرائيليين من سكان غلاف غزة تحولوا إلى رهائن لسياسة عديمة الجدوى، تحافظ على الوضع القائم وتضمن استمرار دائرة العنف.

 منذ 2019 تركز إسرائيل في نشاطاتها في القطاع على “الجهاد الإسلامي”، ابتداءً من اغتيال القائد الكبير في هذا التنظيم بهاء أبو العطا، مروراً بعملية “بزوغ الفجر” في آب الماضي وانتهاءً بأيامنا هذه. التركيز الإسرائيلي على “الجهاد” وجد تعبيره الواضح أيضاً بعد عملية “حارس الأسوار” في 2021. في هذه العملية، كانت حماس في الواقع جزءاً من المعركة، ولكن حماس باتت بعد ذلك تتخذ استراتيجية مختلفة، أساسها تجنب إشعال قطاع غزة ما دام مسلحون في الضفة الغربية يقودون المقاومة ضد إسرائيل.

 نتيجة لهذا الوضع، ليس لإسرائيل مصلحة في إيجاد حل لمشكلة غزة. على المستوى السياسي، الوضع القائم هو الأفضل لإسرائيل- فصل سياسي بين الضفة والقطاع، وقطيعة بين كلتا القيادتين، وسيرة حرب مطلقة على السكان المدنيين، وتسهيلات مدنية، وإدخال بضائع تجني منها إسرائيل ربحاً. كل هذه مريحة لإسرائيل، وما دامت لا تتعرض لتهديد استراتيجي حقيقي فهي قادرة على القيام بعملية عسكرية من حين لآخر مثل العملية التي نشهدها منذ الأسبوع الماضي. الخوف من ضرر كبير يلحق بالمدنيين إسرائيليين تقريباً اختفى بفضل تكنولوجيات الدفاع الجوي، وإمكانية المس بالفلسطينيين لا تشكل اعتباراً جوهرياً من ناحية معظم الإسرائيليين.

إسرائيل، والدول العربية، وبالتأكيد والإدارة الأمريكية سواء كانت ديمقراطية أم جمهورية، لا يريدون حسماً في غزة. لا أحد مهتم باحتلال القطاع وإعادة السلطة الفلسطينية إلى هناك؛ ليس هناك ضغط عربي وإقليمي لإنهاء الانقسام بين فتح وحماس، ولا توجد جهة تدفع نحو انتخابات في القطاع والضفة لحسم أمر من يحكم الشعب الفلسطيني، ويبدأ مفاوضات سياسية جدية مع إسرائيل. كل الأطراف تفضل أن يكون في الضفة وغزة كيانان، كل و”كنتونه” الخاص به.

هذه السياسة تخدم مصالح حماس. الإعلان عن وقف إطلاق النار أثبت ثانيةً أن هذا التنظيم ينجح في تثبيت صيغة بموجبها أنه غير معني باشتعال واسع، ولكنه يحتفظ لنفسه بهامش الردع. حماس مستعدة لقبول هذه النسخة حتى بثمن المس بكبار قادة الذراع العسكري لـ”الجهاد”، التنظيم الحليف والشريك في محور المقاومة ضد إسرائيل.

خلال العملية وحتى الإعلان عن وقف إطلاق النار، وجهت إسرائيل هجماتها فقط نحو أهداف تعود لـ”الجهاد الإسلامي” ولتنظيمات أصغر مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. في حين أن حماس ادعت بصورة رسمية أنها تشارك في غرفة العمليات المشتركة للفصائل الفلسطينية، وكلا الطرفين يدرك أن حماس ضبطت نفسها إزاء الهجمات الإسرائيلية، نظراً لخوفها من الرد وأنها غير معنية بفقدان ممتلكات والمس ببناها التحتية التنظيمية. فعلياً، لو وفرت حماس لباقي الفصائل الفلسطينية مساعدة لوجستية محدودة أو استشارة، فالتنظيم لم يكن شريكاً في القتال بصورة فعالة، الأمر الذي مكن إسرائيل من تجنب مهاجمته.

قد تدعي إسرائيل بأن عدم مشاركة حماس على نحو فعال في القتال يشكل إنجازاً ويدل على أنها خائفة. ولكن حماس رسخت مكانتها كضلع رئيسي في ميزان الردع. في الواقع، ليست بمستوى “حزب الله” في لبنان، ولكن التصريحات الإسرائيلية التي تعتبر عدم تدخل حماس كهدف، تدل على أن بإمكان هذا التنظيم أن يتحدى دولة مثل إسرائيل.

في نهاية العملية، يمكن الافتراض أن كلا الطرفين سيعود إلى الوضع الراهن الذي تثبت في السنوات الأخيرة؛ أي هدوء مقابل هدوء، يرافقه تسهيلات مدنية في المعابر وفي ساحة الصيد، ومساعدة مالية قطرية ومشاريع ستنفذها الأمم المتحدة. ولا شيء أكثر. في الواقع لحماس قدرة عسكرية كبيرة، وهذا التنظيم يطور أسلحة وصواريخ، ولكنه مسؤول عن مجموعة سكانية كبيرة، التي تغير منظومة اعتبارات قادتها، بحيث إنه حتى ولو تفاخروا بكونهم تنظيم مقاومة شعبياً فإنهم بالفعل يتبنون نماذج السلطة الفلسطينية.

 السلطة أُهملت

غداً، في 15 أيار، ستمر ذكرى النكبة، سيلقي رئيس السلطة الفلسطينية خطاباً في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. هذا الرجل الذي يتحدث منذ 30 عاماً عن حدود 1967، سيأتي للحديث أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن 1948. وهو يرى أمام عينيه كيف تآكلت إمكانية التوصل لحل الدولتين، وكيف فقد المجتمع الدولي اهتمامه وبات غير مبال بما يحدث في قطاع غزة.

جهود الوساطة لوقف إطلاق النار تجاوزت رام الله، حيث جرت النقاشات بخصوصها في الدوحة، العاصمة القطرية، وحيث يقيم رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، وفي بيروت حيث الأمين العام لـ “الجهاد الإسلامي” زياد النخالة.

حتى وإن بصورة رسمية، فالسلطة الفلسطينية مسؤولة عن شؤون الفلسطينيين بالضفة، وغزة لا تحظى باهتمام. 

أمس وبعد 5 أيام من بداية القتال، نشر مكتب عباس إدانة للهجمات في القطاع، ودعا مكتب الرئيس الإدارة الأمريكية وبصورة فورية، فيما اعتبر كعدوان إسرائيلي و”تجاوز لكل الخطوط الحمراء، واستمراراً لسياسة القتل والجريمة ضد الشعب الفلسطيني”. في محيط عباس اتهموا الولايات المتحدة بأنها تتحمل المسؤولية عما يجري “بسبب سكوتها المدوي فيما يتعلق بهذه الجرائم، وعدم تدخلها الفوري لإيقاف إسرائيل”.

 في نهاية الأسبوع، الجمعة، سيصل عباس للسعودية للتحدث أمام الجامعة العربية. يعرف عباس أن نجم هذه المناسبة سيكون الرئيس السوري بشار الأسد، العائد إلى حضن الجامعة، وأن القضية الفلسطينية لن تقف في مركز النقاش. في كلتا المنصتين، الأمم المتحدة والجامعة العربية، سيتوسل عباس للعالم للتدخل في النزاع مع إسرائيل، ولكن فعلياً لا أحد يهتم. أصبحت المعادلة ثابتة؛ مطلوب من الفلسطينيين أن يضمنوا للإسرائيليين الهدوء وإلا سيكون مصيرهم مريراً.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى