هآرتس: قواعد اللعبة الإقليمية التي تغيرت؟
بقلم: تسفي برئيل، هآرتس 17/7/2022
ملامسة القبضات السريعة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أشعلت نار الانتقادات ضد تطبيع العلاقات بينهما. “عار”، “إهانة”، “إهانة لحقوق الإنسان”، كانت جزءاً من التعبير عن الغضب الذي نشر في وسائل الإعلام الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة. “هل تضمن بأن قتلاً كهذا لن يتكرر؟”، سئل بايدن في مؤتمر صحافي. “باركك الله. ما هذا السؤال الغبي؟”، أجاب بايدن مراسلة “ديلي ميل”، إميلي غودن، “كيف يمكنني أن أضمن مثل هذا الأمر؟”.
بايدن محق؛ لأنه حتى لو تجنب انتقاد السعودية في نهاية المطاف، فليس بوسعه أن يضمن سلامة ضحية مستقبلية، ووقف قمع حقوق الإنسان في السعودية أو إلغاء الإعدام في المملكة. بشكل عام، إذا كان على بايدن، أو أي رئيس أمريكي، معايرة سياسته حسب معايير أخلاقية، فثمة شك بوجود دولة في العالم يستطيع فيها أن يصافح زعيمها. بل ثمة تساؤل على خلفية تفسيراته: لماذا امتنع عن زيارة السعودية حتى الآن؟
حتى بعد زيارة بايدن للسعودية، لن يكون بن سلمان الصديق المفضل للإدارة الأمريكية، لكن حين يوضح بايدن بأنه لن يتخلى عن المنطقة ويتركها لنشاطات روسيا والصين، فإنه يأمل الآن بأن السعودية وجاراتها ستصغي لطلبات أمريكا باهتمام أكبر. ولكن حتى إذا أصغت فليس بالضرورة أن تمتثل.
السعودية الآن مرتبطة باتفاقات تجارية واستثمارات واسعة النطاق مع روسيا والصين؛ ولن تتبنى هي والإمارات سياسة فرض العقوبات على موسكو؛ أما في مصر فبدأ بناء المفاعل النووي الذي ستقيمه روسيا بتكلفة 25 مليار دولار تقريباً؛ والصين تسيطر على أجزاء كبيرة من المنطقة الصناعية الجديدة التي أقيمت على ضفاف قناة السويس، وشركات صينية تبني العاصمة الإدارية قرب القاهرة؛ وفي العراق يتوقع بناء نحو ألف مدرسة، وهو يجري مفاوضات متقدمة مع قطر حول تطوير حقل الغاز الأكبر في العالم، وشراء الغاز منه على أمد طويل.
كل ذلك في وقت وقعت الصين على اتفاق طويل المدى مع إيران الذي في إطاره قد تستثمر مئات مليارات الدولارات في البنى التحتية مقابل النفط السائل وموانئ بحرية في الخليج الفارسي. حلف عربي – أمريكي ضد الصين ليس هو ما تستطيع الدول العربية أن تسمح به لنفسها.
بايدن يريد العودة إلى النادي الذي انسحب منه، وهو يحمل في يده اقتراحاً لتأسيس حلف دفاعي عربي – إسرائيلي – أمريكي ضد “تهديدات للمنطقة”. ولكن إذا لم تكن حاجة لتفصيل مصدر هذا التهديد، وكان من الواضح أن أي تحالف عربي برئاسة السعودية وبشراكة إسرائيلية موجه ضد إيران، فإن قمة جدة لامست حدود التعاون.
أوضحت السعودية قبل سنة بأنها لن تكون قاعدة إطلاق لحرب ضد إيران، وهي تنوي استكمال العملية الدبلوماسية التي قد تستأنف علاقاتها الدبلوماسية مع طهران. الجمعة، قال المستشار السياسي الكبير لحاكم الإمارات، أنور قرقاش، بأن بلاده تتناقش مع إيران في هذه الأثناء حول تعيين سفير لها في طهران.
الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أرسل رسائل مهدئة لإيران أوضح فيها بأنه لا ينوي الانضمام لحلف عسكري ضدها. العراق يعتمد على الكهرباء والغاز من إيران، وأي حكومة ستشكل فيه لن تتبنى سياسة مناهضة لإيران. زعماء جميع هذه الدول شاركوا في قمة جدة التي لم يتم ذكر إسرائيل قط فيها، واتفقوا على أنه وجود حاجة للتعاون.
أما بخصوص خطط العمل فلم يتم إعطاء أي تفاصيل حول تأسيس آلية تنسيق أو جداول زمنية لمواصلة النقاشات، ربما لأنه لا توجد آليات أو جداول كهذه. بعض دول الخليج تستفيد من التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية، وحتى إنها أجرت معها مناورات عسكرية مشتركة. ولكن ثمة فجوة كبيرة بين التعاون الثنائي في مستوى محدود، وبين حلف يلزم الجميع بشن حرب إذا تمت مهاجمة إحداها.
طرح بايدن تعميق اندماج إسرائيل في الشرق الأوسط كأحد أهداف زيارته الرئيسية، ولكنه حظي بالبرود في ذلك. السلام والتطبيع مع إسرائيل – المفهومان غير المتطابقين – لن يتم تأسيسهما بين المملكة وإسرائيل ما لم يتم الدفع قدماً بحل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير. هذا في الحقيقة شرط أكثر تواضعاً من الشروط التي طرحت في المبادرة العربية من العام 2002 التي بحسبها مطلوب من إسرائيل الانسحاب من جميع المناطق والموافقة على قيام الدولة الفلسطينية.
لكن يكفي أن هذا الافتراض من أجل التوضيح لإسرائيل والولايات المتحدة بأن رواية إسرائيل التي تنازلت بحسبها الدول العربية عن القضية الفلسطينية، ينتظر استكماله. السماح لطائرات من إسرائيل وإليها باختراق سماء السعودية وحتى الرحلات المباشرة التي ستمكن المسلمين الإسرائيليين من الحج إلى مكة بدون محطات انتقالية باهظة الثمن وطويلة لا تعتبر بديلاً للعلاقات الدبلوماسية، وبالتأكيد ليس للتطبيع.
إذا كانت الحناجر قد صدحت استعداداً لسماع بعض التصريحات الرسمية التي ستشهد على دخولها الرسمي إلى نادي الحلف العربي، فإن الولايات المتحدة أملت سماع بايدن وهو يعلن عن انخفاض أسعار النفط. صحيح أن أسعار النفط بدأت تتراجع مؤخراً، لكن هذا ليس بسبب النشاطات الدبلوماسية الأمريكية، بل بسبب تطورات في السوق العالمية. ولكن إذا أمل بايدن أن يسمع تصريحاً علنياً من بن سلمان عن نية زيادة إنتاج النفط ولو من أجل منح بايدن هدية سياسية مهمة، فإنه حصل على جواب بارد ومتملص وغير ملزم ولا مرضٍ.
أوضحت السعودية بأنها ستواصل الاهتمام بـ “توازن” سوق النفط العالمية، وبعدم حدوث نقص في النفط. حسب هذا التفسير، هناك ما يكفي من النفط في العالم، أما ارتفاع الأسعار فينبع من جهات مضاربة وسياسية لدوافع نفسية. أوضحت السعودية أيضاً بأنها مقيدة بسياسة منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبيك بلاس”، وفي هذه الأثناء لا سبب لتغيير حجم الإنتاج، لا سيما بعد أن اتفق في الشهر الماضي على زيادة دورية لحصص إنتاج النفط.
السعودية تستفيد من مستوى الأسعار الحالي، الذي يمكنها من مراكمة فائض مالي يعدّ حيوياً لها من أجل استكمال مشاريع بن سلمان الضخمة. في الحقيقة، حتى لو كانت السعودية تنوي زيادة إنتاج النفط فيها، فإن قدرتها محدودة بإضافة مليون – مليون ونصف برميل يومياً لمدة ثلاثة أشهر.
بناء على ذلك، يمكن اعتبار زيارة بايدن للسعودية سعياً من أجل ترميم علاقة واشنطن مع الرياض، تحت غطاء حاجة استراتيجية إقليمية جديدة. إذا كان هناك جديد، فيكمن في أن الدول العربية هي التي تصوغ الاستراتيجية الآن، في حين سيكون على الولايات المتحدة ملاءمة نفسها مع الشرق الأوسط الذي شكل نفسه في الفترة التي سعت فيها واشنطن للانسحاب منه.