هآرتس: قرار واحد اتخذ في القدس أوقف حياة الفلسطينيين في الضفة

هآرتس 25/2/2025، هاجر شيزاف: قرار واحد اتخذ في القدس أوقف حياة الفلسطينيين في الضفة
الساعة 8:30 صباحا، لكن على مدخل قرية ترمس عيا قرب رام الله كان يوجد صف طويل من السيارات. السائقون غير الصبورين ينتظرون في الحاجز الذي يربط القرية مع الشارع الرئيسي الى أن يتم فحص بطاقات الهويات. في السابق لم يكن يوجد هنا حاجز دائم، وفي المكان الذي يتواجدون فيه اعتاد الجنود على توقيف فقط السيارات التي كان يوجد سبب للشك فيها، لكن الآن التعليمات تغيرت – هذا زمن ازدهار الحواجز، وكل شخص مشتبه فيه الى أن يتم اثبات العكس. أحد المنتظرين كان نضال (33 سنة)، وهو معلم لغة عربية في مدرسة في رام الله. “الطلاب ينتظرون منذ ساعة”، قال بخيبة أمل. “هذا يحدث تقريبا مرة – مرتين في الاسبوع بسبب الحاجز”.
مثل حواجز كثيرة اخرى فان الحواجز التي تم وضعها في الضفة عند اندلاع الحرب غيرت بشكل كبير حياة نضال. في شهر آب غادر قريته دير جرير بعد أن اغلق الجيش مدخلها تقريبا بشكل كامل. هو وزوجته الحامل استأجروا شقة في ترمس عيا بسبب قربها من مكان عمله، لكن هذا ايضا لم يساعد. حواجز كثيرة في الضفة غير ثابتة، والطريق التي كانت مغلقة أمس ستكون مفتوحة في الغد والعكس صحيح. لذلك، يصعب على السكان التخطيط لجدول الاعمال اليومي مسبقا وتوقع متى يمكنهم العبور بسهولة ومتى سيتأخرون. “أول أمس انتظرت اربع ساعات”، قال. “قبل اسبوعين سافرت الى تركيا وعندما عدت الرحلة من جسر اللنبي في اريحا استغرقت 11 ساعة، في الاوقات العادية السفر يستغرق ساعة”.
في اعقاب الاحباط فكر نضال وزوجته في الانتقال الى مكان ابعد من هذا المكان. “زوجتي تحمل الجنسية الامريكية ونحن نريد الهجرة من هنا”، قال واضاف. “الوضع صعب جدا. في السابق لم أفكر في الهجرة”.
الحواجز الطيارة مثل الحاجز في ترمس عيا هي فقط نتيجة واحدة لتوجه يشوش على حياة السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، والى جانبها توجد ايضا البوابات التي يتم غلقها أو فتحها حسب قرار من الجيش، وحواجز ترابية أو مكعبات اسمنتية تغلق كليا مداخل القرى أو الطرق الزراعية، ايضا الحواجز “الكلاسيكية” التي تربط الضفة باسرائيل. قبل اندلاع الحرب عبر فيها حوالي 160 ألف عامل ممن لديهم تصاريح عمل، لكن منذ 7 اكتوبر يحظر العبور فيها.
الحاجز هو الرسالة
التغيير الكبير جاء في الشهر الماضي بعد أن امر المستوى السياسي الجيش باضافة عشرات الحواجز التي يوجد فيها جنود على الشوارع التي تؤدي الى المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، اضافة الى الحواجز التي وضعت عند اندلاع الحرب. هذا الامر تم اعطاءه في اعقاب طلب من الكابنت بذريعة أن الامر يتعلق بوسيلة لمنع الاشتعال، بسبب اطلاق سراح السجناء الفلسطينيين في اطار صفقة تحرير المخطوفين.
في اطار هذه العملية اغلق الجيش مداخل قرى كثيرة بالبوابات الحديدية، وهكذا منع الخروج المباشر منها الى الشوارع الرئيسية. وبدلا من ذلك تم تحويل الحركة الى مداخل توجد فيها حواجز للفحص (في الشهر الماضي، حسب لجنة مقاومة الاستيطان التابعة للسلطة، حوالي 900 حاجز من كل الانواع كانت تنتشر في ارجاء الضفة). الامر كان هكذا ايضا في الحاجز الذي انتظر فيه نضال، اضافة الى اشخاص كثيرين لا يعيشون في ترمس عيا، بل في قرى اخرى في منطقة رام الله. بالنسبة لهم الانتظار في الحاجز هو بالفعل نهاية حملة متعبة في الطرق الالتفافية في الطريق الى الشارع الرئيسي.
هذه الحواجز لم تحول حياة الفلسطينيين فقط الى كابوس، بل هي تؤكد وجود منظومتي شوارع في الضفة، الاولى للمستوطنين، الثانية، المتدنية، للفلسطينيين. في الاوقات العادية المنظومة الاولى الافضل التي تتكون من الشوارع الرئيسية التي استثمرت فيها اسرائيل اموال كثيرة في السنوات الاخيرة تخدم المستوطنين والفلسطينيين. ولكن الآن الوضع غير عادي، أو على الاقل ليس الروتين المعتاد. الآن قوانين الحركة مختلفة والفلسطينيون يضطرون الى استخدام المنظومة الثانية المخصصة فقط لهم، التي تربط القرى بالمدن بواسطة طرق متعرجة.
أحد الجنود في حاجز ترمس عيا قال إنه قبل مجيئه للخدمة في الضفة، خدم في الاحتياط في لبنان وفي غزة. وحسب قوله فان الحاجز الطيار تم وضعه بعد رشق الحجارة من القرية على السيارات الاسرائيلية على الشارع الرئيسي. وقد قال بأنه يأمل بأنه بفضل هذا الحاجز سينقل الاشخاص البالغين في القرية رسالة الى الشباب وهي أنه من غير المجدي رشق الحجارة. حقيقة أن بعض السائقين ليسوا من سكان القرية لم يكن يعرفها.
بجانبه كان ينتظر لؤي وبيسان حميد، أب له خمسة أولاد من كفر مالك. وقد وصلوا الى حاجز ترمس عيا بعد أن أغلق الجيش مدخل القرية على الشارع الرئيسي. “قبل الحرب كانت الطريق الى العمل تستغرق ربع ساعة، الآن تستغرق ساعة ونصف على الاقل”، قال لؤي. “ايضا عند العودة نفس الشيء”.
بيسان قالت إنه اضافة الى فحص بطاقات الهوية فان الجنود في الحاجز قاموا بتصوير وجهها ورقم السيارة، الامر المعتاد كي يستخدمه الجيش في نظام “الذئب الازرق”، قاعدة البيانات التي تمكن من تغذيتها بصور وارقام سيارات الفلسطينيين من اجل تشخيصهم مستقبلا. في المحادثات مع سكان المنطقة يتم طرح قضية بين حين وآخر وهي التأثير الاقتصادي المؤلم للحواجز. وثائق المنظمات الدولية تؤكد على ذلك، بما في ذلك تقرير البنك الدولي الصادر في كانون الاول الماضي. التقرير نسب الانخفاض بنسبة 23 في المئة في النشاطات الاقتصادية في الضفة الغربية في النصف الاول من سنة 2024 الى القيود التي فرضت على الحركة في الضفة الغربية، وحظر دخول العمال الفلسطينيين الى اسرائيل، اضافة الى خصم اموال الضرائب التي تجبيها اسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية بناء على طلب من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
نحن لم يعد لنا عمل”، قال أنس (19 سنة) من قرية دوما، الذي يعمل في الرخام. الآن يقول بأنه يقف في الحاجز منذ ساعتين. “كل يوم هذا الامر يتكرر. احيانا انتظر في الحاجز في طريقي الى العمل، وبعد ذلك اعود الى البيت”. حسام وعلاء ايضا، تجار من سكان مخيم العروب للاجئين، تحدثا عن المس بجيوبهم. في السابق كان يوجد لهما تصاريح لدخول اسرائيل، الآن لا يوجد لديهما أي شيء. “في هذا الوضع لم يبق أمل في أي شيء. احباط”، قال علاء. “أنت تخرج من البيت ويكون حاجز، مرة البوابة (التي وضعها الجيش على مدخل المخيم ومرة اخرى مفتوحة. أنا اشعر للمرة الاولى بأنني تحت الاحتلال، لا توجد حدود لأي شيء”. حسام قال إنه من اجل أن يصل الى هدفه فهو يسافر في “الطرق الترابية أو عن طريق الجبل، وهو يغسل السيارة مرتين في اليوم. السفر الذي كان في السابق يستغرق ساعة أصبح يستغرق الآن ساعتين”.
في هذه الاثناء هناك من يحاولون استغلال الوضع الجديد والكسب بقدر الامكان: بائعو القهوة يظهرون على جانبي الشارع في وقت الذروة، آخرون يحاولون بيع العطور للسائقين اثناء انتظار فحص بطاقات الهوية، أو أن الجنود ببساطة يقومون بالمغادرة.
من اجل من يختارون المخاطرة توجد خدمة جديدة، التي وجدت ايضا في الاوقات الصعبة، وهي نقل الى البيت بالدفع للعاملين. هنا لا يوجد انتقائية، الخدمة يتم تقديمها ايضا لمن يقطعون ويعودون طوعا، ومن يحاولون الاجتياز وتتم اعادتهم من قبل الجيش. كل هؤلاء ينتظرهم عدد من السائقين في الصباح الباكر على الحاجز الذي يؤدي الى قرية رنتيس في منطقة رام الله. احدهم، سامي أبو سليم، قال إنه كان يعمل في العاد، حتى قبل اقامتها وحتى اندلاع الحرب. الآن هو يحاول كسب الرزق من النقل. “أمس كنت هنا من الساعة السابعة صباحا وحتى الحادية عشرة ليلا. في النهاية نقلت شخص الى حوارة”، قال. “عبأت بنزين بمئة شيكل، وهذا الشخص دفع لي 120 شيكل”. صديقه علاء قال إنه قبل الحرب كان له مطعم حلال في الميدان وراء الحاجز. المستوطنون ايضا كانوا يأتون اليه”، قال. “منذ 7 اكتوبر اغلقت المطعم وتراكمت الديون علي. هذا اعادنا عشرين سنة الى الوراء”.