هآرتس: في مواجهة نيران غير مسبوقة من الجيش الإسرائيلي، حماس تنتظر في الأنفاق وتحصد أرواح الجنود
هآرتس 5-11-2023، بقلم عاموس هرئيل: في مواجهة نيران غير مسبوقة من الجيش الإسرائيلي، حماس تنتظر في الأنفاق وتحصد أرواح الجنود
من وجهة نظر حماس، يبدو أن خطاب رئيس “حزب الله”، حسن نصر الله، وعد بأكثر مما أوفى. بعد توتر وتوقع خلال أسبوع، ظهر رئيس “حزب الله” مضغوطاً ومعتذراً وكأنه ليس بصحة جيدة. هجوم حماس في 7 تشرين الأول، قال، كان عملية فلسطينية خالصة. لم يعرف “حزب الله” عنها مسبقاً، وتفاجأ بها. بعد ثنائه على عمل حماس قال إن “حزب الله” دخل المعركة ضد إسرائيل منذ اليوم التالي للعملية.
منذ اليوم الأول قبل أربعة أسابيع، أطلق “حزب الله” الصواريخ والقذائف المضادة للدروع من الحدود اللبنانية وقتل ستة جنود، ومواطناً إسرائيلياً وفقد العشرات من مقاتليه في المعارك مع الجيش الإسرائيلي، وثبت قوات احتياط إسرائيلية للدفاع عن الحدود في الشمال وفرض مغادرة جماعية لسكان المستوطنات التي تقع جنوب خط الحدود. يبدو أن “حزب الله” قد يزيد الهجمات فيما بعد (أمس، بدأت بالفعل أحداث كثيرة على طول الحدود منذ الصباح). رسم حسن نصر الله خطوطاً حمراء: “حزب الله” لن يسمح بالقضاء على سلطة حماس في غزة، وسيرد على قتل المدنيين اللبنانيين بقتل المدنيين الإسرائيليين. ولكنه لم يقل ما ينوي فعله. وقد ثار شك صغير بأنه مثل سادته في إيران؛ مستعد لمحاربة إسرائيل حتى آخر قطرة دم فلسطينية.
الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية تقدر بأن السياسة في هذا الشأن تقررت بشكل مشترك بين طهران وبيروت، وأنه منذ تصفية أمريكا للجنرال قاسم سليماني في 2020، أصبح لحسن نصر الله مكانة مهمة جداً في تحديد سياسة المحور الراديكالي المناوئ لإسرائيل. في بند الاعتبارات الكابحة، ربما يجب على إيران ولبنان الاهتمام بالوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وباستعداد الجيش الإسرائيلي العالي في الشمال، وبخطر أن تؤدي حرب إقليمية إلى تدمير البنى التحتية المدنية في لبنان وتدمير جزء كبير من قدرة “حزب الله” العسكرية. في هذا الشأن، من الجدير التذكير بأقوال وزير الدفاع غالنت، ورئيس الأركان هليفي، بأن سلاح الجو حتى الآن لم يستخدم معظم قدراته في المعركة، وهذه الملاحظة وجهت للجبهة الشمالية.
المطلوب ثلاث ملاحظات تحذيرية: أولاً، من غير الممكن استبعاد سيناريو الخطأ في الحسابات؛ فـ ”حزب الله” قد يزيد هجماته إلى عمق أراضي إسرائيل في الجليل، وسيرد الجيش الإسرائيلي بقوة أكبر في أراضي لبنان، وستتدهور الأمور من هناك. البروفيسور شمعون شبيرا، الخبير في شؤون “حزب الله”، قال للصحيفة بأن حسن نصر الله تطرق في خطابه إلى التصعيد وحرب شاملة كاحتمالية واقعية قد تتطور. والعنوان الرئيسي في صحيفة “كيهان” الإيرانية عنونت أن كل الخيارات مفتوحة أمام ”حزب الله”.
ثانياً، يجب الأخذ في الحسبان عملية خداع من قبل “حزب الله” الهادفة إلى إخفاء هجوم مفاجئ لاحقًا (حتى لو كان الجيش الإسرائيلي مستعداً لذلك بشكل أفضل الآن مما كان عليه عشية اقتحام حماس لغلاف غزة). ثالثاً، بعد 7 تشرين الأول، من الجدير الحذر وعدم التباهي بقراءة نوايا العدو. نقول في صالح جهاز الاستخبارات إنه أصبح متواضعاً أكثر في تقديراته مما كان قبل الحرب.
إحصاء مبالغ فيه للجثث
تستمر المعارك الشديدة في قطاع غزة بين الجيش الإسرائيلي وحماس، بعد استكمال تطويق مدينة غزة. الجيش الإسرائيلي يعمل بطريقة يمكن وصفها بأنها مطحنة، تقدم بطيء ومنهجي يرافقه قدر كبير من النيران يشمل الهجمات الجوية. تتم الهجمات أحياناً بفارق زمني يقدر بدقائق، حسب طلب القوات البرية وبمسافة أمان قصيرة جداً.
يستخدم الجيش الإسرائيلي للمرة الأولى قدراً كبيراً جداً من قدرته السريعة في “إغلاق الدائرة” بين جمع المعلومات والوسائل التكنولوجية وقوة النيران. ما زالت إحدى نقاط الضعف تتعلق بالقدرة على قتل الكثير من أعضاء حماس في القتال على الأرض. هناك ضباط لديهم تقديرات حول مئات المخربين القتلى، ولكنها لا تستند لشيء. هذا شرك معروف في القتال في منطقة مأهولة، وعلى إسرائيل الحذر من التركيز على “إحصاء الجثث” المبالغ فيه، كما حدث للأمريكيين في حرب فيتنام، على سبيل المثال.
تنبع الصعوبة من تحديد المهمة؛ فقد رأت الحكومة والجيش بوجوب تدمير سلطة حماس والقضاء على قدرتها العسكرية. هذا هدف لم تتضح طريقة تحقيقه؛ وهذا الأمر يستدعي الانشغال في إحصاء جثث العدو. قادة وجنود في الاحتياط، الذين شاركوا في عمليات داخل القطاع من قبل، قالوا إنه لا يوجد تشابه بين القوة والدمار الآن وبين ما كان في عمليات سابقة. في بيت حانون، مدينة في شمال القطاع، تعمل قوات من فرقة احتياط، وهناك أحياء كاملة تم تدميرها بالكامل في المعارك.
المراسل العسكري في “هآرتس”، ينيف كوفوفيتش، الذي انضم أول أمس إلى القوات العاملة في جنوب مدينة غزة لبضع ساعات، تأثر من حجم النيران المستخدمة، ومن تصميم الجنود والمستوى المهني العالي للقادة في الميدان. يتصرف الجيش الإسرائيلي هنا مثلما في حرب حقيقية لا كما يتصرف في عملية محدودة. هذا مرهون أيضاً بعدد المصابين في جهتنا وبقوة القتال. حماس لا تحاول وقف حركة القوات، وتعتمد على شبكة الأنفاق الدفاعية وترسل مقاتليها عبر الفتحات لإطلاق الصواريخ المضادة للدروع ووضع العبوات قرب العربات المدرعة للجيش الإسرائيلي، وهي تستخدم أيضاً الحوامات والمسيرات الهجومية.
قد تتطور عدة مشكلات هنا. الجيش الإسرائيلي أدخل قوات كبيرة إلى شمال القطاع، تتحرك في عربات مصفحة كثيرة. وفي حرب أمام جيش من العصابات التي تختفي تحت الأرض، فهذا أمر يخلق للعدو الكثير من الأهداف. جزء كبير من المواجهة العسكرية يتم بمبادرة من حماس. صحيح أنه عندما تشخص القوات البرية أي عدو قربها تسرع إلى استخدام سلاح الجو لتحييده، لكن هذا له ثمن يتمثل بحياة الجنود.
في هذه الأثناء، رغم الضغط الذي يستخدمه الجيش الإسرائيلي، من غير الممكن تشخيص ضربة قوية لمنظومة السيطرة والقيادة لحماس. في الوقت نفسه، هناك حاجة للتركيز على تدمير الأنفاق الدفاعية. تم حفر بعضها بعمق غير كبير، ولا صعوبة في تدميرها من الجو. هذا يرتبط بالأساس بنوعية المعلومات التي ستنجح الاستخبارات العسكرية و”الشاباك” في جمعها.
عملية سلامة نتنياهو
في الوقت الذي ألقى فيه نصر الله خطابه في بيروت، عقد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مؤتمراً صحافياً في تل أبيب. في زيارته الثالثة هنا منذ بداية الحرب، وفي الطريق إلى القمة مع وزراء الخارجية العرب في عمان، أسمع بلينكن إحساساً أكثر لمعاناة المدنيين في غلاف غزة بشكل أكثر مما يبدو عليه بعض السياسيين في إسرائيل. ولكن وبقراءة بين السطور، ثمة شعور بأن التسامح الأمريكي مع عملية الجيش الإسرائيلي في القطاع بدأ يتقلص إزاء امتداد القتال. طلب بلينكن من إسرائيل السماح بزيادة المساعدات للقطاع وحذر من كارثة إنسانية هناك. وحسب قوله، الهدنة في القتال ستساعد في جهود إطلاق سراح المخطوفين الإسرائيليين.
الجهات التي تحدث معها في إسرائيل عارضت وقف إطلاق النار بدون إطلاق سراح جميع المخطوفين. وأوضحت أن العملية العسكرية ستستمر بكل قوة، وأعلنت بأنها لن تسمح بإدخال الوقود إلى القطاع. “واشنطن بوست” نشرت نقلاً عن مصادر دبلوماسية متشككة مثل بلينكن، بأنه يقف على الأجندة اقتراح يتضمن إطلاق حماس سراح جميع المخطوفين المدنيين، باستثناء الجنود، مقابل وقف لإطلاق النار لمدة خمسة أيام. المتحدثون الإسرائيليون لا يتطرقون إلى هذا الاقتراح علناً. إزاء احتجاج الجمهور المتزايد حول قضية المخطوفين (أعلنت عائلاتهم أول أمس بأنها ستتمترس أمام وزارة الدفاع في تل أبيب). هذا الاقتراح العلني من قبل حماس قد يثير أيضاً خلافات داخلية كبيرة في إسرائيل، خاصة إذا استقبلت بالإيجاب من المجتمع الدولي.
ولكن حتى لو وافقت إسرائيل على صفقة لإطلاق سراح المخطوفين مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار، فإنه كلما دخل الجيش الإسرائيلي إلى عمق المنطقة المأهولة في غزة، سيبدو وقف إطلاق النار أصعب. سيكون الجيش حتى ذلك الحين في احتكاك قريب مع حماس، وسيميل بدرجة أقل إلى تحمل الأخطار التي قد تمس بأمن القوات. ويطرح أيضاً سؤال آخر، وهو أن غالنت وكبار قادة الجيش الإسرائيلي يتوقعون أن أمامهم فترة زمنية لأشهر طويلة من أجل هزيمة حماس كما وعدوا. وربما تخلق الصفقة ضغطاً على إسرائيل كي لا تستأنف القتال بعد استكمال الصفقة.
في زيارة بلينكن إلى البلاد وفي المحادثات بين البنتاغون والجيش الأمريكي والجيش الإسرائيلي، تم طرح عدة قضايا أخرى. أولاً، الولايات المتحدة تريد من إسرائيل أن تبقي الساحة الإقليمية لمعالجتها. الأمريكيون يشاركون في اعتراض الإطلاق من اليمن، ويتعاملون مع الحوثيين عند الحاجة. نفس الأقوال تقال أيضاً بشأن المليشيات الشيعية في العراق، التي تركز في هذه الأثناء على قواعد الولايات المتحدة هناك. ثانياً، تحاول الإدارة الأمريكية ترتيب زيارة للرئيس الأوكراني في البلاد في الأسبوع القادم. وستكون رسالة مهمة من الولايات المتحدة لكل العالم عن إقامة تحالف ثلاثي مناوئ للتحالف الإيراني – الروسي. تملصت إسرائيل من ذلك لسنوات، لكن لا خيار الآن، وهذا هو الأمر الأخلاقي الذي يجب فعله.
رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ألقى هو أيضاً خطاباً أول أمس، وكالعادة، تجنب السماح بطرح الأسئلة، وكان خطابه غير متعاطف مع ما يمر به الجمهور. عندما ذكر من سقطوا في المعارك، اتّبع ذكراً انتقائياً تركز على المتماهين مع معسكر ما. لم يتطرق قط إلى المذبحة في “الكيبوتسات” أو بطولة فرق الطوارئ هناك، ولم يكلف نفسه خلال سنوات عناء زيارة “كيبوتسات” الغلاف.
بشكل عام، يعتقد نتنياهو بأنه معفي تماماً من تقديم العزاء في الحرب. ولكن له وقت ليقوم بزيارات كثيرة إلى الوحدات، التي ينشر منها مكتبه صوره وهو محاط بالجنود. هذا تبديد شامل لوقته ووقت الضباط، بالضبط مثل نقاشات فارغة داخل الكابنت الموسع. نستنتج من ذلك، أن رئيس الحكومة منشغل، أولاً وقبل أي شيء آخر، بنفسه وبإنقاذ مستقبله السياسي المحفوف بالمخاطر، حتى في ذروة الحرب المصيرية جدا للدولة منذ خمسين سنة.