هآرتس: في مواجهة تحركات ترامب الثورية، نتنياهو ينشغل في الهرب من الواقع

هآرتس 3/6/2025، يوسي ميلمان: في مواجهة تحركات ترامب الثورية، نتنياهو ينشغل في الهرب من الواقع
خلال سنوات تمت مقارنة اسرائيل، احيانا بدون حق، مع جنوب افريقيا. هذه المقارنة اصلها في مفهوم الابرتهايد. في جنوب افريقيا، الفصل العنصري كان بين البيض والسود، وفي اسرائيل يتم التعبير عنه في التمييز ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لكن الآن المقارنة هي ذات صلة اكبر من ناحية اخرى: العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية التي فرضت على نظام الاقلية البيضاء في بريتوريا، والتي في نهاية المطاف تغلبت عليه.
اسرائيل تسير في الطريق الآمنة الى هناك. المجتمع الدولي يفحص منذ سنوات فرض عقوبات عسكرية واقتصادية على اسرائيل بسبب معاملتها للفلسطينيين. ولكن باستثناء التصريحات الهجومية فان الخطوات التي تم اتخاذها حتى الآن هي صغيرة وهامشية – حظر مؤقت للتزويد بالسلاح أو محاولة وسم منتجات الشركات الاسرائيلية التي تعمل في المناطق. حكومات اسرائيل لم تتاثر بالفعل، الكلاب نبحت والقافلة سارت.
لكن في هذا الاسبوع يبدو أنه حدث شيء معين. حكومات كندا وبريطانيا وفرنسا نشرت تحذير غير مسبوق في شدته، هددت فيه بخطوات ضد اسرائيل اذا لم يتم وقف الحرب في غزة وادخال المزيد من المساعدات الانسانية الى القطاع. بعد يوم تم فرض العقوبة الاولى عندما اعلن وزير خارجية بريطانيا، ديفيد لامي، بأن بلاده قررت تعليق المحادثات حول اتفاق التجارة مع اسرائيل.
المقلق والخطير بشكل خاص هو المنحى الذي يظهر في تعامل الرئيس الامريكي دونالد ترامب مع اسرائيل. في هذا الاسبوع نشرت “واشنطن بوست” بان مصادر رفيعة في الادارة الامريكية حذرت من انهم سيتخلون عن اسرائيل اذا لم تقم بانهاء الحرب والسماح بادخال المساعدات الانسانية الى القطاع الذي يتم تجويعه. السفير الامريكي في اسرائيل، مايك هاكبي، رد على التقرير بكلمة واحدة “كلام فارغ”. مع ذلك هناك احداث كثيرة تدل على أن ترامب، الذي يقوم بتشكيل نظام عالمي جديد بواسطة “الدبلوماسية التجارية” التي تمقت النزاعات، سئم من مناورا التملص والتخندق لنتنياهو.
التعبير البارز على ذلك هو البشرى عن الاتفاقات الاقتصادية والعسكرية التي عقدها ترامب مع السعودية وقطر ودولة الامارات اثناء زيارته فيها في الاسبوع الماضي. حجم هذه الاتفاقات، تقريبا تريليون دولار، لا يمكن تخيله. هكذا فان ادارة ترامب تتخلى عن المقاربات التقليدية التي املت العلاقات الدولية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي تميزت بالتأكيد على الدبلوماسية والنظريات الامنية كحل لتسوية الازمات والدفع قدما بالمصالح القومية.
يبدو ان الرئيس الامريكي مل من سياسة اسلافه، التدخل العسكري وسفك دماء جنود بلاده في نزاعات دولية كأداة للتاثير واظهار قوة امريكا. بدلا من ذلك هو يقود مقاربة ترسيخ مكانة الولايات المتحدة والحفاظ عليها كدولة عظمى بواسطة العقيدة التجارية. الخطوات التي يقوم بها ترامب ليست بمثابة اصلاح او تعديل او انحراف عن المعايير. الحديث يدور عن ثورة ستؤثر على العالم حتى بعد ان يغادر البيت الابيض.
اللقاء الدراماتيكي لترامب في السعودية مع الرئيس السوري احمد الشرع يجسد جيدا مقاربته. قبل عقد تقريبا تم اعتقال الشرع من قبل الولايات المتحدة في سجن في العراق، وحتى الاستيلاء على الحكم في دمشق قبل خمسة اشهر كان يعتبر زعيم منظمة ارهابية جهادية. يمكن تخيل أنه لو يحيى السنوار كان ما يزال على قيد الحياة لما تردد ترامب في الالتقاء معه.
ان استعداد ترامب لتجاهل ماضي الشرع الارهابي وغض النظر عن المنظمات الارهابية في باكستان (رغم غضب رئيس الحكومة الهندي نراندرا مودي)، والموافقة على اجراء محادثات مباشرة مع مبعوثي حماس – كل ذلك يكمن في انه يفكر بمفاهيم الامكانية الكامنة في الاقتصاد لدول في ازمات وحروب. بالنسبة له فانه يوجد لباكستان وسوريا وايضا لغزة فرصة للخروج من الازمة والفقر والتخلف والدمار.
لكن ترامب هو ايضا قصير النفس وسريع الانفعال ويفقد اهتمامه بسرعة. فاذا رأى أن من يحاورونه في مجال الاعمال الدولية لا يستجيبون بالوتيرة التي تناسبه فانه يشعر بالتعب ويقوم بقطع الاتصال.
اوكرانيا ورئيسها فلودومير زيلنسكي مثال واضح على ذلك. ترامب في الحقيقة يسعى الى انهاء الحروب في العالم واقامة سلام استقرار، التي ربما ستمكنه من الحصول على جائزة نوبل، ولكنه غير مستعد لاعطاء كل وقته لزعماء مماطلين. المماطلة هي ايضا التي تميز خطوات رئيس الحكومة نتنياهو، الامر الذي يتعب ترامب ويبعده عن المشاركة. ترامب ومساعدوه يرسلون لنتنياهو رسالة جوهرها واحد: اذا لم تنضم للتحركات العالمية والشرق الاوسط الجديد الذي نشكله، فأنت في ورطة. سنتركك لوحدك أنت واسرائيل بقيادتك.
نتنياهو قال دائما انه يفهم في الاقتصاد، لكن بالذات في لحظة الحقيقة، حيث يجلس في البيت الابيض رئيس يطور عقيدة تجارية، فان نتنياهو يهرب من الواقع ويجر اسرائيل معه الى الاسفل، الى حضيض غير مسبوق.
بدلا من الانضمام الى القوة الاقتصادية للسعودية والامارات مقابل انهاء الحرب واعادة المخطوفين واعادة اعمار قطاع غزة، تحت نظام غير حماس، فان نتنياهو الذي تطارده محاكمة فساد، ويحركه دافع البقاء في الحكم، يدهور اسرائيل الى العزلة الدولية، الذي يحولها الى دولة منبوذة بما يشبه جنوب افريقيا. من دولة تعتبر الدولة العظمى امنيا في المنطقة تهبط اسرائيل الى مكانة اللاعب الثانوي، الذي بالتدريج سيصبح لاعب غير مهم في ملعب ترامب وكل العالم.
في حينه حذر رئيس الحكومة السابق اهود باراك من التسونامي السياسي الذي ينتظر اسرائيل المسيحانية، التي تسعى الى ضم المناطق. وها هي امواج هذا التسونامي تقترب من شواطيء اسرائيل.