ترجمات عبرية

هآرتس: في غزة ما ينبغي أن تعرفوه

هآرتس 22/11/2024، بقلم مقاتل احتياط: في غزة ما ينبغي أن تعرفوه

الامر المفاجيء وبحق هو السرعة التي اصبح فيها كل شيء طبيعي ومنطقي. بعد بضع ساعات تجد نفسك تحاول رغم ارادتك التأثر بأبعاد الدمار والقول لنفسك اقوال مثل “ما هذا الجنون”. ولكن الحقيقة هي أننا نتعود بسرعة كبيرة على ذلك. هذا اصبح أمر تافه. موجة أخرى من الحجارة. هاكم، هذا كما يبدو مبنى لمؤسسة رسمية، هذه كانت مبان سكنية، هذه المنطقة كانت حي. في كل اتجاه تنظر اليه، اكوام من الجديد والرمال والباطون والطوب. زجاجات مياه معدنية فارغة لـ “عيدن” و”فودرا”، حتى الأفق وحتى البحر. العين تنظر الى مبنى معين ما زال قائما. “لماذا بالذات هذا المبنى لم يتم هدمه؟”، تساءلت شقيقتي في الواتس اب بعد أن أرسلت اليها الصورة. وأضافت “لماذا دخلت الى هناك، بربك”.

لماذا أنا هنا، هذا أمر اقل أهمية. أنا لست القصة هنا. وهذا أيضا ليس لائحة اتهام ضد الجيش الإسرائيلي. هذا يوجد له مكان في أماكن أخرى. في مقالات هيئات التحرير، في المحكمة الدولية في لاهاي، في الجامعات الامريكية وفي مجلس الامن. المهم هو أن نجعل الجمهور الإسرائيلي يشاهد. اظهار ذلك. حتى لا يقولون لاحقا بأنهم لم يعرفوا. أنا اردت أن اعرف ما الذي يحدث هناك. هذا ما قلته لاصدقائي الكثيرين، الذين سألوني “لماذا دخلت الى غزة”.

عن الدمار لا يوجد ما يمكن قوله. هو في كل مكان. هذا يقفز أمام العيون عندما نقترب من مسافة قريبة مما كان احياء سكنية. حديقة تم الاعتناء بها بشكل جيد وحولها سور مهدم وبيت مدمر، طاولة، ارجوحة، كوخ صغير له سقف من الصفيح وراء الزقاق، نقاط قاتمة في الرمال، قرب بعضها، كما يبدو كان هنا حقل، ربما حقل زيتون. هذا هو موسم قطف الزيتون. هنا نلاحظ حركة، شخص يقفز فوق كومة انقاض وهو يجمع اغصان أشجار من الشارع، يكسر شيء بحجر. كل ذلك من مسافة طائرة حوامة. 

كلما اقتربنا من المحاور اللوجستية – نتساريم، كيسوفيم وفيلادلفيا – فان عدد قليل من المباني بقيت قائمة. الدمار الكبير هنا من اجل أن يبقى. هاكم ما يجب أن تعرفوه، هذا لن يتم محوه في المئة سنة القادمة، مهما حاولت إسرائيل إخفاء ذلك وطمسه فان الدمار في غزة سيقرر حياتنا وحياة أولادنا. الدليل على هياج عديم الكوابح. احد الأصدقاء كتب على حائط غرفة العمليات “هدوء، مقابل هدوء. حفلة نوفا مقابل نكبة”. قادة الجيش الإسرائيلي تبنوا المكتوب.

بنظرة عسكرية الدمار أمر لا مناص منه. القتال في منطقة مدنية مكتظة امام عدو مزود بشكل جيد يعني دمار بحجم كبير جدا للمباني، أو موت مؤكد للجنود. اذا كان يجب على قائد اللواء الاختيار بين حياة الجنود الذين تحت مسؤوليته وبين تسوية الأرض، فان طائرة اف 15 محملة بالقنابل ستسير على المدرج في نفاتيم، وبطارية مدافع ستوجه الفوهات. لا أحد سيخاطر، هذه هي الحرب.

أمهات مع اولادهن يمشين ببطء على طول الشارع. اذا كان يوجد لدينا مياه نحن نعطيهم. القدرات التكنولوجية التي طورها الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب هي قدرات مثيرة للانطباع. قوة النيران، استخدام النار الدقيقة وجمع المعلومات بواسطة الطائرات الحوامة. هذه تعطي وزن مضاد للعالم السفلي الذي قامت حماس وحزب الله ببنائه خلال سنوات.

أنت تجد نفسك تنظر من بعيد لساعات الى مواطن وهو يجر حقيبة لمسافة بضعة كيلومترات على شارع صلاح الدين. اشعة الشمس تحرقه وأنت تحاول الفهم: هل هذه عبوة ناسفة؟ هل هذه ما بقي من حياته؟ أنت تنظر الى اشخاص وهم يتجولون قرب منشأة خيام في وسط المخيم. أنت تبحث عن عبوات وترى رسومات على حائط بلون رمادي من الفحم. هاكم مثلا صورة فراشة.

أنا قمت في هذا الأسبوع بمراقبة من حوامة فوق مخيم للاجئين. رأيت امرأتين وهما تسيران معا. رأيت شاب دخل الى بيت شبه مدمر واختفى. هل هو أحد أعضاء حماس الذي جاء لنقل نبأ لنفق مخطوفين من خلال فتحة نفق سرية؟ تابعت من ارتفاع 250 متر شخص يركب على دراجة ويسافر على ما كان ذات يوم شارع في حي – نزهة بعد الظهر في داخل كارثة. في احد المفترقات توقف راكب الدراجة قرب بيت، خرج منه عدد من الأولاد، بعد ذلك واصل الى داخل المخيم نفسه. 

جميع الاسطح مثقبة بسبب القنابل، عليها كلها توجد براميل باللون الأزرق لجمع مياه الامطار. اذا لاحظنا برميل على الشارع يجب نقله الى غرفة العمليات، واعتباره عبوة ناسفة محتملة. ها هو رجل يقوم بخبز الارغفة وقربه شخص مستلقي على فرشة. بقوة أي جمود تستمر الحياة؟ كيف يستيقظ شخص في ظل ذعر كهذا ويجد لديه القوة للنهوض والبحث عن الطعام ومحاولة البقاء؟ أي مستقبل يقدمه له هذا العالم؟ درجة حرارة مرتفعة، ذباب، قذارة، مياه ملوثة، وها هو يوم آخر انقضى. 

أنا أنتظر كاتب كي يأتي ويكتب عن ذلك. ومصور لتوثيق ذلك. ولكن لا يوجد إلا أنا. جنود آخرون، اذا كانت لديهم أفكار كافرة فهم يحتفظون بها لانفسهم. لا يتحدثون عن السياسة لأنه طلب منهم ذلك، لكن الحقيقة هي أن ذلك ببساطة لم يعد يهم قضى 200 يوم في خدمة الاحتياط في هذه السنة. جهاز الاحتياط ينهار، من يأتي اصبح لامباليا، يقلق لمشاكل شخصية أو أمور أخرى مثل الأولاد، الاعفاء، الدراسة، الزوجة، اقالة غالنت، عيناف سنغاوكر، وصول خبز مع شنيتسل. الوحيدون الذين ينفعلون هنا من شيء هم الحيوانات. الكلاب، الكلاب. الكلاب تهز الذيل وتركض بمجموعات، وتلعب مع بعضها، تبحث عن بقايا الطعام التي تركها الجيش. هنا وهناك تتجرأ على الاقتراب في الظلام من السيارة، وتحاول جر صندوق، ويتم صدها بالصراخ. يوجد أيضا الكثير من الجراء. 

في الأسابيع الأخيرة اليسار في إسرائيل يقلق من تمركز الجيش الإسرائيلي على محاور العرض في القطاع مثل محور نتساريم. ما الذي لم نقله عنه؟ أنه تم شقه وتوجد عليه قواعد خمسة نجوم، وأن الجيش الإسرائيلي موجود هناك ليبقى، وأنه على أساس هذه البنى التحتية ستتم إعادة مشروع الاستيطان في القطاع.

أنا لا أستخف بهذه التخوفات. هناك ما يكفي من المجانين الذين فقط ينتظرون الفرصة. ولكن محاور نتساريم وكيسوفيم هي مناطق قتال، توجد بين تجمعات كبيرة للسكان الفلسطينيين، كتلة حاسمة لليأس والجوع والضائقة. هنا ليست الضفة الغربية. التواجد في المحور هو تكتيكي، اكثر من هدف الاحتفاظ المدني في منطقة، هو يهدف الى ضمان تواجد روتيني وحماية الجنود المتعبين. القواعد والمواقع العسكرية تتكون من مبان غير ثابتة يمكن تفكيكها واخراجها خلال بضعة أيام، وتحميلها على الشاحنات. هذا يمكن أن يتغير بالطبع. 

جميعنا، بدءا بالذي يخدم في غرفة العمليات في القاعدة وحتى آخر جندي، واضح لنا بأن المستوى السياسي لا يعرف كيفية مواصلة الطريق الى جهنم. لا توجد اهداف من اجل التقدم نحوها، وهم غير قادرين سياسيا على الانسحاب. باستثناء جباليا، تقريبا لا يوجد قتال. وفقط على مداخل المخيمات، هذا جزئي أيضا، خوفا من وجود مخطوفين. المشكلة هي سياسية، ليست عسكرية أو تكتيكية. لذلك، من الواضح لنا جميعا بأنه سيتم استدعاءنا لجولة أخرى ولنفس المهمات. حتى الآن يأتي رجال احتياط ولكن بشكل اقل.

أين تمر الحدود بين معرفة “التعقيد” وبين الخضوع الاعمى؟ متى يكون لك الحق في رفض أن تكون جزء من جريمة الحرب؟ هذا اقل أهمية. الأكثر أهمية هو متى التيار العام في إسرائيل سيستيقظ. متى سيقوم زعيم ويشرح للمواطنين أي مؤامرة فاسدة نحن نعيش فيها. ومن سيكون من يرتدي القبعة المنسوجة الأول الذي سيطلق عليه “خائن”، لأنه قبل لاهاي، والجامعات الامريكية، والادانة في مجلس الامن، هذا قبل أي شيء هو شأننا الداخلي، نحن والمليوني فلسطيني.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى